عن ترميم الشروخ الدستورية: ما هي علاقة التعديل الدستوري بتثبيت دعائم الدولة؟
الأحد، 17 مارس 2019 09:00 ص
يلتمس المصريون في الأيام المقبلة إنتهاء مداولات البرلمان المصري حول مشروع التعديلات الدستورية المقترحة، لتنتهي فترة المخاض السياسي التي أعقبت أحداث عام 2011 وما صاحبها من عدم إستقرار سياسي ادى في نهاية المطاف لقيام ثورة الثلاثين من يونيو 2013 التي كان من اهم أهدافها وضع خارطة طريق لتصحيح مسار الدولة المصرية.
فى التقرير التالى «صوت الأمة» رصد السؤال الذى بات يشغل قطاع عريض من المجتمع المصرى عن علاقة التعديل الدستوري كضرورة مجتمعية لتثبيت دعائم الدولة المصرية، بحسب الخبير القانونى والمحامى محمد الشهير.
سيطرة الجماعات الراديكالية
لأن الدستور هو الوثيقة الأساسية التي توضح المبادئ العليا للدولة ومقوماتها الإجتماعية والثقافية والسياسية والإقتصادية، وهو بمعنى أدق الوثيقة التي تبرز هوية الدولة وإتجاهها المحلي والإقليمي والدولى، فكان لا بد من أن تتطلع الدولة إلى تعديل الدستور وحذف ما شابه من عوار الصياغة في بعض المواد التي تم إقرارها في وسط حالة إحتقان مجتمعي كان السبب فيها سيطرة الجماعات الراديكالية على مقاليد السلطة في مصر، ومحاولتها إقصاء كافة التيارات الوطنية لصالح أجندة جمعت بين دعم الإرهاب وطمس الهوية المصرية – وفقا لـ«الشهير».
إن التعديلات الدستورية أصبحت ضرورة حاضرة لتأكيد وحدة النسيج الوطني وشمول الحماية الدستورية لكافة قطاعات الشعب المصري دون تمييز بين أبناءه، فعلى سبيل المثال طرح التعديل الدستوري فكرة التمكين النيابي للمرأة عن طريق تخصيص عدد محدد من مقاعد المجلس لا يقل عن ربع عدد المقاعد، بما معناه ضمان تمثيل نصف المجتمع المصري بعدد نائبات لا يقل عن 112 نائبة، وهي سابقة دستورية لم تحدث في تاريخ مصر وتبرز الحماية التشريعية للمراة بإعتبارها أحد اوجه التقدم الحضاري الذي تقاس به الدول المعاصرة.
تعديل الدستور لصالح العمال والفلاحين
وفي ذات السياق - فإن التعديلات الدستورية المقترحة ترمم شرخاً دستورياً هاماً في نصوص المواد 242و244 من الدستور حيث كان نص المادة 242 مجحفاً بحق العمال والفلاحين في إستمرار تمثيلهم العادل بمجلس النواب، وجار على حقهم النيابي حين أوقف النص السابق على حدود أول مجلس برلماني منتخب بعد إقرار الدستور، وكذلك كان نص المادة 244 قاصر في ضمان تمثيل فئات الشباب والأقباط وذوي الإحتياجات الخاصة على المجلس الحالي فقط، وبمفهوم المخالفة فإن هذه الضمانة كانت ستنتهي بإنتهاء فترة المجلس، ولكن أتت التعديلات المقترحة لتنير الطريق أمام هذه الفئات التي عانت من سنوات طويلة من عدم وجود تمثيل حقيقي تحت قبة البرلمان بما يتناسب مع دورهم المحوري في المجتمع المصري – الكلام لـ«الشهير».
علاقة تعديل الدستور بالأمن القومى
وعلى صعيد الأمن القومي، فقد وضح من التعديلات المنتظرة أنها تهدف لحماية مقومات الدولة العليا ونظامها العام، ولأول مرة في التاريخ الدستوري المصري يتم إقتراح نص صريح يوفر الحماية الواقعية لمقومات الدولة ومدنيتها وحقوق وحريات مواطنيها، وهو النص الذي طال إنتظاره منذ دستور 1956 وما تلاه من دساتير ليتم تأكيد الدور المحوري للقوات المسلحة في حماية الوطن من اخطار الداخل والخارج على حد سواء، بأن تكون حامية وضامنة لإستقرار دعائم الديموقراطية في الدولة المصرية الحديثة، بالإضافة إلى دورها التاريخي في حماية حدود مصر والحفاظ على سلامة أراضيها التي إرتوت بدماء شهداء القوات المسلحة البواسل – هكذا يقول «الشهير».
