من الصعود إلى السقوط للهاوية.. محطات الاقتصاد التركي في 17 عام
الخميس، 25 يوليو 2019 09:00 ص
يعد عام 2019 هو الأسوأ فى تاريخ الاقتصاد التركي، بعد موجه من الخسائر الفادحة وانخفاض قيمة الليرة، فى وقت ينصب التركيز الأساسي في أنقرة على انتظار معرفة العقوبات التي ستفرضها الولايات المتحدة نتيجة حصولها على صواريخ إس-400 الروسية، الأمر الذى سيؤدى إلى إثقال كاهل الاقتصاد، وانخفاض جديد فى قيمة الليرة.
يأتى ذلك فى وقت يستعد محافظ البنك المركزي التركي الذى عينه الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخرا إلى تخفيض أسعار الفائدة، كما طالب أردوغان، الأمر الذى يراه اقتصاديون أنه مؤشر جديد لتطبيق سياسة مالية فضفاضة في النصف الثاني من العام، الأمر الذي سيؤدي إلى تجدد مشاكل الاقتصاد، وعجز الحساب الجاري المنهار علاوة على تراجع الطلب المحلي، وهى أسباب قد تؤجل انهيار العملة على غرار ما حدث في أغسطس 2018، ولكن مع تراكم المخاطر السياسية، فإن ذلك سيؤجل الأمر فحسب ولن يمنع الانهيار.
تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه من الفوز في الانتخابات بين عامي 2002 و2018، بسبب النمو القوي للناتج المحلي الإجمالي الذي ساعد الطبقة الوسطى المحافظة الآخذة في الاتساع، وقد شهدت الفترة الأولى، بين عامي 2002 و2008، نمواً قوياً ولكنه متوازن بفضل برنامج مع صندوق النقد الدولي أعطى الأولوية لخفض التضخم والترشيد المالي الذي منع تركيا من تحقيق إمكاناتها في النمو.
ومر الاقتصاد التركي بمرحلة ثانية من 2008 إلى 2013، سنوات من السيولة الخارجية الرخيصة التي أبقت تركيا في منافسة مع الصين من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومع بلوغ معدل النمو حوالي 10 % في بعض السنوات، تمت معالجة النمو التضخمي عن طريق سياسة نقدية غير تقليدية مقترنة بانضباط مالي لا يزال سليمًا، لكن بداية تشديد مجلس الاحتياطي الاتحادي "البنك المركزي الأمريكي"، للسياسة النقدية في عام 2013 تزامنت مع رغبة أردوغان في تعزيز السلطة من خلال رئاسة تنفيذية.
ومرحلة ثالثة شهدها الاقتصاد التركي ما بين 2013 و2018 بإصرار على السياسة النقدية غير التقليدية التي جعلت استقرار الأسعار أمراً ثانوياً بالنسبة للنمو، مثل هذه الأخطاء في السياسة غذت التضخم في حين أخذ الانضباط المالي في التآكل، وفي حين أن قيمة الليرة تمثل مقياساً للاقتصاد بالنسبة للكثيرين في تركيا، فعندما يرتفع عجز الحساب الجاري إلى مستويات لا يمكن تحملها عند نحو 7 إلى 9 %من الناتج المحلي الإجمالي فيكون هذا الوقت الأمثل للمستثمرين الأجانب للفرار من الأسواق التركية.
العجز الاقتصادي ظهر جليا فى زيادة نسبة العجز المالي في تركيا حيث بلغت حوالي 1-2 % من الناتج المحلي الإجمالي منذ أكثر من عشر سنوات ويصل الدين العام إلى أقل من 30 % من الناتج المحلي الإجمالي، وفي ظل تطبيق التقشف المالي في الفترة بين عامي 2002 و2008، فإن الفائض الأساسي لتركيا "الإيرادات ناقص نفقات الفوائد" إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي حام حول أربعة إلى 5.5 % من الناتج المحلي الإجمالي عندما استند برنامج صندوق النقد الدولي في إجراءاته على شفافية ومساءلة القطاع العام، وكذلك خفض التضخم من خلال استقلالية البنك المركزي واستهداف التضخم.
وعقب الخسائر الفادحة التي مُني بها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية هذا العام، ركز أردوغان مرة أخرى على النمو لحشد الدعم، في حين أن البنك المركزي اُضطر إلى القيام بزيادة كبيرة جداً وتقليدية في أسعار الفائدة في الصيف الماضي، إلا أن أدوات أردوغان المتبقية لترويض الانكماش الاقتصادي كانت على الجانب المالي، وقد سجلت تركيا عجزاً في الميزانية بلغ 78.6 مليار ليرة حوالي 14 مليار دولار في النصف الأول من عام 2019، وهو مستوى كان من المفترض أن يصل إليه العجز بحلول نهاية العام.
وفى الوقت الذى استهدفت فيه الحكومة التركية تحقيق الميزانية في نهاية العام فائضاً قدره 36.7 مليار ليرة أي 6.4 مليار دولار، يشير أداء النصف الأول من العام إلى عجز هائل بلغ 27.8 مليار ليرة حوالي 5 مليارات دولار، أي ضعف العام الماضي، يأتي هذا الأداء الضعيف من انكماش الطلب المحلي وأيضاً من زيادة الإنفاق الحكومي في النصف الأول من عام 2019، وقد أدت خسارة إسطنبول وأنقرة وغيرهما من المدن الكبرى لصالح المعارضة في الانتخابات المحلية، إلى انقسامات داخل حزب العدالة والتنمية، ويظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة كوندا أن الأصوات الأساسية لحزب العدالة والتنمية انخفضت إلى 28 %، الأمر الذى انعكس سلبيا على الاقتصاد التركي حيث فقدت الحكومة مصداقيتها.