سلطان الأصقة لـ «صوت الأمة»: الأتراك لديهم أجندة سياسية للهيمنة على البلاد العربية (حوار)
الجمعة، 31 مايو 2019 09:00 ص
أثار جدلًا منذ إذاعة الحلقات الأولى من برنامجه عبر منصات السوشيال ميديا بين رواد موقع التدوينات القصيرة تويتر في منطقة الخليج بشكل خاص، بسبب كشفه الوجه الحقيقي للدولة العثمانية والتي يعمل النظام التركي على تمجيدها وتجميل صورتها دائمًا من خلال وسائل الإعلام التركية وما تُقدمه وتُصدره من أعمال فنية ودرامية تروي قصص وحكايات تاريخية، يؤكد الخبراء في مجال التاريخ والبحث يوم بعد يوم أنها ضرب من الخيال وأن جميعها تعرض للتزييف التركي.
الباحث التاريخي الكويتي ومقدم برنامج العصملي، الدكتور سلطان الأصقة، أكد في حواره لـ «صوت الأمة» على أن النظام التركي الحالي يُحاول أن يصنع صورة مُغايرة للدولة العثمانية وتصويرها على أنها حقبة خيرّ في المنطقة، على الرغم أن الواقع يُنافي ذلك تمامًا ويثبت نهجها القائم على التعدي على الحقوق والممتلكات. كما تطرق إلى الحديث عن الاهتمام التركي بالدراما والأعمال الفنية كأداة ناعمة للسيطرة على عقول الشباب في المنطقة العربية، لافتًا إلى ضرورة التصدي لذلك من خلال تقديم الحقائق المستندة على الوثائق والمعلومات. وإلى نص الحوار:
- جاء برنامجك بفكرة مختلفة حققت تفاعل ملموس عبر "تويتر» خاصة بمنطقة الخليج.. حدثنا عن أسباب اختيارك لهذا الموضوع وما دفعك لتقديم برنامج مخصص للحقبة العثمانية.
الاختيار جاء لما تقتضيه الحاجة الماسة لصناعة الوعي لدى الشباب، خصوصًا في ظل عمل الأتراك (العثمانيون الجدد) ومن يتبعهم من بني جلدتنا؛ فأولئك وهؤلاء عملوا على إضفاء هالة كثيفة من القداسة للدولة العثمانية، وزوّروا التاريخ لإرضاء العثمانيون الجدد في تركيا، والذين لديهم أجندة سياسية للهيمنة على بلادنا العربية؛ فأخذوا بتزييف التاريخ العثماني، وتصويره على أنه كله خير، وأن العرب عاشوا في نعيم تحت ظلّه، وأنه لا حقيقة لما يقال عن جرائمهم. ووصل الأمر لاتهام الأحرار العرب بأنهم خونة لأنهم ثاروا في وجه الظلم (العصملي). من هنا كان لابد من إعادة الأمور إلى نصابها من خلال هدف محدد؛ وهو نزع تلك القداسة الكاذبة، بإظهار حقيقة ذاك التاريخ العثماني الإجرامي في بلادنا العربية.
- ما هو الوجه الحقيقي لتاريخ الدولة العثمانية وممارساتها في منطقة الخليج ؟
تاريخها الحقيقي مُوثق بوثائق الترك أنفسهم، وكثير من تلك الوثائق محفوظ لدى الأرشيف التركي، وفي مصر أيضًا موجود في دار الوثائق القومية بالقاهرة، والإطلاع عليها مسموح للباحثين، وكثيرًا ما نعتمد عليها في "العصملي". تلك الوثائق تثبت تاريخ الجرائم التركية في أبناء جزيرة العرب، وما صنعوه في أبنائها من قتل وتمثيل بقطع الرؤوس، وإهلاك للحرث والنسل بإحراق الزرع وهدّم البيوت وتدمير كل مظاهر الحياة هناك.
- إلى أي مدى أثرت الدراما والفن التركي في عقول العرب.. وهل يمكن تدارك الأمر بعد ؟
أثرها واضح في ردود الفعل والهجوم علي، لما أثبته بالدليل والإحالة للمصدر من خلال حلقات برنامجي كيف أن الدراما التركية زيفت الكثير، فغزتهم غزوًا فكريًا دونما شعور من أبنائنا، فالدراما التركية هي نوع خطير من القوة الناعمة التي يستخدمها «أردوغان» وحزبه لغزونا فكريًا، من خلال مغالطات تاريخية، يثبتها في أذهان الشباب من الفتيان والفتيات، فيتعلقون ببطل تركي وهمي زورته الدراما وروجته بسياستها الناعمة لغزو أفكارهم، حتى تمكنت منهم فأضحوا أسرى لها، وغدوا هائمين في حبها، وأمسوا تابعين مصدقين لكل ما تروجه. ولذلك يُتدارك الأمر من خلال التبيان والكشف والمصارحة لصُنع وعيًا لدى شبابنا لما يزوره أولئك الأتراك، وتنبيه أبناءنا للأهداف التي من أجلها يُزيفون التاريخ.
