هل يكفي لتوافر سبق الإصرار في حق المتهمين ثبوت اتفاقهم على ارتكاب الجريمة؟
السبت، 16 فبراير 2019 09:00 ص
يعتبر سبق الإصرار ظرف مشدد في جناية القتل العمد والضرب المفضي إلى الموت بحيث يرفع عقوبة القتل إلى الإعدام والضرب المفضي إلى موت إلي السجن في حده الأقصى، وعلة التشديد ما يتوافر لدي الجاني من هدوء وروية في التفكير ارتكاب الجريمة ورسم خطتها بعيد عن ثورة الانفعال والغضب، بمعني أن الجريمة لم تكن وليد اللحظة بل كانت في زمن فكر فيه الجاني وخطط قبل الإقدام على ارتكابها مما يستلزم زيادة جرعة العقاب.
في التقرير التالي «صوت الأمة» رصد إشكالية هل يكفي لتوافر سبق الإصرار في حق المتهمين ثبوت اتفاقهم علي ارتكاب الجريمة؟
وفى هذا الشأن، يقول استاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر فاروق الأمير، أن الأصل يتمثل فى أن ظرف سبق الإصرار من الظروف الشخصية التي يقتصر أثر تشديد العقاب فيها علي من توافر في حقه دون غيرة من الجناة، فإذا تعدد الجناة في القتل أو الضرب المفضي الي الموت، فإنه لا يحكم بالعقوبة المشدده إلا علي من توافر في حقه سبق الإصرار دون غيره.
ويجري قضاء النقض - منذ زمن - وفقا لـ«الأمير» - علي أن ثبوت اتفاق الجناه علي القتل أو الضرب الذي أدي إلي وفاة المجني عليه يعني حتما توافر سبق الاصرار لديهم، وقد ابانه محكمة النقض علة ذلك بقولها: «أن ما يقتضيه انعقادات الارادات من وقت قد يطول يفترض مناقشه مشروع الجريمة وتقليبه علي وجوه المختلفه بما يوفر عناصر سبق الإصرار».
محكمة النقض
وطبقت هذا النظر في حكم حديث لها فقالت بأنه: «لما كان الحكم المطعون فيه وقد أثبت توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين، فإن ذلك يرتب في صحيح القانون تضامناً بينهم في المسئولية الجنائية، ويكون كل منهم مسئولاً عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي وقعت تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه باعتبارهم فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات يستوي في هذا أن يكون محدث الإصابة التي أدت إلى الوفاة معلوماً أو معيناً من بينهم أو غير معلوم، فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن يكون غير مقبول، هذا فضلاً عما هو مقرر من أن الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضي في الواقع أكثر من تقابل إرادة كل من المساهمين ولا يشترط لتوافره مضي وقت معين، ومن الجائز عقلاً وقانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بين المساهمين هو الغاية النهائية من الجريمة.
أي أن يكون كل منهم قصد قصد الآخر في إيقاع الجريمة المعنية وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة، وأنه يكفي في صحيح القانون لاعتبار الشخص فاعلاً أصلياً في الجريمة التي يساهم فيها بفعل من الأفعال المكونة لها، وكان ما أورده الحكم رداً على الدفع بعدم توافر سبق الإصرار وانتفاء الاتفاق بين المتهمين وفي بيان واقعة الدعوى وما ساقه من أدلة الثبوت فيها كافياً بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على ارتكاب الجريمة، وكان ما انتهى إليه الحكم في كل ذلك سديداً في القانون ، ومن ثم فإن منعاهم في هذا الصدد يكون غير سديد – الكلام لـ«الأمير».
(الطعن رقم 12754 لسنة 82 جلسة 2014/04/02 س 65 )
وهذا القضاء فيه إطلاق معيب لأنه ولئن كان الأصل أن توافر الاتفاق بين الجناه علي ارتكاب الجريمة قد يستخلص منه سبق الإصرار لأنه يعني مضى فترة من الزمن بين التصميم علي الجريمة وبين اقترافها سواء طالت هذه المده أو قصرت إلا أن هذا الأصل غير مطرد إذ قد يكون الجناه المتفقين علي القتل في خلال هذه الفترة في حالة من التوتر والانفعال بما لا يسمح معه بتوافر العنصر النفس لسبق الإصرار وهو الهدوء والرويه بين التفكير في الجريمة وارتكابها بالفعل. بل إن هذا الإتفاق قد يكون فجأة سابقا علي تنفيذ القتل بلحظات فلا يتوافر أيضا العنصر الزمني لسبق الإصرار.
وقد خلطت محكمة النقض بين الاتفاق على الجريمة ويعني إيجاب من أحد أطراف الجريمة وقبول من الطرف الآخر عل ارتكابها وبين عناصر سبق الاصرار من عنصر زمني وآخر نفس إذ سبق الإصرار يقتض مرور مدة من الزمن بين التفكير في الجريمة وارتكابها يكون الجاني خلالها هاديء البال يقلب أمر الجريمه علي كافه جوانبه ثم يقدم علي ارتكابها في حين أنه لا تلازم بينهما إذ لا يوجد ما يمنع عقلا أو منطقا آن يتفق الجناه علي ارتكاب الجريمة وهم في ثورة غضب وانفعال أو فجأة.
والخلاصة – بحسب «الأمير» - أن ثبوت اتفاق الجناه علي القتل أو الضرب الذي افض إلي موت لا يتاتي منه مطلقا توافر سبق الإصرار ثم إن سبق الإصرار باجماع الفقه والقضاء من الظروف الشخصية التي تقوم بالفاعل ويترتب عليها تشديد العقوبة ولا يسري علي بقية الفاعلين إلا إذا توافر لديهم وعند الإتفاق على الجريمة قد يتوافر لدي بعضهم دون البعض فلا يصح افتراض سبق الاصرار من واقع الاتفاق.
