مليشيات اقتصادية ومسلحة.. رحلة أردوغان في جمع ملياديرات المال الحرام
الإثنين، 24 ديسمبر 2018 04:00 ص
صنع رجب إردوغان ميليشيا اقتصادية عبر عشرات الأثرياء، من باب النهب المنظم تحت طوال سنوات حكمه الستة عشرة، بهدف استخدامهم في مخططاته داخل تركيا لبسط نفوذه، وخارجها لنشر الفوضى والخراب.
تكشف مسيرة حزب العدالة والتنمية منذ إنشائه وتوليه السلطة عام 2002 عن تغليب المصالح الحزبية والشخصية الضيقة دائما، حيث انخفض الدخل القومي إلى نحو 187 مليار دولار في الوقت الحالي بعدما كان 236 مليار دولار في الربع الثالث من 2017، نتيجة سياسات إردوغان الفاشلة، وقرارات فرض المحسوبية والاحتكار، فيما شهدت البلاد ارتفاع عدد المليارديرات من 25 إلى 36، كلهم يرتبط بعلاقة قوية بالحزب الحاكم وسكان القصر الأبيض.
نجح الحزب الحاكم في تركيز ثروة البلاد في المقربين منه، وحسب مجلة فورين بوليسي يوجد في أنقرة 36 شخصية في خانة أصحاب المليارات، فيما لم يتجاوز هؤلاء 6 فقط بطول البلاد وعرضها، قبل صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة العام 2002، قبل أن يصنع إردوغان عددا كبيرا من الأثرياء عبر زواج غير شرعي بين السلطة والمال.
موقع سول إنترناشونال لاحظ ولع الحزب الحاكم في أنقرة حاليا بالثراء الشخصي لأعضائه، ويعلق على ذلك بقوله: "الثروات التي جناها استهدف منها بسط نفوذه داخل البلاد لضمان بقائه، فقد جعلته متحكما في الاقتصاد التركي وقوياً للغاية، ويمكن القول بكل وضوح إنه - فضلا عن المعاملات المشكوك فيها- صنع أزمة طبقية، بمراكمة الأموال في يد فئة قليلة، فيما يعاني أكثر الشعب من الفقر والبطالة".
الكاتب التركي أوجيور شين يقول إن عائلات عديدة كونت ثروات بكل سهولة بمساعدة حزب إردوغان، مثل مالكي شركة أل سي وايكيكي (سلسلة ملابس تضم أكثر من 684 متجرا في 32 دولة)، وسلسلة بيم التي تعد أكبر متاجر غذاء في تركيا، بالإضافة إلى ملاك شركة إيكزاكيباسي المتخصصة في الإنشاءات، إذ حصلوا على امتيازات من الحكومة مكنتهم من توسيع أعمالهم بدرجة غير مسبوقة.
يتابع الكاتب في مقال نشره الشهر الجاري: وضعت ثروة تركيا خلال الأعوام الماضية بين يدي بعض العائلات المقربة من "العدالة والتنمية"، عبر إرساء صفقات عليهم وتسهيل تعاملات لهم للاستثمار وجمع الثروات طوال أعوام حكم الحزب.
تقاسم كعكة الفساد
خلق الحزب الحاكم ثروته الخاصة، لضمان البقاء في الحكم أطول مدة ممكنة، وفق استراتيجية بنيت على تقاسم كعكة الفساد مع أكبر مجموعة شركات في البلاد هي "كوتش هولدينع".
وفقا لتقرير رصد أكبر 500 مؤسسة أعمال في تركيا، عن غرفة صناعة إسطنبول، تسيطر مجموعة كوتش على المراتب الخمس الأولى في التصنيف طوال الأعوام الأخيرة.
أبرز شركات المجموعة هي "كوتش جروب توبراتش، وفورد، وأرتشاليك، وتوفاش، وأي جاز"، وتمثل 19 % من إجمالي مبيعات المؤسسات الـ 500 الكبرى، و20 %من القطاع الخاص، وفي عام 2007 حصلت على 21% من إجمالي صادرات القطاع بمبيعات تقدر بـ 11.2 مليار دولار.
بدأت علاقة ملاك كوتش مع النظام الحالي بشكل متوتر عام 2002، بسبب ميول العائلة العلمانية، لكن مع الوقت وحدت المصالح المشتركة الطرفين، ما أنتج نوعا من الشراكة بينهما، ولم يكن غريبا أن يتقدم إردوغان صفوف التعزية عقب رحيل رئيس مجلس إدارة المجموعة مصطفى كوتش، في يناير 2016، إذ اتصل بوالده رحمي وشقيقه علي، للإعراب عن تعازيه، قائلا إن وفاته "أحزنته بشدة".
