الشيطان على أبواب المدينة
الأربعاء، 02 أكتوبر 2019 01:29 م
كان صباحًا مشرقًا على وجه مدينة جميلة في العصور الوسطى، مليئة بالخيرات، والكنوز المكنونة مطلة على بحور ويجرى في وسطها أنهار، عبق التاريخ وعبير ورودها يفوح من جنابتها ، كان كل شئ هادئ وجميل ومعتاد حتى اقتطع ذلك السكون الجميل، صوت منادى المدينة صارخًا " أسمعوا وعوا..أسمعوا وعوا" ، فالتف الجميع حوله ليعرفوا ما سبب ذلك الصياح!.
فقال:- لقد سمعت أن هناك وباءً سيتفشى في المدينة كلها ويحصد النفوس والزروع، فأصيب الجميع بالهلع !! وبادروا بالسؤال، عن كيفية منع ذلك الوباء، ولكن لأن منادى المدينة هو مجرد ناقل للأخبار بالفم وليس هو صاحب الفصاحة أو الفكرة ، فأفتى عليه عقله أن يسأل هؤلاء الرجال الذين اصطفوا على باب المدينة يراقبون الحال في صمت وهدوء ، فتخيل أنهم حكماء ! وبالفعل قالوا لمنادي المدينة أن ينصح قاطنيها بحرق كل ما هو أخضر وكل الماشية وكل الطيور لأنهم هم مصدر الوباء !
وبدون تفكير ذاع منادي المدينة ذلك الخبر في كل الأرجاء حتى حرق الجميع كل ما هو أخضر ويابس، فبارت الأرض وتيبست واختفى عبير زهور تلك المدينة، ظنًا منهم أنهم يحافظون هكذا على حياتهم، فوهنت همتهم بعد تناقص الغذاء ووهن الأطفال والنساء حتى خٌيل لهم أنها بوادر ذلك الوباء المزعوم، فعاد منادى المدينة ليستشير هؤلاء الرجال مرة أخرى !!
فأشاروا بأصبع الاتهام إلى حكيم المدينة بحٌجة انه فشل في علاج أهل المدينة!، فتأججت مشاعر الغضب وتسابق الجميع في قتل ذلك الحكيم حتى أصبحت المدينة بلا حكيم يستطيع أن يساعد الناس، وفى تلك اللحظة وبين ثنايا الفوضى بدأ الحراس في التهاون والانشقاق والانشغال حتى صارت أبواب المدينة غير مُحكمة واستطاع هؤلاء الرجال على أبوابها أن يتخففوا الخُطي حتى قلب المدينة ليثروا القلائل أكثر وأكثر، متحدثين بالباطل في ثوب الحق وعندما حصلوا على ثقة كبار رجال المدينة أقنعوهم بأن هدم القلاع العسكرية وبيع كل ما فيها من معدات ثمينة لشراء الخبز لأهل المدينة بات الحل الأمثل والأخير.
فازداد الأمر سوءًا و انقض على المدينة كل الأطراف البغيضة بجيوش ومعدات ليسقطوها في قبضتهم، وعندما سقطت في يد الآخرين، اكتشف حاكمها أن هؤلاء الرجال الذين تسللوا اختفوا ! بعد ما سرقوا كل ما هو نفيس وغالٍ في خزائن المدينة، كل كنوزها وهربوا بعيدًا.
فأدرك وقتها لماذا كانوا ينصحون بالباطل وينشرون الفوضى، ولكن بعد أن مر الوقت وأدرك أهلها تلك الفاجعة فهرعوا يصيحون في وجه منادى المدنية ويلومون إياه عن الأخبار الكاذبة وأن الوباء الذي لحق بهم لم يكن وباءً بل كان جراء كل تلك الأعمال التخريبية! ولم يكن هناك وباءً من الأصل !
فدافع المنادي عن ذاته ، قائلا :- إن كنت إنا منادي المدينة، فتلك مهنتي ! أنقل الأخبار من والى ولقد قمت بعملي، أما انتم فذنبكم أعظم لأنكم لم تفكروا وتعقلوا وهذا كان عملكم انتم !
فسكت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير ...فهل نحن أيضًا اليوم سيأتي ذلك الوقت اليوالذ نصمت فيه مثل أهل المدينة؟ ليتنا نعقل ....