الوضع الإنساني في كراكاس: أداة لتحقيق الأطراف المتصارعة على حساب الفنزويليين
الثلاثاء، 16 أبريل 2019 06:00 صمحمد الشرقاوي
قبل أيام، اجتمع مجلس الدولي لمناقشة الأوضاع الإنسانية في فنزويلا، والتي تتفاقم مع استمرار الاضطرابات في كراكاس والتي بدأت يناير الماضي، والتي دفعت بملايين الأشخاص إلى ترك بلادهم.
وكان لهذا الصراع الداخلي والانقسام الدولي انعكاساته الواضحة على الأوضاع الإنسانية في فنزويلا، والتي فاقمها استغلال الأطراف الداخلية والخارجية لورقة المساعدات الإنسانية للتأثير على مجريات الأحداث هناك، كما بات دخول الأغذية والأدوية إلى فنزويلا بمثابة اختبار حقيقي للقوة بين المعارضة والولايات المتحدة من جانب، والحكومة وروسيا من جانب آخر.
المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي، قال الأسبوع الماضي، إن حوالي 3,5 مليون فنزويلي اضطروا لمغادرة بلادهم بسبب الأزمة السياسية هناك، مضيفًا أن مفوضيته تنضم إلى الدعوة العامة للأمم المتحدة من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة في فنزويلا، مشيرا إلى أهمية عدم نسيان البعد الآخر من هذه الأزمة، قائلا: "أخشى أن تنسوا تدفق اللاجئين من فنزويلا.
يقول مراقبون إن هناك أطرافا سياسية تستغل الوضع الإنساني لمآرب شخصية، ولحشد المجتمع الدولي ضد نيكولاس مادورو الرئيس الحالي، يقول مراقبون إن الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي حركت الوضع الإنساني في فنزويلا كذريعة لتغيير النظام، في وقت شددت فيه الأمم المتحدة على أن تبقى المساعدات في منأى عن التسييس وتتم بالتنسيق مع الحكومة الشرعية، لكن واشنطن طلبت تغيير الاعتراف بحكومة مادورو على مستوى الأمم المتحدة.
بحسب مركز المستقبل للدراسات المتقدمة، فإن تفسيرات المحللين والخبراء للأسباب الكامنة وراء الأزمة الإنسانية في فنزويلا تباينت، برغم امتلاكها أكبر احتياطي من النفط الخام في العالم، حيث يُرجعها البعض إلى الفساد السياسي وسياسات الحكومة التي أفضت إلى حدوث أزمة اقتصادية حادة في السنوات الأخيرة، تجلت ملامحها بشكل واضح في ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات قياسية، وتراجع معدل النمو الاقتصادي بشكل حاد بسبب انخفاض أسعار النفط. وفي المقابل، يرى آخرون أن السبب الرئيس للأزمة يكمن في العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على فنزويلا، والتي فاقمت من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد.
يقول المركز، إن المساعدات الإنسانية لفنزويلا لم تسلم من الاستقطاب السياسي بين الأطراف الداخلية والخارجية المنخرطة في الأزمة، وبصفة عامة، يمكن تصنيف مواقف تلك الأطراف من المساعدات الإنسانية إلى مجموعات ثلاث، تختلف توجهات كل منها نحو مسألة المساعدات وجدواها.
أول المستفيدين من ورقة المساعدات الإنسانية، تيار المعارضة وواشنطن، بحسب المركز، يقول: عملت المعارضة وزعيمها خوان جوايدو على استغلال المساعدات الإنسانية كوسيلة لإثارة غضب الفنزويليين ضد الحكومة، وطالبتهم بالنزول إلى الشارع لمواصلة الضغط على الرئيس "مادورو" للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى البلاد. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تطورت تصريحات "جوايدو" إلى عدم استبعاد احتمال السماح بتدخل أجنبي في البلاد، حيث أكد أنه سيقوم بكل ما هو ضروري لإنقاذ أرواح المواطنين.
ومن وجهة نظر المعارضة، فإن هذه المساعدات تُمثل فرصة لتحرير الشعب الفنزويلي من قيود حكومة "مادورو"، ويمكن أن تُسهم في تحسين ظروفه المعيشية بالغة الصعوبة. ويرى بعض زعماء المعارضة أن المساعدات الأمريكية ستسهم في تغيير هذه الصفحة من تاريخ فنزويلا. وفي هذا السياق، صرح "ليستر توليدو"، الممثل الأعلى لجوايدو، خلال مؤتمر صحفي تعليقًا على إرسال واشنطن مساعدات إلى الحدود الكولومبية مع فنزويلا: "هذه الطائرات لا تجلب الغذاء والدواء فحسب، بل تجلب الأمل كذلك".
يضيف المركز في عرض بحثي، بعنوان: "أبعاد ودوافع توظيف المساعدات الإنسانية في أزمة فنزويلا"، أن استخدام واشنطن ورقة المساعدات الإنسانية يأتي ضمن استراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترامب الهادفة إلى حشد الشعب الفنزويلي في مواجهة الجيش والحكومة، في ظل تعهداتها بتقديم مساعدات لفنزويلا بقيمة 200 مليون دولار، وذلك لإظهار أن المعارضة هي القادرة على حل أزمات الشعب، مشيرًا إلى أن أمريكا تعول على أنه في حال استمرت الأزمة الإنسانية في التفاقم، فمن المرجح أن تقع مواجهات بين الجيش والشعب الراغب في الحصول على المساعدات. كما تحاول واشنطن من خلال تقديم المساعدات، استمالة قوات الجيش للوقوف بجانب المواطنين الفنزويليين، على نحو قد يُفضي، في نهاية المطاف، إلى وقوفهم في مواجهة نظام "مادورو".
وثاني الأطراف المستفيدة من المساعدات الإنسانية، الحكومة الفنزويلية، حيث يتمحور موقف حكومة مادورو حول إنكار وجود أزمة إنسانية من الأساس، حيث صرح "مادورو" بأن الفنزويليين "ليسوا متسولين"، وأنه لن يسمح بإهانة شعبه. حيث ترفض السلطات في كراكاس تسييس موضوع إيصال المساعدات الإنسانية للفنزويليين، وترى أنها ذريعة أمريكية لإيجاد مبرر للتدخل في البلاد والإطاحة بالحكومة الاشتراكية.
وانتهى المركز في عرضه البحثي، إلى أنه في ظل تعقد الأزمة الفنزويلية، تظل المساعدات الإنسانية أداة يتم توظيفها في إطار استراتيجيات أوسع نطاقًا تتبناها أطراف الصراع من أجل حسمه لصالحها. غير أن تأثير المساعدات كأداة حاسمة بمفردها لمستقبل الأزمة الفنزويلية يظل محدودًا، وذلك لاعتماد القوى الدولية المنخرطة في الأزمة على أدوات أخرى ربما تكون أكثر قدرة على حسم الصراع الدائر في البلاد، ويأتي في مقدمتها الأداة الاقتصادية من خلال فرض الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على فنزويلا. إلى جانب الأداة العسكرية من خلال التلويح الأمريكي بالتدخل العسكري في فنزويلا، وكذلك إرسال موسكو طائرتين عسكريتين إلى كاراكاس في 23 مارس الماضي، على متنهما ما يقرب من مائة خبير عسكري وشحنة مساعدات تفوق 35 طنًّا من المعدات الطبية والإغاثية. كما قامت الصين في مطلع شهر أبريل الجاري بإرسال عدد من جنود جيش التحرير الشعبي إلى فنزويلا.