أمريكا VS الصين.. الحرب التجارية تخرج عن السيطرة

الجمعة، 09 أغسطس 2019 04:00 ص
أمريكا VS الصين.. الحرب التجارية تخرج عن السيطرة

يراقب العالم عن كثب الحرب التجارية التى شنتها الولايات المتحدة الأمريكية عندما وضعت حواجزجمركية دفعت الصين  الى الانتقام وجعلت الكثير من البلدان تتوخى الحذر من التهديدات القائمة وتستشرف الفرص المتاحة.
 
وأصبحت الولايات المتحدة منذ عام 1989 أكبر مستورد للسلع الصينية.وفى عام 2015 أصبحت الصين أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة بدلا من كندا حيث بلغ حجم تبادل السلع بينهما ما قيمته 500 مليار دولار, مما يمثل 15% من اجمالى التجارة الأمريكية.
 
وصرح أستاذ الاقتصاد والاستثمار والمالية الدولية ورئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية رشاد عبده، أن رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب أوضح فى حملته الانتخابية أن ( أمريكا هى الأولى ) وأنه سيواجه أقصى تهديد متمثل فى الصين. وأضاف أستاذ الاقتصاد أن الرئيس الأمريكى أعلن آنذاك أنه سيفرض رسوم على الواردات من الحديد.
 
وعندما أصبح ترامب رئيسا بدأت الحرب التجارية بزيادة الرسوم على واردات الحديد بنسبة 25% وعلى واردات الألومينيوم بنسبة 10%. وتأثر  بذلك الأمر الكتير من الدول  بما فيها حلفاء الولايات المتحدة  وليس الصين  فقط التى تحتل المرتبة الخامسة فى تصدير الحديد والألومينيوم الى الولايات المتحدة. والدول الأربع الأولى المصدرة لهما هى كندا والمكسيك وكوريا الجنوبية والبرازيل. ونتيجة لذلك هددت كندا بزيادة الرسوم على وارداتها من الولايات المتحدة أيضا, هذا ما صرح به الدكتور رشاد عبده.
 
وأوضح الدكتور عبده أن الصين هى المستهدفة بزيادة الرسوم لأنها تصدر عددا ضخما ومتنوعا من المنتجات الى الولايات المتحدة فى حين أن وارداتها منها ضعيفة للغاية مما جعل كفة الميزان التجاري ترجح لصالح الصين. وتهدف الولايات المتحدة من زيادة الرسوم الى دفع الصين الى شراء المزيد من المنتجات الأمريكية. وهناك سبب آخر وراء هذه الحرب التجارية التى شنتها الولايات المتحدة وهوان الصين تسرق افكار المنتجات التي تبتكرها شركات أمريكية و تطورها و تبيعها بأسعار منخفضة.
 
وحثت الولايات المتحدة الصين على احترام حقوق الملكية الفكرية للشركات الأمريكية. وتزعم الولايات المتحدة أن الصين تنتهج سياسات تجبر الشركات الأمريكية على نقل التكنولوجيا الى الشركات ألصينية لذا يتمثل أحد شروطها لانهاء الحرب التجارية فى اقلاع الصين عن هذه الممارسات. وتبلغ قيمة ما فرضته الولايات المتحدة من رسوم إضافية ستين مليار دولار.
 
وردت الصين على ذلك برفع الرسوم على بعض الواردات مثل فول الصويا. وفرضت هذه الرسوم على الواردات من كافة الدول مما سيكون له أثر سلبى على قدرات هذه الدول الشرائية وفى المقابل سيكون لهذا أثر سيء على الصادرات الأمريكية . فعلى سبيل المثال قد تنخفض واردات أوروبا من المركبات الأمريكية.
 
ومن جانبها، قالت الدكتورة يمن الحماقى أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس: «وضعت الولايات المتحدة حواجز جمركية حتى مع الدول التى تربطها بها اتفاقيات تجارية مثل دول الNAFTA  وهى الدول الأعضاء فى اتفاقية التجارة الحرة بين دول أمريكا الشمالية، وكذلك دول الاتحاد الأوروبى . وهذا يمثل انتهاكا لحرية التجارة ومخالفة للوائح منظمة التجارة العالمية . فالسياسات الحمائية تضر بالجميع».
 
وأشار الدكتور عبده الى أن مصر قدمت مذكرة طلبت فيها منحها اعفاء من ذلك, لأن مصر قد لا تكون قادرة على زيادة صادراتها الى الولايات المتحدة اذ أن أسعارها مرتفعة مقارنة  بدول أخرى. فالبرغم من ان قيمة العملة المصرية أقل من قيمة عملة الصين إلا ان بعض فئات مدخلات الانتاج مكلفة اكثر من مثيلاتها بدول اخري. على سبيل المثال نحن لا ننتج بيليت الحديد وانما نستورده بالعملة الصعبة.
 
وأكدت الحماقى أن: «مصر لديها الفرصة لزيادة صادراتها الى الولايات المتحدة ,فالقطاعات التى يمكن أن تستفيد من ذلك هى قطاعات الملابس والأثاث والجلود والأغذية والصناعات اليدوية. ويمكن أن يكون منافسونا فى قطاع الملابس فيتنام والفليبين. ويتعين علينا أن نشجع صغار المصدرين وأن نبصرهم بالفرص المتاحة . فنحن لا نستفيد بالقدر الكافى من النظام العام للأفضلياتGSP  كما أن نصيبنا من واردات الولايات المتحدة منخفض للغاية. فالهند على سبيل المثال نجحت فى الاستفادة من ذلك النظام GSP  فزادت صادراتها الى الولايات المتحدة وأصبح الميزان التجارى لصالحها».
 
وأوضح عبده فى ما يتعلق باحتمال قيام الصين بتوجيه صادراتها من الحديد الى مصر مباشرة: «عندما ارتفعت أسعار الصلب ( منذ عامين) زادت الواردات من أوكرانيا وتركيا لأن الطاقة مدعومة هناك .فاستفادت الدول من رفع حجم صادراتهما . ونتيجة لذلك اضطر المنتجون المصريون الى خفض سعر انتاجهم من الحديد . وهذا هو السبب الذى جعل منتجى الحديد في مصر يطلبون الحصول على الغاز بأسعار منخفضة».
 
وقال الدكتور أحمد غنيم  أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة: «الصين تستثمر فى دول أخرى لعدة أسباب، فهى لديها رؤية بعيدة المدى وتتوقع القرارات التى سوف تتخذها الولايات المتحدة . واستثمارات الصين فى مصر تتلقى دعم من الدولة الصينية ولقد علم الاتحاد الأوروبى بذلك».
 
وأشار عبده الى أن: «حجم التجارة العالمية سوف ينكمش وبناء على ذلك ستخفض الكثير من الدول من انتاجها وبالتالى سيتقلص حجم  مدخلات التصنيع التى تستوردها من دول أخرى».
 
وقال الدكتورغنيم معلقا علي تاثير الحرب التجارية أنه: «على المدى القصير سيشهد العالم تراجعا فى التجارة العالمية والنمو الاقتصادى الدولى أما على المدى الطويل  فمن الصعب التوقع بما سيحدث .لكن سياسات ترامب لم تبين أن خفض التصعيد سوف يحدث. والصين لن ترفع حجم وارداتها من الولايات المتحدة. والكساد الذى حدث فى القرن الماضى يمكن أن يحدث من جديد».
 
ويتوقع الدكتور عبده حدوث حرب عملات اذ أنه من الممكن أن تخفض بعض الدول من قيمة عملاتها لتزيد من صادراتها. وأكد الدكتور عبده على دور صندوق النقد الدولى فى مراقبة مثل هذه الممارسات. وأضاف أن البنوك يمكن أن تصاب بالضرر بسبب تراجع المعاملات وبالتالى تناقص العمولات التى تحصل عليها.
 
واستطرد الدكتور عبده قائلا: «والدول التى يمكن أن تستفيد من الحرب التجارية هى المكسيك والدول التى تكون تكلفة الانتاج فيها منخفضة. وبسبب انخفاض الانتاج ستتراجع أسعار النفط والمعادن. وتفهم الولايات المتحدة جيدا هذا الواقع لذلك تعمد الى رفع الرسوم على وارداتها من هذه الدول». ولقد أعطى مثال المكسيك التى يفضل صانعو المركبات تجميع مركباتهم فيها. وهدد ترامب فى شهر مايو الماضى بفرض رسوم تبلغ 25% على المركبات المستوردة من المكسيك.
 
