واشنطن بوست وديرشبيجل.. خبطتين فى الرأس توجع
الخميس، 27 ديسمبر 2018 09:00 ص
الأسبوع الأخير من ديسمبر، هو الأسوء على الصحافة الغربية، فقد تلقت كبرى الصحف هناك ضربات متتالية، نالت من مصداقيتها، وأعادت إلى الأذهان كل القصص والحكايات التى صاغتها هذه الصحافة عن منطقتنا، وتعاملها معنا بأعتبارهم منابر الحرية والمهنية، رغم أنهم فى الأصل يغوصون فى مستنقع ملئ بالفساد، والكذب والتضليل.
هذا ليس رأيى، لكنها الحقيقة التى كشفتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، ومجلة "ديرشبيجل" الألمانية، فالأولى قالت فى تقرير لها أنها توصلت لمعلومات مفادها أن الصحفى السعودى، الذى لقى حتفه قبل شهرين داخل القنصلية السعودية بأنقرة، والذى خصصت له الصحيفة مقالاً أسبوعياً، كان واجهة صحفية لجهات قطرية كانت تقترح عليه المقالات التى يكتبها للصحيفة الأمريكية، بل فى أحياناً كثيرة كانت ترسل له هذه المؤسسة مقالات مكتوبة ليعيد إرسالها إلى واشنطن بوست" على أنه هو الذى تولى كتابتها.
وقالت واشنطن بوست فى تقريرها أنها أكتشفت أرتباط خاشقجى بمنظمة ممولة من قبل قطر، والتي وصفها التقرير بـ"عدو المملكة العربية السعودية الإقليمي"، وأنّ "الرسائل النصية بين خاشقجي والمدير التنفيذي في مؤسسة قطر الدولية تظهر أن ماجي ميتشل سالم قامت في بعض الأحيان باقتراح وصياغة المقالات التي حررها جمال لصحيفة واشنطن بوست"، وماجي ميتشل ناشطة ودبلوماسية أمريكية سابقة، تقول إنها صديقة لخاشقجي منذ 12 عاما، لكن الـ"واشنطن بوست" تؤكد أنها حاولت دفع الصحفي المقتول لإظهار تشدّد أكثر في مواقفه تجاه السعودية، وأنها لم تقترح فقط المواضيع وصياغة المقالات لخاشقجي، بل إن منظمتها وفّرت للصحفي مترجما بالإنجليزية وباحثا.
من "واشنطن بوست" إلى "ديرشبيجل"، التى تعيش أسوأ فتراتها، بعد إعلانها عن أكبر فضيحة تواجهها، ملخصها أن كلاس ريلوتيوس، مراسلها السابق، والحائز على عدة جوائز صحفية، اختلق عدة قصص وطلب من قرائه أن يقدموا تبرعات لأطفال من سوريا التي تعيش حربا، ثم استولى على التبرعات، مع الإشارة إلى أنه اختلق مقابلات وحقائق في 14 تقريرا صحفيا على الأقل تم نشرهم على صفحات "ديرشبيجل:، وفى محاولة لتبرئة نفسها، قالت المجلة الألمانية أن ما حدث هو "أسوأ ما قد يحدث مع مطبوعة"، متعهّدة "بذل كل ما يمكن لاستعادة صدقيتها"، ومقرّة بالضرر الذي تحدثه قضية كهذه على الثقة بها وبالإعلام بشكل عام.
نعم أمتلكت واشنطن بوست وديرشبيجل جرآة الأعتراف بالخطأ، لكن من قال أن هذا هو بيت القصيد، فالقضية لا تتعلق بأن يخرجوا لإعلان أنهم تعرضوا لعملية خداع، وإنما كان عليهما خاصة "واشنطن بوست" أن يعلنا أعتذارهما عن سياستهما التحريرية المعادية لنا، فواقعة جمال خاشقجى تؤكد مدى التغلغل الذى تمارسه إمارة مثل قطر بما تملكه من أموال، للتأثير على السياسة التحريرية لعدد من الصحف، سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر مثلما فعلت مع خاشقجى.
ما حدث فى الصحيفة الأمريكية والمجلة الألمانية يؤكد للجميع أن أسطورة "مهنية" الصحافة الغربية، سقطت ولم تعد المهنية هى المعيار، بل هناك معايير أخرى تخضع لها هذه النوعية من الصحافة، أهمها المصالح المالية والسياسية، التى تحدد السياسة التحريرية.