حين أحبطت المقاومة الشعبية احتلال مصر: رشيد عصية على فريزر

الأحد، 31 مارس 2019 12:00 م
حين أحبطت المقاومة الشعبية احتلال مصر: رشيد عصية على فريزر
حمله فريزر
ولاء عكاشة

 
«الموت في سبيل الوطن غايتنا والكفاح من أجله رسالتنا».. هتافات رددها أهالي رشيد، حين خيرهم محافظ البلدة بين الصمود أمام الأعداء والاستشهاد في سبيل وطنهم دفاعًا عن ديارهم وأبنائهم وأموالهم، وبين الذل والعار والهوان الذي سيكتبونه لأنفسهم، فبمجرد وصول حملة فريزر على مصر في منتصف مارس عام 1807، وسهولة دخولهم الإسكندرية وقتها دون أدنى مقاومة، بزعم أن محافظ الإسكندرية وقتها لم يكن مصريا، أسرع محافظ رشيد واجتمع بمختلف طوائف الشعب، لبث العزيمة في نفوسهم وتشجيعهم على التصدي لهذه الحملة ومواجهتها والانتصار عليها، حيث عزم الأهالي وقتها على المقاومة حتى النصر والشهاد.
 
وتوجت هذه الحماسة، الأشعار والأناشيد الوطنية، التي أسرع الأدباء في نشرها بين جموع أهالي المدينة، وبالفعل كان لهذه الأشعار أثرا كبيرا في نشر الحماسة وقوة العزيمة وحب الجهاد، فاستعدت الأهالي للمعركة استعداد نفسيا كبيرا. بعدما نجاح الحملة في السيطرة على الإسكندرية واحتلالها بسهولة ظن «فريزر» قائد الحملة، إن هذا الأمر سيتكرر معه في باقي مصر حتى وصوله إلى القاهرة، لكنه فوجئ بمقاومة عنيفة لأهالي رشيد حملت بين طيتها صفحات من النضال والمقاومة، حيث كانوا يملكون وقتها من الثقة بالنفس ما يكفي لصد أي عدوان غاشم.
 
ضعف الجبهة الداخلية
 
في 21 مارس 1807 م، تصدى أهالي رشيد بقيادة محافظها علي بك السلانكي للحملة الإنجليزية بقيادة الجنرال فريزر، بعد عامين على تولي محمد علي حكم مصر. وكان الإنجليز قد انتهزوا الصراع بين الوالي محمد علي والمماليك وضعف الجبهة الداخلية، فاتفقوا مع محمد بك الألفي زعيم المماليك على أن يؤيد الحملة البريطانية، في مقابل أن تكفل إنجلترا للمماليك الاستيلاء على مقاليد البلاد. إلا أن الألفي مات قبل وصول هذه الحملة إلى مصر.
 
Fraser_in_Rosetta
حملة فريزر على مصر
 
كانت الخطة أن يزحف المماليك إلى القاهرة ليحتلوها، والإنجليز يحتلون بأسطولهم موانيء مصر، وبعدها يزحفون إلى الدلتا ويحتلون القاهرة لإسقاط حكم محمد علي، على أن يعاونهم المماليك عملاؤهم في مصر ولاسيما جبهة الألفي بك. كان الجنرال فريزر في الإسكندرية، قد تلقي تقريرًا من قنصل إنجلترا في رشيد عن حالة مصر وما بها من قوات مما جعله يزحف برًا إلى رشيد لاحتلالها، واتخاذها قاعدة حربية لقواته، وكلف القائد «ويكوب» بهذه المهمة العسكرية.
 
تحرك ويكوب في 1600 جندي من الإسكندرية إلى رشيد. عزم محافظ إقليم رشيد علي بك السلانكي وقواته الـ 700 جندي، على مقاومة عساكر الإنجليز، واستنفر الشيخ حسن كريت الأهالي للمقاومة الشعبية، فأمر بإبعاد المراكب المصرية من أمام شاطيء النيل برشيد إلى البر الشرقي المقابل عند الجزيرة الخضراء وبرج مغيزل بمركز مطوبس، لمنع الأهالي من ركوبها والفرار من المدينة، حتى لا يجد رجال حاميته وسيلة للارتداد أو الاستسلام أو الانسحاب، كما فعلت حامية الإسكندرية من قبل.
 
أصبحت الحامية بين الأهالي متوارية بالمنازل داخل مدينة رشيد، لا مناص أمامهم إلا القتال والمقاومة، وأمرهم بعدم التحرك أو إطلاق النار إلا بعد صدور إشارة متفق عليها، فتقدم الإنجليز ولم يجدوا أي مقاومة، فاعتقدوا أن المدينة ستستسلم كما فعلت حامية الإسكندرية، فدخلوا شوارع المدينة مطمئنين، وأخذوا يستريحون بعد السير في الرمال من الإسكندرية إلى رشيد، وانتشروا في شوارع المدينة والأسواق للعثور على أماكن يلجئون إليها ويستريحون فيها.
 
وما كادوا يستريحون، حتى انطلق نداء الآذان بأمر السلانكي من فوق مئذنة مسجد سيدي زغلول مرددًا: الله أكبر، حي على الجهاد. فانهالت النيران من الأهالي وأفراد حامية رشيد من نوافذ المنازل وأسطحها، فقتل جنود وضباط من الحملة، وهرب من بقي حيًا.
 
بلغ خسائر الإنجليز 185 قتيلاً و282 جريحًا و120 أسيرًا لدي حامية رشيد، وأتي محمد علي بقواته بعدما انسحب الإنجليز للإسكندرية، وفاوض محمد علي الجنرال فريزر على الانسحاب من مصر التي غادرها مع قواته، وأحبط أهالي رشيد المشروع البريطاني لاحتلال مصر، وأصبح يوم 19 سبتمبر عيدًا قوميًا لمحافظة البحيرة.

عبقرية حربية.. كيف نحجت خطة محافظ رشيد في دحر العدو وهزيمته؟ 
 
أرسل المحافظ رسله خارج المدينة حتى رأوا جيش العدو، فأسرعوا بجيادهم إليه، ليخبروه بأن العدو على بعد أربعة كيلو مترات من المدينة، فأستعد حينها لتنفيذ الخطة المتفق عليها.. وهذه هي الخطوات المتفق عليها والتي تم تنفيذها، للنيل من الأعداء وهزيمتهم شر هزيمة: ختبأ جميع الناس فى البيوت والمتاجر، فأصبحت المدينة كأنها خالية تماما. فتح الباب الغربى لشارع دهليز الملك على مصراعيه ليدخل منه العدو بسهولة.
 
Alexander_Mackenzie_Fraser
القائد فريزر
أمر بانسحاب الجنود من خلف الأسوار إلى داخل المدينة. انتشر المجاهدون والجنود على أسطح المنازل وفى شرفاتها على طول شارع دهليز الملك والشوارع الجانبية.  وحدد المحافظ لحظة الهجوم على الأعداء بعد دخولهم واستقرارهم فى حدائقها وشوارعها ظنًّا منهم أنهم سيطروا عليها. تجمع معظم الجنود والمجاهدين فى البيوت الواقعة بشارع دهليز الملك لأنه المدخل الرئيس للمدينة، فهو يسير مستقيمًا حتى يصل إلى حدودها الشرقية على ضفة النيل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق