في ذكرى ثورة يوليو
سيد قطب من تأييد ثورة 23 يوليو إلى التآمر على «ناصر»
الإثنين، 22 يوليو 2019 05:00 م
"الذين لا يفردون الله بالحاكمية في أي زمان وفي أي مكان هم مشركون لا يخرجهم من هذا الشرك أن يكون اعتقادهم أن لا إله إلا الله مجرد اعتقاد ولا أن يقدموا الشعائر لله وحده".. القاعة التكفيرية السابقة ابتدعها مفتى الإرهاب الأول " سيد قطب"، والذى جرت فى شخصيتة تحولات دراماتيكية أشبه بما يحدث فى الأعمال الروائية، فالرجل كان من أشد المؤيدين لثورة 23 يوليو ثم أصبح عدوها الأول لأغراض، وأطماع، ومكتسبات شخصية حاول الوصول إليها عبر تأييده للثورة ،وعندما لم يحصل عليها أتجه إلى التأصيل للعنف وتآمر ضد الضباط الأحرار لينتهى الأمر باعدامه، بعد اتهامه بالتخطيط لإغتيال الزعيم الراحل "جمال عبدالناصر"فى عام 196.
قبل اندلاع ثورة 23 يوليو فى عام 1952، كان سيد قطب، يكتب مقالات حماسية في مجلة "الرسالة"، ضد فساد الملك فاروق وحاشيته لذلك حدث توافق بينه بين الضباط الساخطين على الاستعمار والنظام الملكي إلا أنه بعد نجاح الثورة والاطاحة بالملك ظهر " قطب" على حقيقته طالبا أن يتولى وزارة المعارف وقتها وهو ما رفضه جمال عبدالناصر ليتحول الأول من تأييد الثورة إلى الصدام معها وهو الذى كان قد نادى عندما كانت حبال الود موصولة مع الضباط الأحرار بمنع كل لمع نجمه إبان العهد الملكى حتى فى مجال الفن والغناء!
"حلمى النمنم"، وزير الثقافة السابق كشف فى كتابه "سيد قطب وثورة يوليو" إن سيد قطب، كتب بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، فى مجلة الرسالة عدد 22 سبتمبر 1952 مقالا يحمل عنوان "أخرسوا هذه الأصوات الدنسة" والمقال مهدى إلى "وزير الدولة وضباط القيادة" وكان وزير الدولة آنذاك فتحى رضوان، وكانت الإذاعة من بين تخصصاته ومهامه.
يقول "سيد قطب" فى مقالته إن الإذاعة لا تزال "تبث على الناس ما كانت تبثه من قبل "الأصوات الدنسة التى ظلت تنثر على الشعب رجيعها وتكثر من عرض أشرطتها المسجلة بحجة أن الجماهير تحب هذه الأصوات".
وفق "النمنم" فى كتابه يقول "قطب" :" ولا يتركنا سيد قطب نخمن أو نتوقع، إذ يذكر بعض أصحاب تلك الأصوات وهم "عبد الوهاب ومحمد فوزى وفريد الأطرش وعبد العزيز محمود وليلى مراد ورجاء عبده وفايدة كامل وشهرزاد وأمثالهم" ويصب على هذا العدد من الفنانين، أقذع الصفات مثل أنهم "مخلوقات شائهة بائسة".
يتابع"قطب" فى إشارة إلى الفنانين الذين يقصدهم فى مقاله "إن هذا الطابور المترهل الذى ظل يفتت صلابة هذا الشعب ويدنس رجولته وأنوثته هو المسئول عن نصف ما أصاب حياتنا الشعورية والقومية من تفكك وانحلال فى الفترة الماضية" ويذهب إلى أن الفنانين كانوا أخطر على الشعب المصرى من الملك فاروق ذاته يقول "إن فساد فاروق وحاشيته، ورجال الأحزاب ومن إليهم، لم يدخل إلى كل بيت، ولم يتسلل إلى كل نفس، أما أغانى هذا الطابور وأفلامه فقد دخلت إلى البيوت وأفسدت الضمائر".
