كيف تسبب التحقيق دون إذن في براءة «جوهرجي ومهندس» من الإتجار فى العملة؟
الثلاثاء، 22 يناير 2019 09:00 ص
على ما يبدو أن للمرافعات «فن» يجب إتقانه جيداَ قبل الخوض فى مهنة المحاماة، يأتي من المهارة أولاَ فى كتابة دفوع القضية، كما هو الحال فى القضية المنظورة أمامنا التى تولى الدفاع فيها الخبير القانونى والمحامى بالنقض ميشيل إبراهيم حليم الذى حصل على حكم بالبراءة لـ«جوهرجى» و «مهندس» من تهمة الإتجار بالعملة.
المسألة هنا ليست حصول المحامى فى البراءة وفقط حيث أن هناك العديد من المحامين يحصلون على أحكام بالجملة بـ«البراءة» بينما فى هذه القضية يرجع الفضل الأول والأخير للدفوع التى إستند إليها المحامى «حليم» حيث قضت محكمه جنايات بني سويف الإقتصادية ببراة المهندس«م.ا»، وجوهرجي «ج. ر» من اتهامات الاتجار بالعملة خارج نطاق البنوك المعتمدة والقيام بعمل من أعمال البنوك دون ترخيص.
فى البداية، اسندت النيابة العامة الاتهامات علي سند ماجاء بمحضر الإجراءات المحرر بمعرفة المقدم أحمد الصاوي الضابط بمباحث الأموال العامة، أنه علي إثر معلومات من مصادره السرية بأن المتهم الأول صاحب محل «جواهرجي»، وشريكه يعملان بالاتجار في النقد الأجنبي، والإتهامات هى الاتجار بالعملة خارج نطاق البنوك المعتمدة والقيام بعمل من أعمال البنوك دون ترخيص.
وعلى الفور، أرسل لهم احدي مصادره لإستبيان الأمر واستبدال بعض العملات المصرية بالأجنبية، وبعد إتمام العملية بنجاح أشار إليه المصدر السري بإنهاء عملية الاستبدال والذي كان الأخير علي مقربه من محل المتهمين، فتوجه لإلقاء القبض علي المتهمين، فوجد المتهم الأول، ويعمل مهندس مدني يحوز العملات التالي ذكرها: «احدي عشر وثمانية واربعون دولار أمريكي - ثلاثة الالف ربعمائة وسبعون يورو - والفان وخمسمائة ريال سعودي -ومائتان وخمسون الف جنيها مصريا»، قرر أن المبالغ المضبوطة حصيلة التعامل بالنقد الأجنبي.
وفى تلك الأثناء، احالت نيابة الشؤوون المالية والتجارية المتهمين المهندس والجوهرجى لمحكمة جنايات بني سويف في الجناية المقيدة برقم 47 لسه 11 ق، على خلفية اتهامهما بالاتجار فى العملة خارج نطاق البنوك المعتمدة والقيام بعمل من أعمال البنوك دون ترخيص، الأمر الذى كان بمثابة الصدمة للمتهمين.
وهنا جاء دور المحامى ميشيل إبراهيم حليم والذي دفع خلال جلسات المحاكمة ببطلان تحقيقات النيابة العامة مع المتهمين كونها تمت قبل الإذن من البنك المركزي، طبقا لنص المادة 199 من قانون البنك المركزي، والتي تُعد بمثابه إحدي القيود الواردة علي النيابة العامة في تحريك الدعوي الجنائية والتي تُبطل اي إجراء من اجراءات التحقيق مع المتهمين إلا بعد صدور إذن من البنك المركزي.
لم يتوقف «حليم» عند هذا الدفع حيث دفع أيضاَ ببطلان اجراء القبض علي المتهمين لإنتفاء حالة التلبس، وقرر أن حالات التبلس أوردها المشرع علي سبيل الحصر وليست علي سبيل المثال، فلا يحوز القياس عليها أو التوسع بها، وأن ضابط الواقعة، قرر أنه لم يري المتهمين حال قيامهم باجراء استبدال العملة دليل ذلك أنه انتظر إشارة من مصدره السري بإتمام عملية الاستبدال بنجاح ثم توجه لإلقاء القبض علي المتهم الأول.
كما دفع «حليم» أن المتهم الثاني لم يكن متواجدا علي مسرح الواقعة وقت القبض، وانه تم الزج باسمه بعد قرار النيابة باجراء التحريات ثم ادخل اسمه كمتهم ثاني بناء علي تحريات مباحث الأموال العامة، والتي قرر الدفاع بطلانها كونها من اجراءات التحقيق التي اجرتها النيابة العامة دون إذن من البنك المركزي.
كما طالب المحامي ميشيل حليم محامي المتهمين بالإفصاح عن شخصية المصدر السري الذي قام باستبدال العملة مع المتهم الأول كونه أصبح امره مكشوفا لدي المتهمين فعلي حد قول ضابط الواقعة، انه فور تلقيه اشارة بإتمام عملية استبدال العملة بنجاح، قام فورا بالقاء القبض علي المتهم الأول وهذا يعني افتضاح أمر المصدر السري لدي المتهمين إن صح ما سطره وأن حجة اخفاء المصدر السري، والتي قررتها محكمة النقض هي احتمالية تكرار الإستعانة بالمصدر في مآموريات أخري كمعاون له في عمله.
وأن ضابط الواقعة غير ملزم بكشف مصادره، وهذا الأمر لا ينطبق في القضية المنظورة أمام المحكمة، لأن ضابط الواقعة هو من كشف مصدره بنفسه، عندما قرر أنه القي القبض علي المتهم فور اتمام عمليه الاستبدال، فأصبح من الضرورة كشف ذلك المصدر باعتباره شاهد اثبات لقيام المتهمين بالاتجار في النقد الاحنبي، واخفاؤه بمثابه انتفاء للركن المادي لجريمة الاتجار فى ماهية الجريمة في ركنها المادي تتشكل من: «بائع + مشتري + عملات مصرية واجنبية»، وبمجرد اخفاء شخص المشتري ينفي الركن المادي للجريمة.
كما دفع ميشيل حليم بخلو الأوراق عن قيمة المبالغ والعملات المستبدلة بمعرفة المصدر السري لضابط الواقعة والمتهمين والذي هو في الأصل أمر جوهري في تشكيل الركن المادي لجريمة الإتجار في النقد الاجنبي، كما دفع محامي المتهمين اخيرآ بعدم معقولية ماقرر ضابط الواقعة في محضره، انه أثناء توجهه لإلقاء القبض علي المتهم داخل حنوته الخاص لاحظ وجود العملات الأجنبية سالفه البيان علي التكييف الخاص بالمحل.
فرد «حليم» على هذا الأمر بأنه غير جائز عقلا ولا يستقيم مع منطقية الأمور ايداع مبالغ مالية تجاوز مليون ونص مصري فوق التكييف الخاص بالمحل بدلا عن الخزنه، كما أوضح انه وبعد إذن البنك المركزي كان قد تقدم بطلب للنيابة بتفريغ الكاميرات الخاصة بمحل الجواهري محل الضبط لإثبات تلفيق الواقعة، إلا أن النيابة قد رفضت الطلب المقدم من دفاع المتهمين، وقررت المحكمة بعد سماع المرافعة حجز القضية للحكم ثم قضت ببراءة المتهمين من التهم المنسوبة اليهما.