كما يظهر من التعديلات المطروحة أنها تعالج بعض المواد التي فرضت الأوضاع المعاصرة لوضع الدستور خروجها بهذا الشكل، ومنها على سبيل المثال التعديل المقترح للمادة 234 من الدستور بشأن حذف الفقرة الخاصة بسريان تعيين وزير الدفاع لفترتين رئاسيتين كاملتين، وذلك لإنتهاء دواعي إقرار هذه المادة وخروج الدولة المصرية من حالة المخاض إلى حالة الإستقرار السياسي والدستوري، مما تنتفي معه الحكمة من وضع هذه الفقرة في النص الدستوري.
علاقة التعديل الدستورى بالهيئات القضائية
وفضلاً عما سبق، فقد إتجهت التعديلات الدستورية إلى تنظيم إختصاصات الهيئات القضائية بما يضمن التوازن بين السلطات الثلاثة ومنع حجب السلطة القضائية لدور السلطتين التشريعة والتنفيذية أو التغول عليهما، حيث قننت التعديلات المقترحة الدور القضائي لمجلس الدولة وفرغه لممارسة إختصاصاته الأصيلة بعد حذف الإختصاصات الاخرى التي نالت من جهد ووقت هذه الجهة القضائية دون مردود حقيقي، كما أعادت هذه التعديلات آلية إختيار رؤساء الهيئات القضائية إلى وضعها الأنسب الذي يضمن وجود علاقة متبادلة بين السلطات الدستورية وتأكيد مبدأ التعاون والرقابة المتبادلة ضمن نظام الفصل المرن بين السلطات، وهو من الانظمة الدستورية السائدة في معظم بلدان العالم.
وعلى طريق الديمقراطية فإن التعديلات المقترحة أنبأت عن إتجاه الدولة للسير نحو بناء كيان رئاسي متكامل يضمن تواصل تدفق الدماء والخبرات في أروقتها، حيث إستحدثت التعديلات المقترحة منصب نائب رئيس الجمهورية كمنصب حيوي تكتمل به منظومة العمل الرئاسي ضمن إطار مؤسسي ديمقراطي رائد، مع وضع ضوابط صارمة تحول دون تخطي حدود شاغل المنصب للإختصاصات الدستورية المنصوص عليها، وتاكيداً على السير في إتجاه الإستقرار المؤسسي فقد إتجهت التعديلات إلى المناداة بإستمرار مسيرة التنمية ووضع مدة رئاسية ملائمة تتوافق مع طبيعة المرحلة القادمة التي لا تسمح بإختصار مدة الرئاسة في أربع سنوات، بل كان لازماً أن يتم تحديد مدة تتوافق مع خطط البناء طويلة الامد التي تنتهجها الحكومة المصرية والتي تتطلب إستقراراً سياسياً لا توفره نصوص الدستور الحالي.
نظام الغرفتين البرلمانيتين
ولم تخلو هذه التعديلات التاريخية من النظر في النظام البرلماني الانسب للدولة المصرية، ومنهنا كان إقتراح التحول من نظام الغرفة البرلمانية الواحدة «مجلس النواب» إى نظام الغرفتين البرلمانيتين «مجلس النواب ومجلس الشيوخ» وهو ما يحقق عدة مزايا وطنية لا غنى عنها للمجتمع المصري، حيث يساعد نظام المجلسين على ضمان مقاربة مبنية على روح التشاور في مجال التشريع، تحول دون تمرير تشريعات غير مسئولة.
كما تتيح فرصة إضافية لمتابعة أو مراقبة الجهاز التنفيذي. واخيراً فإن التعديلات المرجوة يظهر منها دون شك إتجاه الإرادة الوطنية إلى النص على سيادة القانون كمبدأ عام وإعتبار القانون الدستور هو السلطة العليا في الدولة والسمو به موضوعاً وشكلاً بجعله المصدر الوحيد لوضع القواعد المحددة لشكل الدولة وشكل نظامها الحاكم، وبيان كيفية ممارسة السلطات لدورها وعلاقتها فيما بينها، فهذه التعديلات ـ وبحق ـ خطوة نحو تثبيت دعائم الدولة المصرية الحديثة.