الخسارة التاريخية في الانتخابات التركية.. بداية نهاية «أردوغان»
الخميس، 04 أبريل 2019 11:00 ص
يبدو أن عام 2019 سيكون نهاية سقوط حلم الخلافة العثمانية المزعومة، وتحطم أمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الاستمرار بالحكم لفترات مقبلة، فبعد مسرحية الانقلاب الفاشل التي أدارها بجدارة ممثل مخضرم وقدير، للنيل من معارضيه وحركة «الخدمة» بقيادة معلمه عبدالله جولن، لفرض سياساته الجديدة وانفراده بإدارة البلاد هو وحزبه الحاكم، وتغييره للدستور التركي، بحجة حماية الدولة التركية، إلى الدستور الحالي الذي جعل من أردوغان «الحاكم بأمره»، إلا أنه كما قال المثل الشعبي «وعلى الباغي تدور الدوائر»، فقد كشفت نتائج الانتخابات المحلية التركية، التي جرت يوم الأحد الماضي، واعتبرها المراقبون بمثابة استفتاء حول شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، عن تراجع كبير في شعبية الرئيس رجب أردوغان، بعدما خسر الحزب مقعده في عددًا من المعاقل الهامة مثل العاصمة أنقرة، واسطنبول، ومرسين الكبرى، وإزمير، وأضنة، وأنطاليا، على الرغم من حلول العدالة والتنمية في المرتبة الأولى، بين احزاب المعارضة المتنافسة.
اكتسبت الانتخابات المحلية التركية، طابعا خاصا هذه المرة، إذ أنها تجرى للمرة الأولى في ظل الدستور الجديد الذي جرى الاستفتاء الشعبي عليه في أبريل 2017، وأيده الأتراك حينها، بنسبة ضئيلة لم تتجاوز 51.41%، وفي ضوء ذلك، اختار الأتراك، هذه المرة في الانتخابات المحلية، من يستطيع إدارة الخدمات في المدن التي يسكنوها، حيث جرت العملية الانتخابية وسط الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها تركيا، وزيادة معدلات البطالة والتضخم، واستمرار تداعيات هبوط الليرة إلى مستوى غير مسبوق لها أمام الدولار، حيث فقدت ثلث قيمتها الحقيقية، إلى جانب التوترات السياسية التي تشهدها انقرة مع عدد من الدول الكبرى، أبرزهم الولايات المتحدة، التي فرضت بدورها عقوبات على الاقتصاد التركي، مما كلف العملة التركية خسائر غير مسبوقة.
لعب رجب أردوغان، بنفس كروت اللعب القديمة، التي يحاول مرارا اللعب بها، والعزف على أوتار النزعة العاطفية والقومية لدى الأتراك، والتي كرر استخدامها على مدار السنوات الماضية، وكانت تلقى صدا واسعا في كل مرة، إلا أن هذه المرة لم تنجح لعبته القديمة، حيث حاول استغلال وقوع حادث الهجوم الإرهابي على مسجدي نيوزيلندا، في خطابه للعب بمشاعر قاعدته المحافظة من الناخبين، حتى أنه تعهد بتحويل متحف آيا صوفيا الديني إلى مسجدا، إلا أن عزفه على أوتار المشاعر لم يجدي نفعا هذه المرة، بل خزلته قاعدته، واختار الناخبين في أنقرة - المدينة الأكبر في تركيا- الخروج من رحاب السلطان العثماني، بحثا عن حلولا واقعية للمشكلات التي تحيطها.