وعلق الدكتور عبده على الشركات الأمريكية التى تصنع فى الصين والتى يخضع انتاجها للرسوم قائلا: «إنها تبيع معظم انتاجها الى بلدان غير الولايات المتحدة ولكن يظل وطنهم سوقا كبيرة يمكن أن يفرض عقوبات على دول العالم مثل ما حدث مع ايران».
 
وعلى العكس من ذلك قالت دكتورة يمن حماقى أن: «بعض الشركات الأمريكية تخفض استثماراتها فى الصين وتتجه نحو دول مجاورة مثل فيتنام وكمبوديا واندونيسيا وبلدان آسيوية أخرى».
 
ويشير الدكتور غنيم الى أنه لا توجد أى بدائل للصين حيث أن أسعارها هى الأرخص فى العالم. ولكنها ستخفض من هامش ربحها. وستستمر الشركات الأمريكية  فى التصنيع فى الدول النامية وستبقى تلك التى تعمل فى الصين لأنها اعتادت على هذه السوق وليس من السهل اتخاذ قرار بمغادرتها.
 
وأشار عبده الى أن بعض الصناع: «ولكنها ستخفض من هامش ربحها  الأمريكيين سوف يعانون لأنهم يستوردون بعض مدخلات الصناعة من الصين كما أن أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية البارزة انخفضت فى البورصة».
 
تؤكد الدكتورة يمن الحماقى ان المزارعون الأمريكيون المصدرون الى الصين سيتاثرون سلبا بالرغم من الدعم الذى يقدمه ترامب و ان الولايات المتحدة لا تتمتع بمزايا فى بعض القطاعات مثل صناعة الملابس بسبب ارتفاع أجور العمال. وسيكون التأثير سيئا أيضا على المواطنين الصينيين أصحاب الدخول المنخفضة.
 
وذكر الدكتور عبده أن: «الولايات المتحدة حاولت منع شركة هواوى من استخدام الأندرويد حتى تنهار ومع ذلك تستطيع هواوى ايجاد بديل خلال ثلاثة أشهر. وعندئذ قد تتخلى نصف دول العالم عن جوجل وتختار هواوى . ولقد وقعت دولة الامارات العربية المتحدة وكوريا الجنوبية عقدا مع هواوى للحصول على تكنولوجيا الجيل الخامس.G5 ووقعت الشركة أيضا عقدا جزئيا مع المملكة المتحدة».
 
وأضاف الدكتور عبده أن: «هواوى حصلت على تكنولوجيا الجيل الخامس التي لم تصل الولايات المتحدة بعد. وهناك عواقب وخيمة تترتب على تكنولوجيا الجيل الخامس لأنها ستؤدى الى الغاء الكثير من الصناعات وظهور صناعات أخرى مثل صناعة السيارات ذاتية القيادة  بينما لا تنتج الولايات المتحدة سوى السيارات التقليدية.  وتعتمد تلك التكنولوجيا على البيانات والمعلومات لذا قد تسهل أنشطة التجسس لكشف أسرار الدول».
 
وأشار الدكتور عبده الى أن: «البطالة فى الولايات المتحدة قد تنخفض من 9 %الى 3.5%». و اضاف أن الولايات المتحدة حققت اكتشافات جديدة من الغاز و بما ان الصين تشترى الغاز من الولايات المتحدة فالأخيرة قد تمارس ضغطا عليها. ولكن لن تكون الولايات المتحدة هى الفائزة دائما ففى الحرب يكون الجميع خاسرين.
 
وتعلق الدكتورة يمن الحماقى على الاتفاقية التى أبرمت بين الولايات المتحدة والصين فى محاولة لارساء هدنة تجارية بينهما ستزيد الصين وارداتها من الولايات المتحدة وهذا من شأنه خفض تصاعد الأمور من جانب الولايات المتحدة. وهذا سيفسح المجال لدراسة التأثير السلبى لزيادة الرسوم واجراء حوار هادىء بينهما. فحمائية التجارة تضر بالجميع.
 
ذكرت صحيفة الفايننشيال تايمز أن ادارة الجمارك الفيتنامية تعهدت بمحاربة تزييف علامات بلد المنشأ التى توضع على السلع الصينية المصنوعة فى فيتنام.  ونقلت صحيفة   Quartzعن تقرير للخبيرة الاقتصادية الصينية فى شركة سوسييتيه جنرال   Wei Yao أن الصادرات الصينية من قطع الغيار الالكترونية الى تايوان وفيتنام قد زادت بشكل كبير مقارنة بالعام الماضى. وترى شركة سوسييتيه جنرال أن ذلك يمكن أن يكون علامة تفكيك السلع حيث أنه يتم تفكيك المنتج فى الصين ثم يعاد تجميعه من جديد فى دولة أخرى.
 
