قضاة الأمة.. أبو يوسف: أول من تقلد منصب قاضي القضاة في الإسلام
الخميس، 09 مايو 2019 12:00 م
«قاضى قضاة زمانه ونابغة عصره»..هكذا كان يُطلق عليه بين العلماء والفقهاء والمحدثين أنه أبو يوسف الانصاري الإمام العلامة المحدث، قاضي القضاة والتلميذ الأول والأهم للإمام أبي حنيفة النعمان، الذى اشتهر بإتقان الحفظ، ولقبوه بالمجتهد وقاضي القضاة الأول في الدولة الإسلامية آنذاك، وهو أول من تقلد وتولى منصب قاضي القضاة في الإسلام، وساهم في تنظيم شؤون القضاء، حيث اختار مذهب شيخه وأستاذه أبي حنيفة ليكون المذهب الرسمي للدولة الإسلامية.
هو العلامة أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، المولود في الكوفة سنة 113 هجرية، والذى اتجه مبكراً إلى طلب العلم، وتتلمذ على عبدالرحمن بن أبي ليلى الفقيه الكوفي المعروف، ثم اتصل بالإمام أبي حنيفة النعمان، ولازم حلقته ودروسه، وكان ينقطع عنها لاضطراره أن يعمل حتى يواجه نفقات الحياة، فلما علم أبو حنيفة بذلك تكفل تلميذه، وأمده بماله.
ولد يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري المعروف بأبي يوسف كما ذكرنا من قبل في سنة 113 هـ/731م، بمدينة الكوفة ونشأ في أسرة فقيرة، وبدأ طلب العلم بحفظ القرآن الكريم ودرس العربية والفقه والأصول، وعرف بالنجابة والذكاء، واتجه منذ الصغر إلى دراسة الحديث، فسمع أبا إسحاق الشيباني ويحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة وعطاء بن السائب.
ودرس المغازي وأيام العرب على محمد بن إسحاق صاحب السيرة النبوية المعروفة باسمه، وتتلمذ على عبد الرحمن بن أبي ليلى، الفقيه الكوفي المعروف، وانتسب إلى حلقة الإمام أبي حنيفة، ودفعته الحاجة إلى العمل لمواجهة ضرورات الحياة، فتعهده الإمام أبو حنيفة بالرعاية وأمده بالمال حتى يتفرغ تماماً للدراسة وطلب العلم، وظل ملازماً لأبي حنيفة قرابة العشرين سنة.
وبعد تلقى «أبو يوسف» العلم من الإمام أبي حنيفة النعمان رحل إلى المدينة، واتصل هناك بالإمام مالك، فأخذ عنه الفقه والحديث، واكتشف منهجا يختلف إختلافاَ تاماَ عن منهج إمامه أبي حنيفة النعمان، فوازن بينهما وقارن، ثم رجع إلى العراق مزودا بعلم أهل المدينة، فجمع بين المدرستين، مدرسة الأثر في المدينة، ومدرسة الرأي في العراق، وقرب بينهما.
قال أبو حنيفة عن تلاميذه: أصحابنا ستة وثلاثون رجلاً، ثمانية وعشرون يصلحون للقضاء، وفيهم ستة يصلحون للفتوى، وفيهم اثنان يصلحان لتأديب القضاة وأصحاب الفتوى، وأشار إلى أبي يوسف، وزفر.
أبو يوسف اشتغل فى حقيقة الأمر بالقضاء في سنة 166 هجرية في عهد الخليفة العباسي المهدي، وبلغ الغاية في عهد الخليفة هارون الرشيد، حيث تولى منصب قاضي القضاة، وهو منصب استحدث لأول مرة في تاريخ القضاء، وشاءت الأقدار أن يكون أبو يوسف هو أول من يشغله في التاريخ الإسلامي، وأتاح هذا المنصب له أن ينشر مذهبه وفقه شيخه أبي حنيفة، وجعله الفقه الرسمي بالقضاء والإفتاء والتدوين، ومكن أبو يوسف للمذهب الحنفي بأن يسود ويعم بتعيين أتباعه في كراسي القضاء، حيث كان يناط به تعيينهم في الولايات باعتباره القاضي الأول في الدولة العباسية.
ارتبط أبو يوسف بعلاقة وثيقة مع الخليفة الرشيد، وتبوأ عنده مكانة عالية، فكان يحج معه ويؤمه ويعلمه، وكتب كتاب «الخراج»، استجابة لرسالة من الرشيد إلى قاضيه في أن يضع له كتاباً في مالية الدولة وفق أحكام الشرع الحنيف، وقد تضمن الكتاب بيانا بموارد الدولة على اختلافها، حسبما جاءت به الشريعة، ومصارف تلك الأموال، وتطرق إلى بيان الطريقة المثلى لجمع تلك الأموال، وتعرض لبعض الواجبات التي يلزم بيت المال القيام بها.
ومن المؤلفات الأخرى لأبي يوسف: كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصيام، كتاب الفرائض، كتاب البيوع، كتاب الحدود، وكتاب الآثار، وكتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلي، جمع فيه مسائل اختلف فيها أبو حنيفة مع ابن أبي ليلى الفقيه الكوفي المعروف.
توفي أبو يوسف سنة 182 هجرية، ولما مات قال عباد بن العوام: ينبغي لأهل الإسلام أن يعزى بعضهم بعضًا بأبي يوسف، وأوصى بمائة ألف لأهل مكة، ومائة ألف لأهل المدينة، ومائة ألف لأهل الكوفة، ومائة ألف لأهل بغداد.