التشكيك في نزاهة الانتخابات.. العالة والتنمية يرفض الخسارة
لم يتقبل حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب أردوغان، أمر هزيمتهم وتأكل قاعدتهم الشعبية، وقرر الحزب الذي تشرف حكومته على الانتخابات، الطعن في نزاهتها، فبعدما أظهرت نتائج الفرز، تقدم مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو، بـ 4 ملايين و159 ألفا و650 صوتا، مقابل 4 ملايين و131 ألفا و761 صوتاً لمرشح العدالة والتنمية بن علي يلدريم، قرر الحزب الثاني، الطعن في نتيجة الانتخابات على مستوى أحياء إسطنبول الـ39، وصرح العدالة والتنمية بأنه سيستخدم حقه في الطعن على النتائج عند وقوع مخالفات في التصويت، وبعد إعلان اللجنة الانتخابية تقدم أوغلو في إسطنبول، إثر فرز غالبية الأصوات، ورفض حزب أردوغان الإقرار رسمياً بالهزيمة، متعللين بـ 84 صندوقا لم يجر فرزها بسبب ما اعتبروه مخالفات انتخابية من الممكن أن تغير النتيجة في المدينة التي تعد أهم معاقل حزب أردوغان، إلى جانب أنه من الممكن أن تكون هناك إعادة فرز لـ 319 ألف صوتا، أعلن بطلانها وإلغائها، إلا أن قرار اللجنة العليا للانتخابات، بتراجعها عن وقف عملية إعادة فرز الأصوات الباطلة في عدد من اللجان الانتخابية بولاية إسطنبول، بناء على طلب تقدم به حزب الشعب الجمهوري المعارض.
يبدو أن حزب العدالة والتنمية الحاكم، يحاول إظهار عدم تأثره بنتائج انتخابات البلديات، فقد نشر رسالة شكر تحمل توقيع رئيس الحزب والرئيس التركي، عبر حسابه على موقع التواصل تويتر، ذكر فيها أن الحزب سيواصل إقامة جسور تواصل مع المواطنين في ضوء استيعابه للرسالة التي بعثتها صناديق الاقتراع، مشيرة إلى اختيار الناخبين لحزب العدالة والتنمية في 24 مدينة، من بينها 15 بلدية كبرى و536 حيا و200 بلدة.
نتائج فادحة.. حزب أردوغان الحاكم يخسر كبار أعضائه وتلويح بإنشاء حزب جديد
على الجانب الأخر، أوضح مسؤولون بالحزب، أنه قد يتم طرح تعديلات في مجلس الوزراء وإدارة الحزب، بسبب النتائج التي عكستها نتائج الانتخابات البلدية، وفقدان الحزب لبلديات كبرى حساسة، وهو ما عبر عنه عبد الرحمن ديليباك الكاتب بصحيفة يني عقد المقربة من الحكومة التركية، بأنه على الرغم من حديث أردوغان عن عدم انعقاد انتخابات لأربعة أعوام ونصف، فإن المعارضة لن تهدأ، وأن الأمر أكثر من مجرد انتخابات محلية، ما ينسحب بدوره على ضرورة إعادة تقييم المسئولين عن اختيار المرشحين في المناطق التي خسرها الحزب، وإعادة النظر في اللجان السياسية والمستشارين في القصر الرئاسي، مشيرا إلى أنه حذر أردوغان، من أنه وصل للحكم عبر البلديات، وقد يرحل عبر البلديات أيضا، إن لم يقرأ النتائج جيدًا والإنصات للأصوات المتعالية من أنصار الحزب، حتى لا تصبح النتيجة بداية النهاية.
في سابقة جديدة، أكد النائب السابق لرئيس حزب العدالة والتنمية آتيلجان بايار، استعداد المعارضين ضمن صفوف الحزب، لتشكيل حزب سياسي جديد، برئاسة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، في أعقاب الانتخابات البلدية، والإعلان عن برنامجه السياسي في غضون شهر، على أن يتولى أوغلو رئاسته، معلنا أن الوزير السابق علي باباجان، سيشارك في الحزب الجديد، إلى جانب الكثير من الشخصيات التي سبق وشغلت مناصب رئاسية عن حزب العدالة والتنمية، وذكر أن المواطنين الأتراك بعثوا برسالة هامة إلى الحزب الحاكم، خلال هذه الانتخابات بأنه لن يسمح للحزب بالأنفراد وحده بإدارة البلاد.
