قراران متعارضان.. حكاية قضية طفل تتسببت في إصدار كتابا دوريا من النيابة (مستند)
الأحد، 24 مارس 2019 04:00 ص
أزمة قرارين متعارضين بشأن جنايتين للطفل تتسبب فى إصدار كتاباَ دورياَ من النيابة العامة، حيث صدر الكتاب من إدارة التفتيش القضائي بالنيابة العامة، جاء تحت عنوان: «مذكرة بشأن اختصاص محاكم الطفل بمد الحبس الاحتياطي والفصل في استئناف الأمر الصادر به».
البداية كانت بتاريخ 25 نوفمبر 2018 عقب ورود مذكرة من نيابة جنوب القاهرة الكلية بشأن الجنايتين رقمى «1032، 1070» لسنة 2018 الطفل بالقاهرة – التهمة فى كل إتجار بمواد مخدرة والمتهم فيها طفل، وخلت من مساهم غير طفل – وقد تضمنت أن الجناية الأولى عرضت على محكمة الطفل بتاريخ 12 نوفمبر 2018 لنظر استئناف المتهم على قرار مد حبسه احتياطياَ، وقررت المحكمة إعادة الأوراق والتصرف فى المتهم طبقاَ للمادة «119» من قانون الطفل والمادة «167» من قانون الإجراءات الجنائية، وأحجمت عن النظر فى أمر تجديد الحبس.
ونفاذا لذلك وبعرض المتهم على محكمة الجنايات المختصة بجلسة 13 نوفمبر 2018 قررت بعدم اختصاصها بنظر استئناف المتهم الطفل، وعرضه على الدائرة المختصة قانوناَ محكمة الطفل، والتى أصدرت قرارها فى أمر الحبس الإحتياطى، كما تضمنت أن الجناية الثانية عرضت على محكمة الطفل لنظر استئناف النيابة العامة على قرار المحكمة الصادر بجلسة 15 نوفمبر 2018 بإخلاء سبيل المتهم إذا سدد ضماناَ مالياَ قدرة ألف جنيه وإلا يحبس 15 يوماَ إحتياطياَ على ذمة التحقيقات.
وقررت محكمة الطفل بعدم اختصاصها بنظر الاستئناف بكون المتهم جاوز الخامسة عشرة من العمر وتطبق بشأنه قواعد الحبس الاحتياطى الواردة بقانون الإجراءات الجنائية طبقاَ لنص المادة «143» من قانون الطفل، ونفاذا لذلك عرضت الأوراق على محكمة الجنايات وقررت قبول الاستئناف شكلاَ وفى الموضوع بإلغاء القرار المستأنف واستمرار حبس المتهم 15 يوماَ.
وهو ما مفاده صدور قرارين متعارضين بشأن مدى اختصاص محاكم الطفل بنظر استئناف قرارات مد الحبس الاحتياطى سواء من المتهم أو من النيابة العامة.
فجاء الرد القانونى من النيابة العامة على هذه الأزمة فى مدى اختصاص محاكم الطفل بمد الحبس الإحتياطى والفصل فى استئناف الأمر الصادر به وأسانيده كالتالى:
أولاَ: نصت المادة «122» من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم «12» لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم «126» لسنة 2008 على أنه: «تختص محكمة الأطفال دون غيرها بالنظر فى أمر الطفل عند اتهامه فى إحدى الجرائم أو تعرضه للإنحراف، كما تختص بالفصل فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد من «113 إلى 116» والمادة «119» من هذا القانون واستثناء من حكم الفقرة السابقة يكون الإختصاص لمحكمة الجنايات أو محكمة أمن الدولة العليا – بحسب الأحوال – بنظر قضايا الجنايات التى يتهم فيها طفل جاوزت سنه 15 سنة وقت ارتكابه الجريمة متى أسهم فى الجريمة غير طفل، واقتضى الأمر رفع الدعوى الجنائية عليه مع الطفل....».