اللافت أن "سيد قطب" كان يشبه جماعة الإخوان بجماعة "الحشاشين" وتسببت نرجسيته الشديدة فى كرهه لمؤسس الجماعة الأول حسن البنا إلى أن سافر إلى أمريكا مبعوثًا من وزارة المعارف وعقب عودته جرى تعيينه مستشارًا لوزارة المعارف، إلا أنه كان قد تحوَّل خلال الفترة التى أمضاها فى أمريكا، فأصبح شديد العداء للرأسمالية والمجتمع الرأسمالى، شديد التأييد للاشتراكية والعدالة الاجتماعية، ليكتب كتابين الأول بعنوان "العدالة الاجتماعية فى الإسلام"، ثم كتابه "معركة الإسلام والرأسمالية".
عقب إقالة وزارة "على ماهر" وتشكيل أول وزارة للثورة برئاسة محمد نجيب، كان " عبدالناصر" قد وعد " قطب" بتولِّى وزارة المعارف إلا أن ذلك لم يحدث، وكان ذلك فى عام 1953، حيث جرى اسناد وزارة المعارف إلى "كمال الدين حسين"، لتبدأ مرحلة العداء بين " قطب" وعبدالناصر" وليرتمى " قطب" فى أحضان الجماعة الإرهابية، ليتم اعتقاله مع عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين فى عام 1954 لمدة شهرين، ليوافق بعدها " عبدالناصر" على أن يصدر الإخوان مجلة خاصة بهم ليفاجأ الجميع بمقالات نارية يكتبها " قطب" ضد الثورة محاولا النيل منها.
فى عام 1954 وقع حادث "المنشية" الشهير عندما حاولت الجماعة اغتيال الزعيم الراحل "جمال عبدالناصر"، وهو يخطب فى ميدان المنشية بالإسكندرية ، وجرى اعتقال "قطب" ومعه عددا كبيرا من قيادات جماعة الإخوان المسلمين ليصدر ضده حكم بالسجن لمدة 15 عامًا، إلا أن الرئيس العراقى "عبدالسلام عارف" توسط لدى "عبدالناصر" وقتها ليتم الإفراج عن " قطب".
مر عام على حادث المنشية ليكتشف الرئيس "جمال عبدالناصر" مؤامرة جديدة من الإخوان لاغتياله وقَلْب نظام الحكم بقيادة سيد قطب، ليتم القبض على الأخير ويصدر ضده حكما بالإعدام ويتم إعدامه فى 29 أغسطس عام 1966.
تناقضات "سيد قطب" لم تنتهى عند تأييده للثورة ثم الهجوم عليها ،ففى مرحلة مبكرة من حياته كان قبل الثورة يكتب مقالات نقدية وأدبية وله رواية تحت عنوان " أشواك"، كما أنه اتخذ صف الكاتب الكبير "عباس محمود العقاد" في عدد من المعارك الأدبية ضد مفكرين ومثقفين محسوبين على الخط الإسلامي، من أمثال مصطفى صادق الرافعي، ومحمود شاكر، ومحمد سعيد العريان على الرغم من أن العقاد كان محسوب على التيار العلماني.
المثير للدهشة أن "قطب"، هو من قدم إلى القراء الروائى العالمي الراحل " نجيب محفوظ" للمرة الأولى مستعرضا ومادحا رواية "خان الخليلي"، فى كتابه "كتب وشخصيات" قائلا عن رواية نجيب محفوظ "إنها خطوة حاسمة في طريقنا إلى أدب قومي واضح السمات متميز المعالم، ذي روح مصرية خالصة من تأثير الشوائب الأجنبية – مع انتفاعه بها- نستطيع أن نقدمه مع قوميته الخالصة على المائدة العالمية، فلا يندغم فيها ولا يفقد طابعه وعنوانه، في الوقت الذي يؤدي رسالته الإنسانية، ويحمل الطابع الإنساني العام، ويساير نظائره في الآداب الأخرى".!