في ذكرى رحيل "أبو التعليم".. لماذا يستحق علي مبارك لقب "رائد النهضة المصرية الحديثة"؟
الأربعاء، 14 نوفمبر 2018 02:00 م
يوصف على مبارك بـ"أبو التعليم المصري" ، ورائد النهضة المصرية العمرانية الحديثة، والمؤرخ والتربوي المصري، وعُرف أنه صاحب النهضة التعليمية الكبرى، وللأسف أساءت إحدى الأعمال المسرحية في السبعينات لسيرته حينما تهكم أحد الممثلين وذكر اسم الرجل بالخطأ فشبت أجيال لا تعرف من هو علي مبارك، الذي تحين اليوم ذكرى رحيله في الرابع عشر من نوفمبر عام 1893.
علي مبارك
وُلِد «علي باشا مبارك» في قرية برنبال الجديدة التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية عام ١٨٢٣م، ونشأ في رحاب أُسرة كريمة؛ فوالده الشيخ مبارك بن سليمان مبارك، كان فقيهًا وعالمًا يُهتدَى بنوره في مجال الدين.
كتاب حياتي لعلي مبارك
واهتم مبارك بتهذيب وَلَده فأرسله إلى كُتَّاب القرية ليتلقَّى التعليم الابتدائي ويحفظ القرآن الكريم ويتعلَّم مبادئ القراءة والكتابة.
وكفل تفوُّقُ الطالب المجتهد أنْ يُلحِقه بمدرسة قصر العيني التي كانت تلقب بالتجهيزية العسكرية، ثم انتقل إلى المدرسة التجهيزية ﺑ «أبو زعبل».
ونظرًا لنبوغه وتفوُّقه اختير ليلتحق بمدرسة الهندسة التي كانت تسمى بالمهندس خانة في بولاق؛ حيث درس فيها لخمس سنواتٍ كفلت له تعلُّمَ المواد التي تُمثِّل العَصبَ العلمي في ميدان العلوم؛ كالجبر، والهندسة، والطبيعة، والكيمياء، والمعادن، والجيولوجيا.
اختير علي مبارك ليكون ضمنَ بعثةٍ دراسيةٍ إلى المدرسة الحربية المصرية بباريس؛ فدَرَس العلوم العسكرية ليلتحق بكلية «ميتز» لدراسة المدفعية والهندسة الحربية، ثم التحق بعدها بالجيش الفرنسي للتدريب والتطبيق العملي.
عندما تولَّى الخديو عباس الأول مقاليدَ الحُكم في البلاد عادت البعثة إلى مصر، وكان عباس خديو رجعيا، ضد البعثات، وضد الانفتاح على الغرب، بل وعُرف بلقب الخديو السلفي، لكنه مع ذلك فتح لعلي مبارك أبوابًا من الترقِّي الوظيفي؛ فعُيِّن معلمًا بمدرسة المدفعية ﺑ «طرة»، ثم رُقِّي إلى وظيفة مراقب على امتحانات الهندسة بالأقاليم، وأَشرفَ على صيانة القناطر الخيرية.
ثم تولَّى إدارة ديوان المدارس، فأحدَثَ بها نهضةً تعليميةً شاملة. كما عُيِّن وكيلًا في نِظارة الجهادية، واختتم مشواره المهني بتولِّيه وزارة المعارف.
وأسهَمَ علي مبارك في العديد من الإنجازات العمرانية، على الرغم من كون اهتمامه الأول ملف التعليم، فقد عَهِد إليه إسماعيل باشا بقيادة مشروعه العمراني الذي يقضي بإعادة تنظيم القاهرة على نمطٍ حديثٍ يتواكب مع النهضة العمرانية العثمانية الجديدة.
كما عَهِد إليه الخديوي بنِظارة القناطر الخيرية ليحلَّ مشكلاتها؛ فوضَعَ خطةً بارعةً استطاع من خلالها أن يستثمر مياه النيل. وإليه يرجع الفضل في إنشاء دار الكتب المصرية.
وأثرى علي مبارك الميدانَ العلمي والفكري بالعديد من المؤلَّفات، منها: «الخطط التوفيقية»، و«عَلَم الدين».
في كتابه "حياتي" يحكي علي مبارك قصة حبسه حينما كان صغيرا، لأنه كان يعمل لدى شخص، يكسب أمواله من قبض الأموال الأميرية التي على العرب، وكان مساعدا عند كاتب في مأمورية أبيه بماهية خمسين قرش، يكتب له الحسابات في الدفارت، وغيرها من المهام، لكنه منع عنه أجره، ثم أرسله ذات يوم لتحصيل مبالغ من المال، فأخذ منها علي مبارك أجره الذي لم يتقاضاه، مما تسبب في تآمر الرجل عليه، وإرساله إلى السجن وهو يظن أنه في طريقه لتأدية مهمة تتعلق بتدوين أشياء متعلقة بدفاتر المساجين، وفوجئ بوضع الحديد والكلابشات في معصميه، ورقبته، وبعد فترة من سجنه، فوجئ بالسجان يخبره أن والده تدخل وكتب عريضة بواقعة حبسه، فتم إخلاء سبيله.
يحكي علي مبارك عن التحاقه بمدرسة قصر العيني وهو في سن المراهقة، يقول: صرت في فرقة برعي أفندي، فوجدت المدارس على خالف ما كنت أظن، بل بسبب تجدد أمرها، كانت واجبات الوظائف مجهولة فيها، والتربية والتعليمات غير معتنى بها، إذ كان جل اعتنائهم بتعليم المشي العسكري، فكان ذلك في وقت الصبح والظهر، وبعد الأكل وفي أماكن النوم، وكان جميع المشرفين على التلامذة يؤذونهم بالضرب وأنواع السب والإهانة من غير حساب ولا حرج.
ويحكي أيضا عن استدعاء الخديو عباس له من باريس، يقول: كان المرحوم إبراهيم باشا يود إقامتنا في العسكرية حتى نستوفى فوائدها، ثم نسيح في الديار الأوروبية لنشاهد الأعمال، ونطبق العلم على العمل، مع كشف حقائق أحوال تلك البلاد وأوضاعها وعاداتها، وكان ذلك نعم المقصد، ولكن أراد الله غير ما أراد هو، وتوفى إلى رحمة الله تعالى.
يمتلئ الكتاب بحكايات مثيرة، بأسلوب جميل ربما يكون غريب قليلا عما نقرأه هذه الأيام، لكنه يعتبر وثيقة على عصر على مبارك، أبا التعليم.