وقد اقر المشرع فى النص المتقدم مبدأ إنشاء قضاء متخصص لمحاكمة الأطفال، وذلك بالنظر للطابع الخاص لإجرام الأطفال سواء من حيث أسبابه وأساليب علاجه، مما يقتضى أن يتخصص له بعض القضاة، فيكتسبون الخبرة فى شأنه ويتسع لهم الوقت لدراسة العلوم والفنون التى تتناوله، ويبرر هذا التخصص كذلك وجوب أن تتبع إجراءات خاصة فى محاكمة الأطفال صيانة لنفسياتهم ومستقبلهم.
والواقع أن اختصاص محكمة الطفل – بدرجتيها – يعد من قبل تحديد الاختصاص وفقا للمعيار الشخصى – وهو الذى يتوقف على صفة المتهم ففتولاه محاكم ذات اختصاص خاص، مثل المحكمة المختصة بمحاكمة الأطفال، وقد تتولاه محاكم تتبع جهة قضائية أخرى مثل محاكم القضاء العسكرى – وهو ما يستوجب حتماَ أن يدخل كل ما يتعلق بأمر الطفل المتهم أو المعرض للخطر – بما فى ذلك قرار مد الحبس الإحتياطى أو النظر فى استئناف القرار الصادر به – فى اختصاص محكمة الطفل دون غيرها.
وقد أناط المشرع بمحكمة الطفل – بدرجتيها – دون غيرها الاختصاص بالنظر فى أمر الطفل عند اتهامه فى إحدى الجرائم بما فى ذلك الجنايات – وهى الجرائم شديدة الخطورة – بالنظر للطابع الشخصى للمتهم، ولم يستثنى إلا حالة مساهمة غير طفل مع الطفل فى ارتكابها وفقا لضوابط معينة حماية لحسن سير العدالة وهو ما يجزم أن إرادة المشرع قد اتجهت إلى قصر الاختصاص بكل ما يتعلق بالطفل – بما فى ذلك قرار مد الحبس الإحتياطى أو الطعن عليه – على محكمة الطفل بالنظر إلى أن مد الحبس دون شك أقل خطورة من الجنايات، كما أن مد الحبس يدور فى فلك التحقيق فإن تبين أن مبرراته قد انتفت فإنه يتعين إخلاء سبيل المتهم.
ويؤيد ذلك أن المشرع قد أورد عبارة «النظر فى أمر الطفل عند اتهامه» فى المادة وهى عبارة قصد منها التوسع فى اختصاص محكمة الطفل دون غيرها ليشمل كل ما يتعلق بأمر الطفل وبما يرتكبه من أفعال وما يتخذ حياله من إجراءات بما فيها الحبس الإحتياطى وقرار مده والطعن عليه أمام المحكمة الإستئنافية للطفل وفقاَ للفرة الأخيرة من المادة 121 من قانون الطفل.
وغنى عن البيان أن الطعن على القرار الصادر من المحكمة الإستئنافية للطفل بشأن قرار مد الحبس الإحتياطى يكون أمام دائرة أستئنافية للطفل خلاف التى أصدرت القرار وفقاَ لنص المادة 120 من قانون الطفل والتى أرست مبدأ إنشاء محكمة أو أكثر للطفل فى مقر كل محافظة ولا يقدح فى ذلك ما تضمنته عليه المادة «143» من قانون الطفل من أنه تطبق الأحكام الواردة فى قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية فيما لم يرد به نص، ذلك أن تفسير ذلك النص ينصرف إلى ما يطبق أمام محكمة الطفل ذاتها من إجراءات ولا ينصرف إلى الإختصاص ذاته، إذ أن القول بغير ذلك يعنى أن المشرع قد وقع فى التناقض عند النص على اختصاص محكمة الطفل دون غيرها بالنظر فى أمره فى المادة «122» من القانون.
وقالت: «ذلك الأمر هو التفسير الذي يتماشى مع القاعدة الدستورية المقررة لحق الطفل في تحقيق مصلحته الفضلى في كافة ما يتخذ حياله من إجراءات ويتماشى كذلك مع حسن سير العدالة وتحقيق موجبات القانون».
وأشارت المذكرة، إلى أن تحقيق المصلحة الفضلى للطفل في كافة الإجراءات التي تتخذ حياله حقًا دستوريًا وفقًا للمادة «80» من الدستور، ومؤدى ذلك فإنه يتعين عند تفسير نصوص القانون أو اتخاذ أيه إجراءات حيال الطفل أن تكون مصلحته الفضلى هي المعيار الرئيس في ذلك حماية لحقه الدستوري.
وقالت إدارة التفتيش: ولا شك أن اختصاص محكمة الطفل دون غيرها بالنظر في كافة ما يتعلق بالطفل المتهم أو المعرض للخطر- بما في ذلك القرار بمد حبسه احتياطيًا أو الطعن عليه- يحقق مصلحته الفضلى، إذ أن تشكيل المحكمة وتخصص قضائها وخبراتهم ومهاراتهم فيما يتعلق بالإجراءات التي تتخذ حيال الأطفال المتهمين أو المعرضين للخطر يعد ضمانة حقيقة عند معاملة الأطفال جنائيًا.
وأضافت أن من وجهة نظر أخرى فإن القول باختصاص محكمة أخرى خلاف محكمة الطفل بالنظر في الطعن على قرار مد حبسه احتياطيًا يؤدي من الناحية الواقعية إلى احتمال غالب أن يحتجز الأطفال مع غيرهم من البالغين في مكان واحد سواء عند نقلهم للعرض على المحكمة أو عند اتخاذ إجراءات العرض ذاتها.
وعلقت: وهو أمر شديد الخطورة إلى حد أن المشرع جرمه في المادة (112) في قانون الطفل والتي نصت على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة ألاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة احتجز أو حبس أو سجن طفلًا مع بالغ أو أكثر في مكان واحد، موضحة أن ذلك يؤيد على نحو جازم أن المشرع قصد أن يقصر الاختصاص بكل ما يتعلق بالأطفال على محكمة الطفل على نحو استشاري حماية لهم ومراعاة لكل ما يتخذ حيالهم من إجراءات جنائية.
وجاء بالمذكرة، أنه منذ انضمام مصر لاتفاقية حقوق الطفل والتصديق عليها حرصت الدولة على الوفاء بالالتزامات الدولية التي وضعتها، وأبرزها وضع منظومة للعدالة الجنائية للأطفال التي تتناسب مع حقهم في الحماية والاندماج في المجتمع، حيث وضعت لجنة حقوق الطفل التعليق العام رقم (10) بشأن حقوق الطفل في قضاء الأحاديث عام 2007 ليكون المعيار الرئيس عند تقييم التقارير الدولية التي تقدمها الدول الأعضاء ومن ضمنهم- مصر - دوريًا بشأن حقوق الطفل بما فيهم معاملته جنائيًا.
وتضمنت المذكرة، أن البنود من 90 حتى 95 بالتعليق العام السالف ذكره، شملت تنظيم قضاء الأحداث وتناول ضرورة أن يكون قضاء الأحداث متخصصًا، وأن تقوم الدول الأطراف بوضع قوانين وإجراءات وإنشاء مؤسسات تنطبق بصفة خاصة على الأطفال المخالفين للقانون دون غيرهم، كما شملت ضرورة وضع نظام شامل لقضاء الأحداث وإنشاء وحدات متخصصة داخل الشرطة ومكتب المدعى العام والمحاكم فضلا عن المحامين المتخصصين.
وأكدت المذكرة على أن الاتفاقية وما يرتبط بها من نصوص دولية أكدت على ضرورة أن يكون كل ما يتعلق بأمر الطفل من اختصاص محكمة متخصصة واحدة دون غيرها تحقيقًا لمصلحته الفضلى.
واختتمت المذكرة: ولا شك أن نظر الطعن على قرار مد الحبس الاحتياطي للأطفال أمام محاكم أخرى غير محكمة الطفل سيؤدي إلى الإخلال بهذه المبادئ على نحو جسيم - لاسيما من وضوح نص المادة (122) من قانون الطفل التي قصرت النظر في أمره على محكمة الطفل على نحو استشاري- ويؤدي إلى القول بإخلال مصر بالتزاماتها الدولية وفقا لاتفاقية حقوق الطفل.