الكاتب ذو الفقار دوغان كتب في نوفمبر الماضي، بموقع أحوال، يقول إن إردوغان حوّل أنقرة إلى "شبكة مصالح تخدمه مع عائلته وحزبه عبر تقريب رجال الأعمال والمشاركة في تنمية ثرواتهم من أجل استخدامهم بعد ذلك في مخططاته الداخلية والخارجية".
يشير الكاتب إلى الزيادة السريعة في ثروة مجموعة توسيالي القابضة، حيث يرجع السبب إلى أن فؤاد توسيالي يعد صديق إردوغان المقرب، ويقيم رجل الأعمال الشهير الصفقات في الخارج والداخل، بحماية مباشرة من الرئيس.
كانت شركته عائلية صغيرة تأسست عام 1988، فيما توسعت في ظل حكم "العدالة والتنمية"، وفي عام 2008 أصبحت أكبر مؤسسة في البلاد مصنعة للصلب المسطح بقيمة استثمارات بلغت مليار دولار.
يضيف دوغان: "مع توسع عمليات الشركة في إفريقيا ودول منطقة البلقان برعاية حكومية، وإقامة مصانع جديدة في جمهورية الجبل الأسود والجزائر وإبرام شراكات مع مؤسسات يابانية؛ شقت توسيالي طريقها حتى أصبحت من كبرى الشركات عالمياً".
رضا ضراب اسم ذاع صيته مارس 2017، رجل أعمال تركي يتاجر في الذهب بشكل واسع ويجني المليارات، قبل أن يتم القبض عليه في ولاية ميامي الأميركية قبل عامين، حيث يحاكم في قضايا فساد عابرة للقارات، اعترف بسبع منها، بينها التهرب الضريبي وتقديم الرشاوى وغيرها.
خلال محاكمته العام الماضي اعترف ضراب - الموقوف حاليا بمعرفة مكتب التحقيقات الفيدرالي - في محكمة مانهاتن أمام عشرات الصحافيين، وبالتركية، بتورط إردوغان في المعاملات الفاسدة التي ارتكبها في أميركا.
الدبابة التركية "ألتاي" واحدة من الصفقات المشبوهة، كانت المناقصة من نصيب شركة بي إن سي في 2018، رغم أن 5 شركات تقدمت للمنافسة وأكثرها قدمت عروضا أفضل من الفائزة، وقالت وسائل إعلام إن مؤسسة أوتوكار الهولندية الأولى بالصفقة خاصة أنها صممت النموذج الأول للدبابة.
أدهم صانجاك، صديق إردوغان، كلمة السر في فوز بي إم سي تركيا بالصفقة التي تقدر بأكثر من 20 مليار دولار، فالمؤسسة في الأصل شركة بريطانية افتتحت فرعا في أنقرة لإنتاج الأتوبيسات وسيارات النقل التجارية في 1989، لكن الرئيس أدخلها في قطاع التصنيع العسكري عام 2012 بعدما اشترتها شركة كوكروفا التي يمتلكها صانجاك.
بي إم سي يديرها حاليًا رجال إردوغان في الخفاء بالمشاركة مع صانجاك، في حين تورطت في شبهات فساد، فضحتها وسائل الإعلام، تتعلق بصفقات سرية مع الجيش الإسرائيلي، تشتمل على تطوير أسلحة وأنظمة دفاع في تركيا، أشهرها صفقات تحسين 300 دبابة أميركية من طراز M60 بالتعاون مع تل أبيب، بقيمة 3 ملايين دولار للدبابة الواحدة.
مالطا وهولندا وولاية ديلاوير بالولايات المتحدة.. مناطق تشهد على رعاية النظام التركي للأثرياء وجني الثروات عبر التهرب الضريبي، حيث تعد مقصدًا للفاسدين لأن أنظمتها المصرفية تتمتع بقوانين تحافظ على سرية حسابات عملائها الأجانب وتساعدهم على التهرب من دفع الضرائب في بلادهم الأصلية.
وصفت وثائق مسربة هذه البلدان بأنها بمثابة "جنة الضرائب" لإردوغان وحاشيته، حيث كشف موقع ويكيليكس عام 2017 أن قيادات في حزب العدالة والتنمية متورطون في تهريب مليارات الدولارات خارج تركيا، عن طريق فتح حسابات في الملاذات الضريبية الآمنة، وبين الأسماء أبناء رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم وغيرهم.
