«فتحي غانم» عندما يُبدع الصحفي.. الجورنالجي الذي فقد ظله ومواقفه مع «عبد الناصر»
الأحد، 24 مارس 2019 11:53 ممنة خالد
لم يلتفت إليه الكثيرين حتى من أبناء مهنته، اللّهم ذكره وتسمية الدورة العاشرة لملتقى الرواية العربية بالقاهرة باسمه منذ ثلاث سنوات.. في الوقت الذي حملت لافتة الملتقى إسم الرجل، لم يتم الالتفات إلى إنتاجه الأدبي بشكل موسّع، حتى أن كثيرًا من الحاضرين كانوا يتساءلون عن من هو فتحي غانم .. من هذا الرجل الأديب الذي يتردد اسمه كثيرا اليوم حاملا إسم مناسبة ثقافية مهمة ؟!
أحيانا يكتب الصحفي ليعبر عن دوافن مكنونة بداخله ويسرد كما الراوي إذا توهّجت دوافعه، لرسم شخوص تحاكي الحدوتة أو -الواقعة محل التحقيق- فيوصل ما لديه من معلومات إلى القاريء، ويستأنس هو بشخصيات تلازمه ينقشها بالحبر على الأبيض.. بورقة وقلم نجح الصحفي والروائي فتحي غانم أول من استخدم أسلوب السرد القصصي في نقل الخبر ووضع الفرضية والبحث في التحقيق لتُفاجأ أنك تقرأ رواية صحفية أو خبر محكي، أو قصة مسرودة بلغة سلسة وأسلوب شيق مُستخدما مفردات صحفية رشيقة تجذبك لعالمه.
في خمسينات القرن الماضي، قبيل ثورة يوليو، قدم "غانم" رباعية "الرجل الذي فقد ظله" .. كانت رواية مؤثرة ذاع صيتها حتى تحولت لفيلم سينمائي عكس من خلال الرواية واقع الصحافة والفن في مصر في تلك الفترة، وكانت نقطة تميزه أنه قدم أربع روايات منفصلة متصلة (مبروكة، ثم سامية، ثم يوسف، وناجي) كل جزءٍ من الرواية يكون راويها واحد من أبطالها بطريقة تعدد الأصوات.
على الرغم من مدح الأديب العالمي نجيب محفوظ لغانم كروائي، إلا أنه تم تجاهله في الوسط الثقافي بسبب تلك الرواية تحديدا.. يبدو أن غانم استخدم أسلوب "التلسين" على أحد صحفي الفترة، واتُهم بأنه يهاجم كبار الصحفيين في مصر، فمن خلال اختيار "تيمة" الرواية وهي عن رحلة صعود صحفي شاب "يوسف السويفي" إلى مركزٍ مرموق في الصحافة بمساعدة أحد كبار الصحفيين، واعتبر عدد من النقاد أنه يشير إلى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وعلاقته بمصطفى أمين وقتها، حتى أن "هيكل" غضب كثيرا من غانم بل استدعى أجهزة الدولة لتغضب معه أيضا.
حكايته إيه مع عبد الناصر؟
في أحد الحلقات المتميزة للكاتب الصحفي خالد صلاح، في برنامجه الإذاعي "ولا يوم من أيامه"، الذي تناول خلاله الحديث عن خبطات صحفية مهمة، ومواقف وكواليس جنرالات الصحافة في مصر وعلاقتهم برجال الأمن والفن والثقافة.. تناول حكايات حول "غانم" كعلامة من علامات المهنة، وذكر موقف غريب جمعه بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عقب حادث المنشية، إذ كتب "غانم" تحقيق صحفي حول الجانى الذى حاول استهداف الزعيم الراحل، إلى هنا كان الأمر مقبولا وجيد لصحفي يبحث وراء الجاني في حادث اغتيال رئيس الجمهورية عام 1954.
وقال الكاتب الصحفي خالد صلاح، إن كل جريدة وقتها كانت تبحث طريقة للمعالجة الخبرية للحدث .. فاختار الأستاذ الكبير على أمين كبير الصحفيين بجريدة الأخبار فتحى غانم - وقت كان يبدأ حياته الصحفية- لعمل موضوع عن هذا المجرم الذى حاول اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر.
وأضاف خالد صلاح، أن الطابع الروائي لفتحي غانم غلب على طبيعته الصحفية، فكان الصحفي يكتب كروائي فاختار أن يزور البيت الذى اختمرت فيه فكرة الجريمة، فزار بيت هذا الجانى فى منطقة إمبابة فى حارة ضيقة وصف فتحى غانم كل تفاصيل البيت وحياة هذا الجانى وأهله وأفكاره بطريقة روائية بديعة ولما قرأ الرئيس عبد الناصر، هذا التحقيق تانى يوم فوجئ أنه أمام رواية، وأن هذه الرواية لها بطل وأن هذا البطل هو الجانى وليس المجنى عليه.
أسرع عبد الناصر متصلا بدار أخبار اليوم وقال لهم "ازاى موضوع زى ده ينزل" ليبدأ على أمين شرح وجهة نظر الجورنال، وتأثير هذا الموضوع من الناحية الإنسانية على القراء فى مصر ، حتى بدأ الرئيس عبد الناصر يقتنع رويدا بأن التحقيق ممكن سيأتى بنتيجة لصالحه بالنهاية، وأن فتحى غانم أكبر المناصرين للرئيس عبد الناصر، ولم يكن يقصد أى إساءة.. هكذا يحكي خالد صلاح حول كواليس تحقيق حادث المنشية، وإنه وبعد سنوات قليلة أصبح فتحى غانم هذا الروائى العظيم من أشهر الصحفيين المصريين وتولى رئاسة تحرير عدد من المجلات والصحف منها صباح الخير والجمهورية وروزاليوسف بل ووكالة أنباء الشرق الأوسط الوكالة الرسمية فى مصر.
في نهاية الحلقة ال17 من البرنامج الإذاعي، أشاد خالد صلاح بفتحي غانم كصحفي عاشق الرواية، ليتفرد هو بهذا اللون في "تلك الأيام" ومحافظا عليه .." ده واحد يا جماعة من الصحفيين والكتاب والروائيين شديدى التميز.. كان أعجوبة من أعاجيب العمل الصحفى، يخلط الصحافة بالرواية والرواية بالصحافة .. فيكتب الرواية وكأنه يحقق.. ويكتب القصة الصحفية وكأنه يروى رواية.. هذا الإبداع فى الكتابة لم يعد موجودا الآن بهذه الطريقة، معدناش نشوف رؤساء تحرير قادرين يطلعوا أدب وقصة وشعر ونجوم جداد .. وأنتم فاكرين رواية زينب والعرش التى حققت أعلى مبيعات وقتها وتحولت إلى مسلسل تليفزيونى 30 حلقة، وكانت الحلقات بتشغل بال ناس كتير جدا لأن فتحى غانم، قدمها بطريقة ذكية جدا والناس مكنتش عارفة هو بيكتب قصة حقيقة أم خيالية وهل هو يقصد الصحفيين الكبار أم يقصد أنه يخلق شخصيات روائية.
رحل فتحي غانم 24 مارس 1999، وترك تاريخ صحفي ثري، وأسلوب أدبي زاخر في حكايات خيالية أو أبطال من لحم ودم كما في الجبل، من أين، الساخن والبارد، الرجل الذى فقد ظله، تلك الأيام، المطلقة، الغبى، زينب والعرش، الأفيال، قليل من الحب كثير من العنف، بنت من شبرا، ست الحسن والجمال.