تصل الأسعار لـ 2.5 مليون جنيه..
السبوبة الشمال في المقابر: بيع جبانات البشاوات المنسية بعقود مزيفة
السبت، 16 مارس 2019 06:00 م
مقابر- أرشيفية
«التربية» دشنوا صفحة على السوشيال ميديا باسم «موت واطمن» للترويج لبيع ترب «5 نجوم»
مكاسب غير شرعية بالجملة يحصل عليها أباطرة الجبانات والمقابر بمختلف أنحاء الجمهورية
أماكن المقابر وموقعها الجغرافى يفرق كثيرا فى تحديد سعرها
مكاسب غير شرعية بالجملة يحصل عليها أباطرة الجبانات والمقابر بمُختلف أنحاء الجمهورية وبشتى الوسائل المُمكنة، مُستغلين قدمهم فى العمل كتُربية وبعلاقاتهم مع بعض الأشخاص الذين يصفونهم بـ «المهمين» فى تسهيل ما يقومون من أعمال إجرامية، بل إن بعضهم يرى أن ما يفعله ويتحصل عليه من أموال حق مُكتسب له ولأبنائه، حتى أن بعضهم يقوم بالتعدى بالقول وأحيانا الضرب على من ينصحهم بالابتعاد عن تلك «السكة الشمال» والاكتفاء بما يحصدونه مقابل دفن الموتى أو زيارات أقارب الموتى فى الأعياد والمواسم أو حتى فى الأيام العادية.
لم يقتصر أمر «المال الحرام» الذى يَحصده بعض التُربية باستخدامهم الأساليب الملتوية، فقد ظهر مُصطلح آخر يُدعى «التُرب المَنسية»، وهى ترب دفن بها أحد الباشوات فى عهد ملوك مصر من سلالة محمد على باشا، وهاجر أبناؤهم إلى الخارج، وتوفى بعضهم بل وتم دفنهم فى أماكن أخرى، ونسى أبناؤهم أن لديهم مقبرة دُفن فيها أجدادهم، حيث تعد هذه النوعية من الترب بمثابة «الكنز» للتربى الذى يعمل بشكل غير شرعى، فقد يحصل من ورائها على مئات الآلاف من الجنيهات مقابل بيعها بشكل غير شرعى لأحد الراغبين فى شراء مقبرة قريبة من ضريح السيدة نفيسة أو أولياء الله الصالحين.
التقينا «س. ص. أ»، والذى كان من المُفترض أن يرث عن أبيه العمل داخل أحد أحواش مقابر السيدة نفيسة، لكن أحدهم حال دون حدوث ذلك، ويُحدثنا عن الأسباب التى دفعت هذا الشخص لمنعه من الحصول على حقه المشروع فيقول: «فور وفاة أبى، توجهت إلى رابطة تُربية القاهرة، وطلبت منهم الحصول على حقى فى القيام بالمهام التى كان يقوم بها أبى، حيث كان من المفترض أن توافق الرابطة على خضوعى لاختبارات محافظة القاهرة، والتى تتمثل فى اختبار بعض الأمور الشرعية فى الدفن، بالإضافة إلى اختبار آخر للقراءة والكتابة، إلا أننى فوجئت بأن كل شىء قد توقف، وحينما حاولت أن أعرف السبب حدثت لى صدمة».
ويستكمل «س. ص. أ» حديثه قائلاً: «فوجئت بأن أحد المسئولين عن الرابطة هو من عطل إجراء اختبارات المحافظة، وعندما حاولت معرفة السبب قال لى إنه يريد أن يتقاسم معى العائد الذى سيأتى من وراء العيون التى ستكون تحت مسئوليتى، وبعد حديث طويل معه، فهمت منه أنه لم يقصد العائد الذى يأتى من دفن الموتى أو من الحسنة التى تأتى من الزائرين، وإنما من الأعمال غير الشرعية الخاصة بترميم المقابر أو بين المقابر المنسية التى لا صاحب لها ولا يسأل عنها أحد».
