السقوط الثاني للعثمانية: تركيا والناتو.. فك الارتباط مسألة وقت (4)

السبت، 20 يوليو 2019 09:00 م
السقوط الثاني للعثمانية: تركيا والناتو.. فك الارتباط مسألة وقت (4)
منظومة إس 400 الروسية
محمود على

سبوبة اللاجئين وضعت أردوغان فى مأزق وسرقة غاز المتوسط تعجل بنهاية العلاقة مع الاتحاد الأوروبى

رغم مرور 6 عقود على عضوية تركيا فى حلف الناتو، وضعت ممارسات أردوغان غير المحسوبة علاقات بلاده مع الحلف على المحك، بدءًا من التنقيب غير الشرعى فى السواحل القبرصية وشرق المتوسط، مرورًا بإتاحة السلطات التركية المجال لتسلل اللاجئين إلى الداخل الأوروبى وصولًا إلى شراء منظومة إس 400 الروسية المخصصة لتكون حائط صد لأسلحة الحلف، كل هذا دفع الصحف والوكالات العالمية إلى توقع فك الأطلسى تحالفه مع تركيا فى عهد أردوغان.
 
تقارير عديدة تنبأت بطرد تركيا من حلف شمال الأطلسى فى الفترة المقبلة أو تعليق العضوية على أقل تقدير، فور الإعلان عن الانتهاء من صفقة شراء تركيا منظومة إس 400 الدفاعية الروسية والتى مثلت القشة التى قصمت ظهر العلاقة بين الطرفين، على خلفية تحذير الناتو السلطات التركية مرات كثيرة من تأثير هذه الصفقة العسكرية على الحلف وعلاقته بأنقرة.
 
ما يعكس وصول العلاقة بين تركيا والحلف الأطلسى إلى طريق مسدود، تصريحات مسئولين بالناتو فى الآونة الأخيرة، أكدوا أن تداعيات كبيرة ستقع على تركيا بعد حيازتها منظومة الدفاع الجوى الصاروخية إس 400، فضلًا عن تصريحات لوزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو بدراسة بلاده وهى العضو الأقوى والأبرز فى الحلف فرض عقوبات جديدة على تركيا على إثر هذه التطورات.
 
ووفقًا لمسئولى حلف الناتو، لم تراع أنقرة فى شرائها لمنظومة الدفاع الروسية التزامها بالمبادئ التى تقع على أعضاء الحلف فى حالة شراء الأسلحة والمعدات العسكرية، حيث صمم برنامج الدفاع الصاروخى الروسى إس 400 من أجل إسقاط مقاتلات فى حلف الناتو وخاصة طائرات إف 35 الأمريكية التى تعثرت المفاوضات بشأنها بين الولايات المتحدة وتركيا، بعد تعاقد الأخيرة على منظومة الدفاع الروسية.
 
وبدأت قصة توجه تركيا نحو التعاقد مع روسيا لشراء منظومة إس 400 فى 2017، بعد توتر العلاقات الأمريكية التركية بسبب مطالبة أردوغان بتسليم رئيس حركة الخدمة المقيم فى الولايات المتحدة فتح الله جولن، على خلفية مزاعم بتورطه فى محاولة الانقلاب الفاشلة فى يوليو 2016، وهو ما أعقبها من تطورات أدت إلى تعثر المفاوضات المطولة فى شراء أنقرة أنظمة دفاع الجوى باترويت من أمريكا، لكن قلق حلف الناتو وأعضائه، لم يكن نتيجة الخلافات الأمريكية التركية فقط، بل بسبب ردة الفعل الأردوغانية غير المحسوبة وفقًا لكثير من خبراء للشئون الدولية، حيث حمل تعاقد تركيا على الصفقة الروسية، العداء لكافة الدول الأوروبية أعضاء حلف شمال الأطلسى، وما يمثله السلاح الروسى من مخاطر على دول أوروبا الشرقية ومنها لتوانيا وأستونيا وبولندا، التى كانت تحت مظلة الاتحاد السوفيتى، ولا تزال تشهد علاقاتها توترات كبيرة مع الدب الروسى، وهو ما قرأه الناتو بأنه تحالف روسى تركى يستهدف أعضاءه.
 
ويرى الخبير فى الشئون الدولية توماس إيجير، أن الصفقة التركية الروسية، تعد انتصارًا كبيرًا بالنسبة للرئيس الروسى فلادمير بوتين على حلف شمال الأطلسى، ما قد يؤدى إلى انسحاب تركيا من الحلف مستقبلًا، على اعتبار أن العلاقات قد تصل إلى مرحلة صعبة ستضطر فيها بعض الدول الأوروبية بالإضافة إلى أمريكا فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على نظام أردوغان.
 
وفى مقال حول: «مستقبل تركيا بعد إتمام صفقة إس 400»، قال إيجير إن العلاقات الأمريكية التركية ستصل لمرحلة أخرى من التوتر بعد استلام تركيا منظومة الصواريخ الروسية، قائلًا على الأرجح لن يكون بإمكان الرئيس الأمريكى التخلى عن فرض العقوبات ضد تركيا والتى قد تشمل قطاع الاقتصاد والتبادل التجارى والعملة (الليرة)، ما قد يصيب تركيا بالشلل الاقتصادى، كما حدث فى وقت سابق من عام 2019، عندما ضربت أزمة اعتقال القس الأمريكى فى تركيا العلاقات بين البلدين، وأعقبها إصدار دونالد ترامب عقوبات ضد تركيا أثرت بشكل كبير على العملة المحلية وأدت إلى انخفاضها نحو 40 % من قيمتها.
 
وكانت تركيا فى العقود الأولى الأربعة بعد انضمامها للحلف الأطلسى، إحدى الدول المهمة التى تلعب دورا مهما فى التعاون الأوروبى الأطلسي، لا سيما وأنها لعبت الجناح الجنوبى فى سياسة الناتو فى مواجهة الاتحاد السوفيتى، لكن منذ وصول الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى الحكم، فى الألفية الجديدة وبدأت تركيا تتنحى عن هذا الدور، ورغم سعى الخليفة العثمانى المزعوم دائمًا ليكون منطويًا تحت مظلة الحلف، كانت ممارساته متناقضة مع هذا السعى محاولًا استغلال الأطلسى وابتزازه ماديًا فى الكثير من القضايا.
 
فى قضية إغراق أوروبا باللاجئين كانت لأردوغان سوابق كثيرة، دفعت الاتحاد الأوروبى ودول حلف شمال الأطلسى إلى إعلان تركيا دولة غير متعاونة من أجل إنقاذ أوروبا، فرغم اتفاق سابق وقعت عليه السلطات التركية مع القارة العجوز بشأن تدفق المهاجرين من تركيا إلى أوروبا، لم تلتزم أنقرة بهذا الاتفاق، مطالبة بتعويضات مادية من أجل تنظيم تدفق المهاجرين وكأن قضية اللاجئيين «بيزنس» تحاول من خلاله تحقيق أقصى ربح ممكن، عن طريق ابتزاز أكثر لأوروبا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق