من نفر تراحيل لـ«حكاي» مصر الأول.. خلطة نجاح أديب المهمشين خيري شلبي (صور)
الخميس، 31 يناير 2019 04:00 مكتبت منة خالد
يعشق الكتابة عنهم فقط من تأثّر بهم.. كنوز مصر الأدبية التي طالما تحدثنا عنها نُخلّد أسمائها، وفي ذكرى عَطِرة أنجبت إلى عالم الكتابة والأدب شخصًا معروفًا بكتاباته المُبدعة، أنه الراحل "خيري شلبي" الذي لقبه الكثيرون بـ"أديب المُهمشين"، لاهتمامه بالكتابة عن المجتمعات المهمشة داخل المجتمع الكبير.
كان "شلبي" أول من جعل الكُمسري، والقهوجي، والجزمجي، والنجار، والحداد، أبطالا للأعمال الأدبية والدرامية، كما حكى أيضًا عن سُكان المقابر والبلطجية.
وكما اهتم "محفوظ" بالحارة والزقاق، اهتم "شلبي" بتيمة العامل الكادح، تأثرًا بالرحلة التي طَوَت أيامها معاناة "الحاجة" وأنبتت داخله حب الانتماء لهذه الطبقة، ففي صغره وبعد مرحلة الابتدائية إلتحق بمعهد المُعلمين في دمنهور، وكان يعيش ظروف مادية بالغة الصعوبة، حتى أن والده كان يكمل مصاريف دقيق العيش بـ"طلوع الروح" كما وصف هو عن حالته وقتها.
محفوظ
عمله في التراحيل
عُرف "شلبي" بأنه عم "الحكّايين"، فهو أفضل من حكى ببساطة عن عُمق وشخصية المواطن البسيط، إذ عمل في فترة من فترات حياته عامل تراحيل عايشَهم وتأثّر بهم، وبسبب ضيق المعيشة وعدم مقدرة والده على مصاريفه وشقيقته "خيرية"، قرر هو والشقيقة الكبرى العمل مع عمال التراحيل، وعملا في تنقية القطن في حقول الوسية، وكان والده يدّخر أجره في تنقية القطن لينفق على دراسته، وكان هو الشخص الوحيد الذي كان بحوزته "أقلام وكراريس" وهو ما صوّره في أحد رواياته "السنيورة" و"الأوباش".
الحكواتى
في أحد المرات التي حكى فيها خيري شلبي عن نفسه، وصف تأثره بعمال التراحيل وأثرهم عليه فنيًا وككاتب، وقال شلبي في أحد كتاباته: "عن طريقهم تشرّبت الفولكلور المصري عبر الأغاني والمواويل والحكايات والأمثال والألعاب التي تشبه المسرح، تعلمت الصبر والحكمة، وعرفتُ أن القيمة الأخلاقية هي سيدة الموقف في التراث المصري، وأيقنت أن القيمة هي الفن والفن هو القيمة على وجه التحديد.. لقد تعلمت من هؤلاء الأنفار ما لم أتعلمه من بطون الكتب والمراجع تعلمت منهم الفلكلور واللغة الحقيقية المعبرة عن القاع الاجتماعي".
كانت تجربة ثرية جدًا غيرت مجرى حياته، وفتحت أمامه آفاق جديدة إذ أن العمال والأنفار معظمهم لا يقرأون ولا يكتبون، فكان هو من يقوم بكتابة الخطابات لهم والحكي لهم، ومن هذه اللحظة أدرك "شلبي" أن الحكي أداة قوية وسحرية للتواصل مع البشر والوصول إلى عقولهم وقلوبهم.
خلطة نجاح شلبي وظروفه القاهرة في العاصمة
كان شلبي مُحب للبوح عما بداخله وما مر به منذ طفولته فهو لم يبخل على قلمه بشىء وكان يرى أن هذه ميزة جعلته راوي جيد، فهو يرى أن كاتب الأرياف يبوح أكثر من كاتب المدينة "الحويط والممسك" كما وصف هو.
وعن انتقاله إلى القاهرة يقول: "دخلت القاهرة من باب الخدم، بمعنى أنني لم أكن أجرؤ على اقتحام الأماكن البراقة، كنت أجد الأنس والمودة في الحواري والمقاهي الشعبية، حيث أجد أناسا يشبهونني، ولا يملكون نقوداً مثلي.. أتعاطف معهم ويتعاطفون معي، وكلما أتوغل في الحواري أكتشف نفسي وأهلي، أما إذا انتقلت للأماكن التي يرتادها الأفندية وذوو الياقات المنشاه فأشعر بالغربة".
ويضيف: "لأنني كنت بلا عمل ولا نقود, أغلقت في وجهي شقق الأصدقاء وأصبحت شريداً في شوارع القاهرة، أقضي الليلة في أحد الفنادق الفقيرة لو ملكت عشرة قروش ثمن السرير، اعتدت أن ألتقي عددا من الأصدقاء من بينهم أمل دنقل ومحمد جاد، ولأن القروش العشرة لا تتوافر بسهولة، فقد قضيت ما يقرب من عشر سنوات سائراً على قدميّ في شوارع القاهرة ليل نهار حتى أصبحت لغزاً في نظر الجميع، حتى كشف حقيقتي أمل دُنقل الذي كان يُقابلني في جميع المقاهي التي تسهر حتى الصبح، وأشاع بين المثقفين أنه رفيقي في رحلة البحث عن مكان للمبيت، وتغيّرت النظرة لي, حتى أصبحت أجد من يتعاطف معي ويدعوني للمبيت ليلة أو ليلتين".
لمن لا يعرفه.. أهم أعمال خيري شلبي
من أشهر روايات شلبي المميزة "السنيورة، والأوباش، والشطار، والوتد، والعراوى، وفرعان من الصبار، وموال البيات والنوم، ثلاثية الأمالى (أولنا ولد - وثانينا الكومى - وثالثنا الورق)، وبغلة العرش، ولحس العتب، ومنامات عم أحمد السماك، وموت عباءة، وبطن البقرة، وصهاريج اللؤلؤ، ونعناع الجناين".
ومن مجموعاته القصصية: "صاحب السعادة اللص، والمنحنى الخطر، وسارق الفرح، وأسباب للكى بالنار، والدساس، وأشياء تخصنا، وقداس الشيخ رضوان".