في ذكرى ميلاده.. «ابن بطوطة» رحالة العرب عاشق السفر والترحال
الأحد، 24 فبراير 2019 07:00 مولاء عكاشة
رحلته قصة متميزة، تسرد تفاصيل 27 عاما قضاها في الترحال بين الأمصار، هي في صميمها مغامرة طويلة وحافلة بالمعلومات الصادقة والدقيقة، بالأضافة إلى ما فيها من الغرائب والطرف، والراوي رجل صدوق لايتكلف شيئا في أحاديثه، لم يفكر في تسجيل رحلته لولا أن ألح الناس عليه في ذلك، سمعنا جميعا عنه، وعن رحلاته التي أصبحت معروفة ومتداولة بأيدي الناس، وأحاديثة التي وصفها الكثير بالغربية والمثيرة .
إنه الرحالة الأشهر أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إبراهيم اللواتي الطنجي، وشهرته «ابن بطوطة»، والذي تحل اليوم الرابع والعشرين من فبراير ذكرى ميلاده، في مدينة طنجة في بلاد المغرب، لأب من أوساط الناس، في درب سغير يحمل الأن اسمه في تلك المدينة الجميلة طنجة، فهي جوهرة من جواهر بلاد المسلمين وأكثرها جمالا وإشراقا .
درس أبن بطوطة على طريقة أمثاله من الشبان في ذلك العصر، فحفظ القرآن الكريم وكان يريد أن يكون فقيها كأبيه وبقية النابهين من أهل بيته، فتردد على كثير من الشيوخ ونهل من علمهم، وكانت دراسة الفقه وقتها تطول فلا يفرغ الشاب من دراسته لها إلا في حدود الثلاثين من عمره، ويبدو أن ابن بطوطة لم يكمل دراسته، حيث إنه خرج للترحال في سن الحادية والعشرين، فرغبته في السفر والجولان أعجلته عن أتمام الدراسة .
وخرج الرحالة من طنجة_مسقط رأسه_ في يوم الخميس الثاني من شهر رجب عام خمسة وعشرين وسبعمائة، حيث كان قاصدا حج بيت الله وزيارة قبر رسوله، عليه أفضل السلاة والسلام، وحيدا منفردا عن رفيق بصحبته .
وكان عادة الخارجين للحج في تلك العصور، أن يكونوا في قوافل خاصة منظمة تنظيما دقيقا، وفيها متخصصين في كل ما يتصل بالحج من معرفة بالطريق ومراحلة وأوقاته، ومزودة أيضا بكل مطالب الحجاج، وكان هذا الركب يسمي باسم ركب الحجاج المغربي، لكن هذا الرحالة الشاب تعجل وقتها ولم ينتظر ركب الحاج المغربي، فكان دافعه الأكبر هو ذلك الشوق إلى رؤية الدنيا والناس، فقد ولد رحالة بطبعه.
وكان اهتمامه برؤية الناس والغرائب، يضطره إلى التخلف عن ركبه ورفقته، ثم يلحق بأخرى ويمضي في سبيله، بل في بعض الأحيان كان يغير اتجاهه تماما، ويتجه إلى ناحية أخرى غير التي كان يقصدها، فكل البلاد عنده سواء، فكان هدفه الأساسي هو الرحلة في ذاتها، وكان يواجه الأوباء في رحالاته بصورة تدعو إلى العجب، فتحمل كل متاعب السفر الشقة، على عكس الكثير من أصحابه الذين ماتوا من الأمراض أو الطعام الفاسد، حيث كان ينجو هو برغم مشاركتهم في أكل هذا الطعام، فيقال أن الله رزقه مناعة يسرت له النجاه من تلك المهالك أكثر من مرة .
ومضى «ابن بطوطة» في كتابه وتدوين احداث رحلته، بأمر من سلطان بلده "أبا عفان فارس المتوكل"، وكان لا يملك الرحالة أسلوبا طيعا في الترسل، الأمر الذي دفع السلطان وقتها إلى ترك أعادة صياغة ما يكتبه ابن بطوطة من حديث رحلته، إلى وزير من وزرائه من أهل الأدب وبالتحديد أدب الرحلات وهو أبو عبدالله بن جزى، فجعل ابن بطوطة يكتب وابن جزى يصوغ وينقح .
وخلاصة القول، أن شوق ابن بطوطة الشديد إلى السفر والترحال بين البلاد، كان الدافع الأكبر في تحمل وتجشم متاعب الرحلة، حيث كان السفر وقتها مغامرة بالنفس والمال، فما كان هناك طرق مواصلات مأمونة، فضلا عن أن الحكومات في تلك العصور كانت شديدة الوطأة على المسافرين حينها، ولكن الله أعانه على مطلبه العسير الذي أراده، فأستمتع بما أراد .