تداعيات الانتخابات البلدية وخسارة الحزب الحاكم
أعقبت نتيجة الانتخابات البلدية التركية، ارتفاع سعر لتر البنزين بنحو 19« قرشا» اعتبارًا من منتصف ليلة 3 أبريل، حيث ارتفع سعر البنزين في تركيا من 6.71 ليرة إلى 6.90 ليرة أي حوالي 1.25 دولار، بعدما شهد مطلع أبريل الجاري، زيادة في أسعار الكهرباء بنسبة 37%، على الرغم من تعهد الحكومة التركية بعدم فرض أي زيادة على أسعار الكهرباء لمدة عام كامل، وهو ما حذر منه خبراء في وقت سابق، عن ترقبهم لارتفاع الأسعار عقب الانتخابات المحلية بسبب الانكماش الاقتصادي الذي تشهده تركيا.
على الجانب الأخر، أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية، المناورات التدريبية للطيارين الأتراك على مقاتلات «إف 35» في مقاطعات فلوريدا وتكساس، وأريزونا، وإيقاف التدريب الذي يتلقاه الطاقم الفني أيضا، إلى جانب وقف تسليم تركيا، لمقاتلات «إف 35» والمعدات الخاصة بها، وطالب روبرت بالادينو نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، تركيا بالقبول بنتيجة الانتخابات البلدية، قائلا:«إن الانتخابات الحرة النزيهة شيء أساسي لأي ديمقراطية، وهذا يعني القبول بنتيجة الانتخابات الشرعية، ونحن لا نتوقع أقل من ذلك من جانب تركيا، التي لديها تقليد في هذا المجال منذ فترة طويلة وتفخر به»، بعدما جاء ذلك ردا على فخر الدين ألتون رئيس مكتب الاتصالات بمكتب رجب أردوغان، خلال تغريدة له مساء الثلاثاء، قال فيها «نطالب جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومات الأجنبية، باحترام العملية القانونية والنأي عن اتخاذ أي خطوات ربما تفسر بأنها تدخل في الشؤون الداخلية لتركيا».
الصحف العالمية.. تحطم صورة أردوغان الذي لا يقهر
تناولت الصحف العالمية، الانتخابات البلدية التركية، وسردت لها تقاريرا خاصة، أعربت خلالها عن صمود المعارضة التركية، في وجه النظام الحاكم على الرغم من المماراسات والضغوط التي تعرض لها طوال الأعوام الماضية.
وأبرزت الصحافة الألمانية، نتائج الانتخابات البلدية التركية، بأنها يجب أن تكون تحذيرا لكل القادة الشعبويين حول العالم، الذين يعتمدون على الاستقطاب المجتمعي بشكل كبير مثلما يفعل أردوغان، ويتوجب إعادة تقييم صورة تركيا من ناحية الغرب عقب نتائج الانتخابات الأخيرة، مشيرة أن أنقرة وإسطنبول تضمّان ثلث إجمالي الناخبين في تركيا، وأنه على الرغم من أن السياسيين الإسلاميين المحافظين يتولون إدارة هذه المدن منذ سنوات، إلا أن أردوغان لأول مرة يخسر انتخابات اعتبرها تصويتًا على سياسته، وفشل لأول مرة في قراءة الناخبين، كما أظهرت الانتخابات، محدودية النزعة القومية التي يزعم الرئيس التركي تبنيها، وصور خصوم حزبه الحاكم على أنهم خائنين وداعمين للإرهاب، وحاول تشتيت انتباه الناخبين المحبطين من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بلاده، مما يعد اختبار لقدرة أردوغان على تحمل الهزيمة، بعدما خسر حزبه الحاكم أصوات الناخبين في المدن التركية الكبرى، وتحطمت صورة أردوغان كسياسي لا يقهر.