تعريف سبق الاصرار:
مفهوم سبق الإصرار هو ظرف يتطلب عنصر نفسى، وأثر سبق الإصرار فى العقوبة هو ظرف ذو طبيعة شخصية لا يمتد إلى الشركاء، ومفهوم سبق الترصد هو ظرف يتطلب عنصر مكانى، وأثر سبق الترصد فى العقوبة هو ظرف ذو طبيعة موضوعية ويمتد إلى الشركاء.
تعريف الترصد:
الترصد أن تترصد بالمجنى عليه حتى تتم الجريمة جريمة «القتل العمد» مع سبق الإصرار والترصد عرفت لأول مرة عام 1963 فى محاكمة مارك ريتشاردسون، الذى أدين بقتل زوجته سيندى كليف، ريتشاردسون خطط لقتل زوجته لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من الوقت الذى تزوجا فيه وقد أدين بالقتل العمد وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
سبق الإصرار فى جريمة القتل العمد:
القتل العمد المشدد هو تلك الجريمة التى يقرر لها القانون عقوبة أشد من تلك التى قررها للقتل العمد البسيط نتيجة اقترانه بظروف مشددة، والظروف المشددة هى عناصر أو وقائع تلحق بالفعل الإجرامى وتكشف عن خطورة زائدة لفاعلها وتستتبع توقيع جزاء رادع يلائم تلك الظروف.
أولا: سبق الإصرار
ويعرف سبق الإصرار بأنه: «القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحة أو جناية ويكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين وجده أو صادفه، سواء كان ذلك القصد معلقا على حدوث أمر أو موقوفا على شرط»، ويعد سبق الإصرار وفق التعريف السابق أحد الظروف المشددة التى لو ارتبطت بسلوك إجرامى معين يكون الغرض منه قتل شخص ما أصبحنا أمام جريمة قتل عمدى مشدد ويقتضى ذلك رفع العقوبة إلى الإعدام، إذ إن التشديد هنا يرجع إلى الخطورة المتزايدة للجانى وعزمه وتصميمه وتخطيطه لارتكاب الجريمة.
ويتحقق سبق الإصرار بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدا عن ثورة الانفعال مما يقتضى الهدوء والروية قبل ارتكابها علاوة على أنه يعد فى حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة، بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها قاضى الموضوع من الوقائع والظروف المحيطة.
ويقوم سبق الإصرار على عنصرين أولهما نفسى والثانى زمنى:
1- العنصر النفسى
يعتبر العنصر النفسى هو جوهر سبق الإصرار ويعنى أن الجانى قد فكر فى الجريمة المقدم عليها تفكيرا هادئا متزنا ورتب وسائله وتدبر عواقبه أى أنه يقدم على الجريمة بعد دراسة هادئة رزينة وبعد أن تكون قد زالت ثورة الغضب من نفسه، وقد ذهب البعض إلى أنه يشترط لسبق الإصرار أن يكون الجانى فى حالة يتسنى له فيها التفكير فى عمله والتصميم عليه، فلا وجود له إذا كان الجانى لا يزال تحت تأثير عامل الغضب الذى يمنعه من التفكير وهو هادئ البال، كذلك ذهب إلى أن «سبق الإصرار يستلزم أن يكون الجانى قد أتم تفكيره وعزمه فى هدوء يسمح بترديد الفكر بين الإقدام والإحجام وترجيح أحدهما على الآخر».
2- العنصر الزمنى
يرتبط العنصر النفسى المشار إلية آنفا بعنصر آخر لازما لإتمام سبق الإصرار ألا وهو العنصر الزمنى وهو يعنى مرور فترة زمنية قد تطول أو تقصر بحسب الأحوال بين التفكير فى القتل وبين تنفيذه، وتقدير توافر العنصر الزمنى وطول أو قصر مدته يعد من الأمور التقديرية التى تخضع لتقدير المحكمة، ويتحقق سبق الإصرار حتى لو كان موقوفا على أمر أو معلق على شرط ومثال ذلك إصرار الجانى على قتل عدوه إذا عاد للتعرض إليه أو لذويه مرة أخرى أو أن يصمم أحد المرشحين فى الانتخابات على قتل خصمه إذا انتصر عليه فى الانتخابات.
ويتحقق سبق الإصرار ولو حصل خطأ فى شخصية المجنى عليه أو بسبب الحيدة عن الهدف، ويتحقق أيضا سواء كان القصد محدودا أو غير محدود، وجدير بالذكر أن الطبيعة القانونية لسبق الإصرار تعتبره من الظروف الشخصية التى ترتبط بالقصد الجنائى والتى يقتصر أثرها على شخص من توافرت لديه إذ إنها ترجع إلى نفسية الجانى، لذلك فإن المساهمين الأصليين أو التابعين لا يضارون بتوافر سبق الإصرار لدى الجانى وإن كان توافر سبق الإصرار لدى أحد المساهمين فى الجريمة يعد قرينة قوية فى الغالب على توافره لدى الباقين، ويخضع تقدير ذلك لقاضى الموضوع ولظروف وملابسات كل واقعة على حدة، وبتوافر سبق الإصرار بعنصرية ترفع العقوبة إلى الإعدام، ويخضع البحث فى وجوده أو عدم وجوده أو استظهاره لقاضى الموضوع إذ إنه من الأمور النفسية التى لا يجدى فيها الاستناد إلى شهادة الشهود.