«هذه الأعمال تتم من خلال منظومة علاقات كبيرة لهولاء التُربية»، بتلك الجملة استكمل «س. ص. أ» حديثه عن عملية بيع المقابر المنسية، حيث أوضح أن كل تُربى يسعى إلى القيام بتلك العملية غير الشرعية، لا بد وأن تكون له علاقات ببعض موظفى الحكومة ممن لهم علاقة بالسجلات وبيانات المواطنين، وبالتنسيق معهم يتم عمل عقد بيع جديد بأختام قديمة قد يكون بعضها منذ عهد الملك فاروق أو ما قبل ذلك لأجداد المشترى الجديد، ويتم السير بالتسلسل الوراثى إلى أن يصل الأمر إلى المُشترى الجديد، حيث يتم بيع المقبرة بنفس سعر اليوم بعد أن يتم استيفاء كافة الأوراق بشكل غير قانونى.
أما عن أسعار المقابر الموجودة على مقربة من مسجد السيدة نفسية وضريحها، فلها أسعار مُحددة يتم تحديدها وفقا لعاملين مهمين أوضحهما «سامح. ع»، أحد المقيمين بتُرب السيدة نفيسة والذى تُشرف عائلته على إحدى الترب، حيث قال إن هذين العاملين هما: «حساب مساحة الحوش أو المقبرة التى سيتم شراؤها، والعامل الثانى هو المسافة التى تَبعد عن ضريح ومسجد السيدة نفيسة»، حيث إن المقبرة التى تَطل مباشرة على المسجد والضريح من أى جانب من جوانبه قد يصل سعرها إلى 2 مليون جنيه، ويكون ذلك وفقا للاتفاق مع أصحاب المقبرة والورثة الشرعيين لها، ويظل الرقم يقل تدريجيا حتى تصل إلى الجهة الأخرى من المقابر بالقرب من سور مجرى العيون أو ميدان السيدة عائشة إلى أن يصل إلى 200 ألف جنيه، ويتم رفع السعر وخفضه دون وجود قيود على ذلك، ويستغل البعض هذا الأمر للتربح دون وجه حق».
ويقول سامح، إن أماكن التُرب وموقعها الجغرافى يفرق كثيرا فى تحديد سعرها، فلا يمكن مساواة سعر المقبرة التى تقع بالقرب من الطريق بأخرى تقبع داخل أعماق الجبانات، حيث إن سعر الجبانة التى تقع على طريقى الأتوستراد أو صلاح سالم مباشرة قد يبلغ سعرها فى بعض الأحيان إلى مليون ونصف مليون جنيه، أما عن أسعار التُرب بمقابر 15 مايو فيتراوح سعر الحوش ما بين 300 ألف جنيه إلى 500 ألف جنيه، وكل هذه الأسعار يتم تحديدها بشكل غير رسمى، وهو أمر يشبه السوق السوداء، مشيرا إلى أن سعر مقابر الإمام الليثى رخيصة بشكل كبير، وذلك بسبب غرقها فى المياه الجوفية، لذلك يلجأ التُربية هناك إلى إعادة بناء الترب فوق سطح الأرض حتى لا يتضرر الموتى من المياه.
المفارقة الغريبة، أن الترب أماكن تخلو من خدمات الصرف الصحى، وبالتالى يكون من الصعب العيش فيها بشكل أول بآخر، حيث إن الخدمات الموجودة فقط فى تلك الأماكن، هما الماء والكهرباء فقط، وعلى الرغم من صعوبة العيش بتلك الأماكن، إلا أن هناك بعض التُربية من ميسورى الحال، يصرون على العيش بتلك الأماكن رغم قدرتهم على شراء أماكن أخرى، إلا أن غالبيتهم يملكون شققا ووحدات سكنية خارج نطاق الترب، ولكنهم لن يتركوا عملهم غير المشروع دون رقيب ولمتابعة كل جديد فيه ووضع بصمتهم عليه.