ويقول الدكتور عبده فى هذا الشأن أن الحيل مثل عملية تفكيك المنتجات يمكن أن تنجح على المدى القصير. ومن ناحية أخرى أشار الدكتور غنيم الى أن المنتجات تخضع لقواعد المنشأ فوضع علامة انها مصنوعة فى دولة معينة لن يغطى على حقيقة أنها مصنوعة فى الصين.
 
وأضاف غنيم ان: «الدول المستوردة يمكن أن تتحقق من المنشأ فكثير من قضايا الاغراق تم كشفها باستخدام هذه المعايير». وأوضحت الدكتورة الحماقى أن مسألة تفكيك السلع انما هى مبدئيا اختيار لنوع من الأعمال ومسايرة للظروف الاقتصادية. فالصين تستثمر فى أفريقيا وأوروبا وآسيا حسب ظروف كل سوق فيها وقدرتها على استيعاب منتجاتها وفى ضوء علاقات الصين مع هذه الدول. "
 
أكثر من 20% من الواردات الأمريكية تكون عادة مصنوعة فى الصين. وخلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019 انخفضت النسبة الى أقل من 18 %. ووفقا للبيانات التى نشرتها اللجنة الأمريكية للتجارة الدولية , كانت الدول السبع الأولى التى زادت صادراتها الى الولايات المتحدة خلال تلك الفترة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى هى المكسيك بنسبة 0,75% , فيتنام بنسبة 0,70%, كوريا الجنوبية بنسبة 0,48% , تايوان بنسبة 0,37% ,فرنسا بنسبة 0,33% , الهند بنسبة 0,26%  واليابان بنسبة  0,21%.
 
واستهدفت زيادة الرسوم الجمركية الالكترونيات بصفة رئيسية والالات المتقدمة وقطع الغيار. وعلى هذا , كان من المتوقع أن تزيد حصة فيتنام التى تصدر فعليا الالكترونيات  الى الولايات المتحدة , وزاد بالفعل حجم الصادرات الفيتنامية والتايوانية فى الفئتين الأخريين.
 
وذكر تقرير نشره البنك المركزى الأمريكى بنيويورك أن هذه التعريفات سوف تكلف كل أسرة أمريكية 831 دولار أمريكى سنويا.  وصرح وزير الخزانة الأمريكى ستيفن منوتشن أمام مجلس النواب فى مايو الماضى أن عوامل متعددة سوف تخفف من تأثير ذلك. وأحد هذه العوامل هو أن الشركات الأمريكية ستتحول الى منتجات دول غير الصين. ومع ذلك أضاف التقرير أن هذه الشركات يمكن أن تلجأ الى دول أكثر غلاء  وقد يترتب على ذلك انخفاض العائدات من الرسوم المفروضة على السلع الصينية. أما العوامل الأخرى التى ذكرها وزير الخزانة الأمريكى فهى تأثير العملة وتخفيض المستردين الامريكيين لهوامش الربح من بين عوامل أخرى.
 
ونشرت وكالة رويترز فى يناير الماضى أن الصين تفكر فى زيادة وارداتها من الولايات المتحدة على مدى ست سنوات وحتى عام 2024 للتخلص من الفائض التجارى الذى بلغ 324 مليار دولار فى العام الماضى. ولبلوغ الرقم صفر بحلول التاريخ المذكور يجب أن تزيد المشتريات من الولايات المتحدة خلال السنوات الست الى تريليون دولار أمريكى.
 
وذكرت شركة سوسييتيه جنرال أن الاستثمارات الآجنبية فى فيتنام وتايلاند زادت منذ بداية هذا العام وأن شركة الالكترونيات التايوانية  Foxconn – وهى أكبر شركة تجميع الكترونيات المستهلكين فى العالم لصالح شركات مثل Apple – نقلت انتاجها من الصين الى الهند وفيتنام.
 
وفى مايو أعلن المدير التنفيذى لشركة Brooks Running أن بعض العمليات نقلت من الصين الى فيتنام نتيجة لزيادة الرسوم على الأحذية. واتخذت شركات أخرى خطوات مماثلة بسبب انخفاض أجور العمال فى دول أخرى مقارنة بأجورهم فى الصين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق