العنف في أمريكا: «على عينك يا تاجر».. والمتهم «محمى» بموجب القانون
السبت، 10 أغسطس 2019 07:00 م شيريهان المنيرى
- شهدت الولايات المتحدة الأمريكية حوالى 32 ألفا و689 حادثة عنف فى عام 2019
«لقد قتلت هذا الرجل عمدا وأريد أن أعترف».. عبارة شهيرة رددها الفنان العالمى تشارلز دانس فى الفيلم الأمريكى «Last action hero» والذى تم إنتاجه فى عام 1993؛ ربما يعكس هذا المشهد الحال فى عدة أنحاء من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحدث جرائم القتل والسرقات دون قوانين رادعة حتى الآن.
«بينديكت» وهو الدور الذى أداه «دانس» كان يُمثل محور الشرّ فى أحداث الفيلم الشهير، فقد وقف فى منتصف الطريق بعد قتله لأحد الأشخاص رافعا صوته بأنه قتله عن عمد، مُعترفا بجريمته منتظرا سماع صافرات الشرطة، لكنها لم تأت؛ على الرغم من تكرار اعترافه أكثر من مرة، صحيح أن أحداث الفيلم تخلط بين الواقع والكوميديا، بينما نتذكر هذا المشهد كلما رأينا حادثة مريعة بأمريكا فى ظل حماية الدستور لها؛ فالجدل ما زال مستمرا حول إقرار قوانين تعمل على تجريم حمل الأسلحة بين الرفض والتأييد.
الأسبوع الماضى شهدت الولايات المتحدة الأمريكية واقعتين مريرتين على مدار يومين متتالين، إحداهما السبت فى مدينة إل باسو بولاية تكساس، والأخرى الأحد بمدينة دايتون بولاية أوهايو، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والمصابين، وسبب الحادثين هو إطلاق نار عشوائى من قبل شخصين، وقالت الشرطة الأمريكية، حول الأول، إن دوافعه كانت عنصرية، فيما قالت إن الشخص الآخر المتهم فى واقعة الأحد الماضى تم تصفيته إثر الهجوم مباشرة.
وجاءت الحادثتان لتعيدا إلى الأذهان عددا من الحوادث المشابهة على مدار سنوات طوال؛ ففى يوليو الماضى سقط قتيل وأصيب 11 آخرون فى هجوم بحديقة بروكلين فى ولاية كاليفورنيا خلال مهرجان ومعرض للأغذية، وفى نوفمبر من العام الماضى (2018) قُتل 12 شخصا فى إطلاق نار داخل حانة بمنطقة ثاوزند أواكس بولاية لوس أنجلوس، وفى أكتوبر شهدت ولاية بنسلفانيا حادث إطلاق نار أسفر عن سقوط 11 من الضحايا، وفى فبراير من العام ذاته قُتل 17 شخصا فى إطلاق نار داخل مدرسة باركلاند الثانوية بفلوريدا.
عام 2017 أيضا كان حافلا بحوادث مشابهة، ففى نوفمبر تم إطلاق النار أثناء حفل موسيقى فى ولاية كاليفورنيا، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والمصابين، كما شهد الشهر ذاته مقتل 26 شخصا فى إطلاق نار على كنيسة بولاية تكساس، وفى يونيو من عام 2016 تم إطلاق النار فى ملهى ليلى للمثليين بولاية فلوريدا تسبب فى مقتل 49 شخصا، كما تسبب إطلاق نار فى مدينة سان برناردينو فى مقتل حوالى 14 شخص، وفى عام 2012 وقع عدد من الأطفال بين الضحايا فى إطلاق نار بولاية كونتيكت، وشهد عام 2009 حادثى إطلاق نار أحدهما فى قاعدة فورت هود بولاية كساس، والأخرى فى نيويورك.
وبحسب منظمة «Gun violence Archive» فقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية حوالى 32 ألفا و689 حادثة عنف فى عام 2019 حتى قبل الحادثتين الأخيرتين، وفى تقرير آخر رصد بالأرقام والإحصاءات لمراكز ومنظمات مختلفة أُجريت حول هذا العنف، وبحسب دراسة لمركز «Pew» أُجريت فى عام 2017؛ فإن 3 من كل 10 أمريكيين من البالغين يملكون سلاحا ناريا، وأكثر من 66 % منهم يملكون أكثر من سلاح ومن بينهم 29 % لديهم 5 أسلحة أو أكثر، أيضا رصدت «BBC» أن الولايات المتحدة الأمريكية شهدت 14249 جريمة قتل فى عام 2014 كان من بينها 9675 تمت بسلاح نارى ما يُعادل 68 %، كما تم تسجيل 5.9 مليون جريمة عُنف فى العام نفسه من بينها ما يقرب من 600 ألف جريمة ظهر بها الأسلحة النارية عند ارتكابها، ما يُعادل حوالى 10 % من نسبة الجرائم فى هذا العام.
وتؤكد جميع الأرقام والبيانات المتداولة حول معدلات العنف فى الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة التى تكون من خلال الأسلحة أن هذا هو الأمر الشائع بأمريكا فى ظل حرية امتلاك الأشخاص للأسلحة، واستمرار الاختلاف بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى حول المادة الخاصة بحرية امتلاك السلاح والتى وُضعت فى التعديل الثانى للدستور الأمريكى، بحسب وكالة «سبوتنيك» الروسية.
ويرى عدد من المتابعين أن الحديث فى الولايات المتحدة الأمريكية حول القوانين الخاصة بحق الفرد فى امتلاك الأسلحة يُعد فقط ورقة يتم استخدامها وتوظيفها فقط أثناء الحملات الانتخابية فقط دون اتخاذ أى إجراء فعلى حتى الآن، ولعل الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما كان الأكثر جدية فى هذا الأمر؛ فقد دعا أكثر مرة إلى تشديد قانون حيازة المواطنين للأسلحة فيما تصدى له ما يُسمى بـ«لوبى السلاح الأمريكى» والذى يرفض إجراء تعديلات من شأنها تقييد حق المدنيين فى حيازة الأسلحة، والآن أدان بعض من المرشحين الديمقراطيين- بحسب صحف أجنبية- الرئيس دونالد ترامب، متهمين إياه بالعنصرية والفشل فى السيطرة على عمليات امتلاك الأسلحة ومن ثم تكرار الحوادث بشكل مبالغ فيه.
من المؤكد أن حيازة الأسلحة دون رادع، تُعد أحد العوامل البارزة فى ازدياد معدلات العنف والجريمة فى المجتمع الأمريكى، ولكن هناك أيضا عوامل أخرى مؤثرة فى الأمر، أبرزها طبيعة الأفلام التى تنتجها السينما الأمريكية وما تحتويه من مضامين تبث العنف والكراهية وفى أحيان كثيرة العنصرية والتى كانت سببا فى عدد من الحوادث التى شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية بحسب التقارير والتحقيقات الرسمية التى تم نشرها فى توقيت كل واقعة.
ويذكر أن حيازة الأسلحة لمن هم أكثر من 18 عاما بشرط عدم وجود صحيفة جنائية له سابقا أو معاناته من أحد الأمراض النفسية الخطيرة، بينما تعكس الوقائع والأحداث على مدار تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وجود ثغرات وأخطاء تتسبب فى حصول أشخاص غير مؤهلين على الأسلحة ومن ثم تكرار الحوادث وما نراه من مآس إنسانية.