الأكثر غرابة فى مجال بيزنس المقابر وبيعها بأسعار مختلفة، أن البعض دشن صفحات التواصل الاجتماعى لتسويقها رافعين شعار «مُوت واطمّن»، فهى جملة لا تُقال على سبيل الدُعابة ولكنها الشعار الرسمى للمعلنين عن المقابر من خلال هذه المواقع، فنجد العديد من الصفحات المخصصة لمثل هذه الدعاية والتى لم تقتصر على الإعلان عن الوحدات بالأسعار ولكنها نشرت مقاطع فيديو دعائية يظهر فيها مواطن بالرداء الأسود حزنا على فقيده، وعلى ملامحه الحزن والأسى لفراق المفقود ليمجد فى المقبرة ويتباهى بمميزاتها ومساحتها وتشطبيها وسهولة التعامل مع صاحبها وإمكانية تسليمها وغيرها من التفاصيل الدعائية.
الإعلان كان أشبه بالدعاية عن الشقق السكنية والفيلات الفاخرة، وهو ما يوضح أن الدعاية حاليا لم تقتصر على المستلزمات الحياتية فقط، بل تطرقت لما هو أبعد من ذلك، فالنهاية الطبيعية لكل إنسان هى الموت، وهو ما أتاح للكثيرين مادة إعلانية جديدة، وهو إمكانية توفير المقابر بأسعار مناسبة حسب الظروف الاجتماعية لكل منا، ليتحول الأمر يوما بعد يوم إلى «بيزنس» مربح للعاملين به.
الملفت للانتباه هو الأسعار المعلن عنها والتى تعتبر فى قيمة الشقق السكنية وتختلف أسعارها باختلاف عدد الحجرات والمساحات بالإضافة إلى التشطيب أيضا فنجد إعلانات منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى ومواقع التسويق الالكترونى تعلن عن مقابر تشطيب لوكس أو سوبر لوكس، حيث ترتفع أسعار هذه المقابر مع جودة التشطيبات.
المثير فى الأمر أن هناك مقابر للمليونيرات والتى يعلن عنها بمواصفات تفوق خيال الشاب المقبل على الزواج ويبحث عن عش الزوجية، لتظهر المقابر المحاطة بالحدائق والمزودة بأبواب يتم فتحها عن طريق التحكم عن بعد «ريموت كنترول»، وبشكل عام نجد الأسعار تبدأ من 100 ألف جنيه لتصل إلى عدة ملايين من الجنيهات حسب المساحة والامتيازات ومكان المقبرة، فإذا أردت مقبرة مصيفية تجد على طريق العين السخنة وإذا بحثت عن مقبرة بالقرب من المناطق السكنية فما أكثرها، أما فى المناطق الشعبية فتتواجد بكثرة خاصة بالقرب من مساجد أولياء الله الصالحين.
وكل منطقة لها قائمة أسعار مختلفة، ويختلف معها الحد الأدنى للأسعار حسب امتيازاتها، ويتنافس المقاولون فى توفير امتيازات أكثر بالمقابر المالكين لها لبيعها بأعلى سعر ممكن، ويروجون لها على طريقتهم الخاصة المناسبة لما يقدمونه للمستهلك.
لم يتوقف الأمر على الدعاية الإلكترونية للمقابر فقط، وإنما زاد الأمر ليصل إلى وضع إعلانات بأسعار مختلفة على أبواب المستشفيات الحكومية مثل مستشفى المطرية وعلى أبواب المشارح والمستوصفات، حيث يضع سمسار المقابر رقمه بجوار إعلانه، وبمجرد أن يتصل عليه أحدهم يضع له سعرا خياليا للمقبرة، وهو سعر قابل للفصال.