- تناولت إحدى حلقاتك الحديث عن المسلسل التركي الشهير «أرطغرل».. ما الذي دفعك إلى الاهتمام بهذا العمل بالأخص ؟
التزوير الذي انتهجه الأتراك هو ما دفعني لذلك، واستخدام الأتراك لتلك القوة الناعمة لغزو أبنائنا غزوًا فكريًا بآلتهم الإعلامية، وأداتهم الدرامية، ليسوّقوا بأن «أرطغرل» هو البطل التركي الذي حماكم أيها العرب، وهو من خلصكم من الصليبيين، وأن البطل الموجود اليوم هو «أردوغان» ليستكمل مسيرة «أرطغرل» لحمايتكم وتخليصكم، وأنه حفيد ذاك البطل المسلم. فيما أثبتنا بالدليل التاريخي أنّ هذا كذب ودجل وتزوير؛ فأرطغرل وثني وليس مسلم من الأساس حتى مات، وأنه جندي مرتزق، وليس بطل. لقد تولى الأتراك تزوير التاريخ لتمرير أجندتهم السياسية التي يريدون من خلالها استعادة هيمنة الترك على البلاد العربية من جديد، لكن بعد غزوها فكريًا، وتهيئة أذهان أبنائها لذلك الغزو الجديد.
- ما هي رؤيتك حول السياسات التركية الحالية تجاه المنطقة بشكل عام ؟
هي سياسة أوضحها أحمد داوود أوغلو في عام 2009، حين قال: يسموننا بالعثمانيين الجدد، نعم؛ نحن العثمانيون الجدد، وسنعبد الاهتمام بالمنطقة !!. وهو يقصد عودة هيمنة الترك على المنطقة العربية المحيطة بتركيا. ومثله قال «أردوغان» في العام ذاته 2009: لستُ زعيم دولة عادية، أنا زعيم أحفاد العثمانيين!!. ان (العثمانيون الجدد) يسعون لإعادة احتلالهم لمنطقتنا بقوتهم الناعمة قبل قوتهم الخشنة.
- هل ترى تشابهًا بين السياسات العثمانية الماضية وسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حاليًا ؟
لا يمكن الحسم في ذلك الشأن، إنهما متشابهان، إنما ما نراه من جرائم الترك في الأكراد في عفرين وغيرها؛ والتي أظهرتها وسائل الإعلام، تُبيّن لك أن تلك الجرائم التركية لها مُلحق سابق في آبائهم (العصملية قديمًا). أما ما يصنعه «أردوغان» من الدعاية لنفسه، وترويجه لمسرحياته، فإنني أجدها متشابهة مع المسرحيات التي كان يقوم بها السلطان عبدالحميد الثاني الذي حكم في الفترة (1876- 1909).
- في ظل التوتر الحالي في المنطقة.. ما هي توقعاتك حول سياسات وتحالفات «أردوغان».. هل يمكن أن تشهد تغيرًا أم ستظل على عهدها ؟
هذا التوتر سببه أن «أردوغان» رجل مُغرم بالدعاية لنفسه، ومُتيّم بالحركات المسرحية، وهذا يظهره اهتمامه بالزوايا التي يحرص على أن تلتقطها الكاميرات التي تُصوره. وبالتالي أرى أن من كان هذا همّه ودأبه؛ لن تكون سياسته ذات النظر الثاقب في علاقاتها مع غيرها، ولا أعتقد أنه من فرسان تلك السياسة، فالرجل واضح أنه حريص على مصلحته (الشخصية)، ومصلحة (حزبه) في المستوى الأول والأخير، حتى ولو كان ذلك على حساب دولته وسياستها.
- هل ستنتهي حلقات برنامجك مع نهاية شهر رمضان المبارك أم سيستمر في كشف الحقائق التاريخية وتقديم المزيد ؟
البرنامج له رسالة علمية وهدف سامي، بدأ إطلاقها في رمضان المبارك، وسيعمل على إتمام رسالته فيما سيراه مناسبًا لذلك بعد الشهر الكريم؛ فالرسالة عمادها العلم (علم التاريخ)، وهدفها بيان الحقائق التاريخية، ودحض التزييف التاريخي وتزويره. من هنا فمسيرة أداء الرسالة وتحقيق هدفها السامي بصناعة الوعيّ، مستمر لا يتوقف، لأننا نعتمد على علم (= وهو علم التاريخ)، وليس محتوى إعلامي مجرد. ونحن ومتابعينا نستزيد من ذلك العلم، وهو أمر طبيعي في البشر، وعليه سما العمل عن مجرد كونه محتوى إعلامي؛ إلى كونه علم ينشر، وحقائق تذاع.