السقوط الثاني للعثمانية: الاقتصاد يسدد فاتورة الديكتاتور (5)
السبت، 20 يوليو 2019 11:00 م
الاقتصاد التركى على موعد مع اختبار حقيقى من شأنه تعميق الأزمات المتوالية عليه منذ أواخر عام 2018 وحتى الآن، وذلك بالتزامن مع تسلم الحكومة التركية منظومة الدفاع الجوية الروسية الأشهر «إس-400» بدءا من الأحد الماضى، رغم توعد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على الاقتصاد التركى.
تسلم تركيا لمنظومة الدفاع الروسية الجديدة ليس التحدى الاقتصادى الأول الذى يشهده الاقتصاد التركى، لكنه من المرجح أن يكون «القشة التى قصمت ظهر البعير»، حيث يعانى الاقتصاد التركى من أزمات متلاحقة بدءا من الشهور الأخيرة من العام الماضى 2018، وذلك أثناء أزمة الاقتصادات الناشئة، وفقدت الليرة التركية فى ذلك الوقت نحو 28 % من قيمتها الحقيقية أمام الدولار.
وبالنظر إلى بداية الأزمة للاقتصاد التركى، فقد بدأت اقتصادية محضة بفعل أزمة الأسواق الناشئة حتى نهاية 2018، لكن تدريجيا بدأت تصرفات وبصمات أردوغان تظهر بشكل كبير على الاقتصاد بشكل تدريجى، فقبل أيام أظهرت السلطات التركية عزمها زيادة الضريبة المفروضة على شراء النقد الأجنبى مرة أخرى، بحيث تصل هذه الضريبة إلى 0.2 %، فى مسعى جديد لتشجيع المواطنين الأتراك للعزوف عن شراء العملات الأجنبية، دون النظر إلى ثقة المواطنين فى الليرة التركية من عدمه، علما بأن هذه الزيادة هى الثانية من نوعها خلال أشهر قليلة، بعد إقرار ضريبة فى مايو الماضى، والتى شهدت إقرار ضريبة 0.1 % على شراء النقد الأجنبى للأفراد، بعدما تم إلغاؤها فى عام 2008 وكانت صفرا فى المائة.
هذه الإجراءات قدمت عدة رسائل سلبية للمستثمرين الأجانب والأسواق الخارجية، كفيلة بردع أى تحركات استثمارية خارجية متوقعة لدخول السوق التركية، نظرا لما يمكن أن تشكله هذه الخطوات لمستقبل الاقتصاد التركى، وأن تكون مجرد بداية لأزمات اقتصادية جديدة للاقتصاد التركى ومن شأنها تهديد حرية الاستثمار الخارجى، وهو ما حدث بالفعل حيث نقلت وكالات الأنباء عزم وزارة الخزانة التركية، طرح مشروع قانون لتحويل 40 مليار ليرة أى ما يعادل 6.6 مليار دولار من الاحتياطيات القانونية للبنك المركزى إلى ميزانية الحكومة بهدف دعمها، وذلك فى سابقة تعد الأولى من نوعها مما يعكس حجم الضغوط التى تواجهها الميزانية التركية. ويعانى المناخ الاقتصادى التركى من أزمة ثقة كبيرة، خاصة بعد تدخلات الرئيس التركى أردوغان فى المؤسسات الاقتصادية، والتى بدأت بتعيين بيرات البيرق، صهر أردوغان، وزيرا للمالية، حيث أثار تعيينه عدة مخاوف بشأن استقلالية السياسة المالية لتركيا، وهو ما ثبتت حقيقته، علما بأن وزير مالية أردوغان هو صاحب المقترح المقدم، ومن المتوقع أن يجرى عرض المشروع على البرلمان خلال أسابيع قليلة.
وعززت إقالة الرئيس التركى أردوغان لمحافظ البنك المركزى، السبت الماضى، مخاوف الأسواق الخارجية حول مستقبل الاقتصاد التركى الذى يحاول الرئيس التركى جاهدا وقف نزيف عملته المحلية، حيث عكس هذا القرار مدى تفاقم الخلاف بين الرئيس التركى ورئيس المركزى السابق، حول توقيت خفض أسعار الفائدة لإنعاش الاقتصاد الذى يعانى من الكساد. ويعود سبب الخلاف بين أردوغان ورئيس البنك المركزى المقال إلى قيام رئيس المركزى برفع أسعار الفائدة بواقع 11.25 نقطة مئوية إجمالا فى العام الماضى لدعم الليرة الضعيفة، لتصل الفائدة إلى مستواها الحالى عند 24 %، كما سبق وانتقد بيرات البيرق وزير المالية والخزانة وصهر أردوغان البنك المركزى مرارا لإبقائه أسعار الفائدة مرتفعة.
واعتبر خبراء الاقتصاد، أن مساعى الرئيس التركى وآخرها الضريبة على شراء النقد الأجنبى قد يترتب عليها تخفيف الضغط عن العملة بشكل محدود، إلا أنها لا يمكنها احتواء أزمات الاقتصاد الأخرى، وعلى رأسها ارتفاع ديون الشركات إلى مستويات قياسية، وهروب رأس المال إلى الخارج، فضلا عن عدد من الخيارات السياسية والاستراتيجية التى أحدثت ارتدادات سيئة.
ورصدت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا فى مقال تحليلى، أن تركيا تواجه خيارات صعبة إزاء أزمة العملة، لأن أى قرار قد تتخذه ستكون له تبعات جانبية تثير استياء الشارع، وفى حال قامت تركيا برفع نسبة الفائدة، وهو ما لا يحبذه أردوغان كثيرا لكنه ضرورى حتى يحفز الناس على الاحتفاظ بالليرة فى البنوك، فإن هذا يعنى مزيدا من الصعوبات أمام رجل الأعمال الأتراك الذين يحتاجون القروض بنسب منخفضة حتى يستثمرون وتدور عجلة الاقتصاد، أما فى حال لم تقم تركيا برفع نسبة الفائدة، فإن الاحتفاظ بالليرة لن يكون خيارا مفيدا بالنسبة لرجال الأعمال، وعندها قد تهرب رءوس الأموال صوب الخارج، وهذا يعنى مزيدا من الهبوط فى العملة.
وشهد الاقتصاد التركى انكماشا شديدا للربع الثانى على التوالى فى مطلع 2019، فيما نالت أزمة العملة وارتفاع معدل التضخم وأسعار الفائدة من الإنتاج الكلى بشكل كبير، وذكرت وكالة بلومبرج الأمريكية، أن المصارف الكبرى فى العالم بدأت ما قد يشكل حملة واسعة النطاق لمقاطعة الليرة التركية، التى انهارت قيمتها بنسبة هائلة على مدار الشهور الماضية، وسط أزمة اقتصادية تلاحق الاقتصاد التركى.