شبكة العدالة الضريبية -مؤسسة بريطانية غير حكومية- قالت في تقرير عام 2012 إن عدداً من الأثرياء في تركيا أقدموا على تهريب ما يعادل 158 مليار دولار خارج البلاد، تهربا من سداد الضرائب، وأشياء أخرى.
حماية إردوغان لـ "المهربين" كشفت عن شراكة خفية من تعتبرهم القوانين مجرمين دوليين، فيما تجاهلت أنقرة مطالبة سويسرا بقائمة حسابات هؤلاء السرية في بنوكها، على الرغم من وجود اتفاقية لتبادل المعلومات بين البلدين منذ 2012، وتردد أسماؤهم كثيرا على مكاتب الادعاء العام في تركيا وخارجها.
زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليتشدار أوغلو قال في تدوينة على حسابه في تويتر، أغسطس الماضي، إن قانونا صدر عام 2006 بشأن فرض ضرائب على الأموال المهربة، على الرغم من مرور 12 عاماً على صدوره إلا أن حكومة إردوغان لم تعمل على تفعيله.
كليتشيدار لفت النظر إلى أمر آخر، فعلى الرغم من أن تركيا طرف في الاتفاقيات، التي وقعتها إدارة أوباما على هامش قمة العشرين للحد من التهرب الضريبي وتهريب الأموال، لا تزال تصر على تجنب الاستفادة من هذه البنود.
لم يمنع إردوغان عائلته وأبناءه من المشاركة في صفقاته المليونية، ونشر حزب الشعب الجمهوري وثائق عن شركات في جزيرة مان البريطانية - إحدى المناطق المعروف بـ "جنة الضرائب" - تخص نجله بلالا وعدداً من رجال الأعمال المقربين من الرئاسة.
الوثائق فضحت تحويلا بقيمة 2.5 مليون دولار، بتاريخ 15 ديسمبر 2011، أجراه زيا إلغين زوج ابنة إردوغان، وآخر في اليوم نفسه بنحو 3 ملايين، أجراه مصطفى إردوغان شقيق الرئيس نفسه، وبعدها بتسعة أيام أجرى إلغين تحويلا جديدا بقيمة 1.25 مليون دولار، وفي اليوم نفسه أجرى الشقيق تحويلا بالقيمة نفسها.
وفي 27 ديسمبر 2011 حول زوج شقيقة إردوغان عثمان كتنجي 1.25 مليون دولار، وأجرى شقيقه مصطفى عملية أخرى بقيمة 250 ألف دولار، بالإضافة إلى تحويلات كثيرة من آخرين، منهم كتنجي ومدير مكتب إردوغان السابق ونجله أحمد.
صحيفة جمهورييت تداولت بعض معلومات الوثائق وقالت إن نجلي بن علي يلدريم (أرقم وبولنت) يمتلكان 5 شركات ويهربان أموالهما إلى ملاذ ضريبي في مالطا، فيما اشتعل الغضب للمطالبة بالتحقيق في رفض البرلمان -بعد تصويت العدالة والتنمية- مقترحًا قدمه حزب الشعوب الديموقراطي الكردي المعارض بالتحقيق.
استهدف إردوغان من صناعة الأثرياء، والتربح العائلي، تقوية شوكة حزبه العدالة والتنمية في الداخل، واكتساح الحملات الانتخابية بشراء الأصوات الفقيرة، إلى جانب تمويل مخططات نشر الإرهاب، وهو ما كشفته عملية ضبط السفينة أندرو ميدا في المياه اليونانية سبتمبر 2015.
السفينة التركية كانت تنقل حاويتين لنحو 5 آلاف قطعة سلاح ونصف المليون طلقة ذخيرة إلى الإرهابيين في ليبيا، تبين أنها تعود إلى تاجر أسلحة يدعى لطيف ارال آليس المعروف بقربه من إردوغان.
السلطات الليبية قالت إنها توصلت إلى رسائل إلكترونية وجهها صهر إردوغان وزير المالية بيرات آلبيراق، تثبت أن أنقرة استخدمت إحدى شركات الشحن البحري المملوكة لرجل الأعمال التركي مؤمن شاهين في نقل الأسلحة، لتصل إلى أيدي ميليشيات إردوغان التي تنشر الفوضى في بلاد العرب.