العملية الشاملة «سيناء 2018».. كواليس 300 يوم فرضوا الأمن في شوارع العريش
الإثنين، 17 ديسمبر 2018 02:00 ص
«ضباط وأطباء وعلماء فلك وكيمياء».. هذه هى أبرز أمانى طلاب العريش فى المستقبل، مثل أقرأنهم فى أى محافظة أخرى، ولكن أحلام وأمانى طلاب العريش تختلف عن باقى الطلاب، لأنها خرجت من رحم المِحن والظروف الخاصة التى تمر بها شمال سيناء، لتعطى رسالة قوية إلى الإرهاب الغاشم بأن الحياة تسير طبيعية، رغم كل الظروف، ورسالة قوية بأن هذا البلد ما زال فيه جيل يأبى ويرفض أفعالهم الإجرامية، كما يأبى إلا أن يكمل مسيرته التعليمية فى سبيل النهوض بهذه البلد.
أكثر من 300 يوم مضت على بدء العملية الشاملة سيناء 2018، التى أطلقتها القوات المسلحة يوم 9 فبراير الماضى، لتطهير شمال سيناء بالكامل من الجماعات الإرهابية والتكفيرية، فى سبيل استعادة روح الأمن والأمان إلى الشارع السينأوى.. «صوت الأمة» أجرت جولة ميدانية فى مدينة العريش إحدى أهم مدن محافظة شمال سيناء، تجولنا خلالها داخل الشوارع والأسواق لرصد آثار العملية الشاملة 2018، ومدى نجاحها فى استعادة الأمان والحياة إلى طبيعتها فى الشارع السينأوى.
تجولنا فى البداية داخل السوق الرئيسى فى مدينة العريش الذى يقع فى قلب المدينة، حيث تنتظم حركة البيع والشراء، استقبلتنا إحدى البائعات بهتافات «تحيا مصر»، وأكدت أن الأوضاع الآن فى المدينة أفضل بكثير عما كانت قبل عام مضى، غير أنها تتمنى من المسئولين أن تضغط على تجار الجملة لتخفيض الأسعار، أيدتها فى الرأى «أم أحمد»، بائعة خضرأوات، التى التقطت طرف الحديث، لتؤكد أنها فى الأساس من محافظة الدقهلية، ولكنها تزوجت أحد أبناء العريش قبل 40 عاما وتستقر معه فى المدينة، قائلة: «العريش أحلى بلد فى مصر».
بائعة أخرى التقطت طرف الحديث بقولها: «إحنا مش بنخاف إلا من ربنا ومش بيهمنا الإرهاب»، مشيرة إلى أن حركة البيع والشراء داخل مدينة العريش تسير بشكل طبيعى، وهو ما أكدته إحدى السيدات أثناء شرائها مستلزمات منزلها قائلة: «كل يوم ننزل إلى السوق ونشترى مستلزماتنا بدون أى مشاكل والشوارع عادت آمنة مثلما كانت».
كما قال محمود معوض، بائع فاكهة وخضرأوات، «إن النيل الذى يشرب منه يجب أن يعود مرة أخرى إلى مصر، وأنا أقول الذى يعيش فى سيناء يوما وأحدا فقط لن يتركها ثانية»، فيما قال «أبوسيف» بائع أسماك: «أتسوق الأسماك من خير بلدنا من بحيرة البردويل، والوضع الآن أفضل مليون مرة وليس مرة وأحدة فقط»، أيده أحمد سليم، بائع أسماك أيضا، قائلاً: «قبل أكثر من 8 أشهر لم نكن نفتح محلاتنا ولم نكن نستطع تسوق مستلزمات منازلنا، ولكن الوضع الآن تحسن بنسبة أكثر من %70».
فيما يوضح أحد المارة بالسوق، ويدعى أحمد أبوزياد، أنه فلسطينى الجنسية، ويقيم فى مدينة العريش منذ أكثر من 40 عامًا، ورغم كل الظروف التى مر بها فى ألفترة الأخيرة إلا أنه رفض تركها، قائلا:« هى من أفضل البلاد التى يمكن أن تعيش فيها، كما أنه خلال ألفترة القصيرة الأخيرة بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها».
والتقطت الحديث إحدى السيدات، قائلة: «لم نستطع أن نسير فى الشوارع بأمان، ولكننا الآن نشعر بأن الأمان قد عاد من جديد فى ظل وجود رجال الأمن من الجيش والشرطة».
إلى جوار السوق تقع محطة تموين وقود، التقينا عددا من المواطنين أثناء ملء سياراتهم بالوقود، الذين أكدوا عودة توافر الوقود بنسب جيدة، بالإضافة إلى قيام المحافظة بتحديد أيام لتمويل السيارات، وفقا لنوع السيارة تجنبا لتكدس السيارات داخل محطات الوقود.
التنمية أساس الأمن
رافقنا خلال الجولة اللواء محمد عبدألفضيل شوشة، محافظ شمال سيناء سابقا، الذى أكد على عودة الروح إلى الشارع السينأوى، بفضل جهود القوات المسلحة والشرطة والأهإلى معًا، مشيرًا إلى إحياء المحافظة قبل أيام لذكرى شهداء حادث الروضة الإرهابى، قائلاً: «تعمدنا أن تكون إحياء ذكرى بالتنمية، وهو مبدأ رئيسى بناء على توجيهات الرئيس بأن تكون التنمية أساس الأمن».
وأكد اللواء محمد شوشة، الذى كان محافظًا لشمال سيناء فى ألفترة منذ عام 2008 حتى 2010، أن هناك فرقا بين ولايته للمحافظة فى هذه ألفترة وألفترة الحالية، حيث لامس فى هذه المرة وجود رغبة لدى الأهإلى فى قبول الآخرين والإصرار على التنمية.
وأكد شوشة أن سيناء بها ثروات معدنية ذو قيمة اقتصادية تكفى استثمار أكثر من 100 عام، بداية هذا المشروع التعدينى سيكون فى مصنع الرخام بوسط سيناء، الذى سيبدأ إنتاجه خلال أيام، والمبدأ الرئيسى لنا فى مجال التعدين هو عدم خروج أى مواد خام دون إجراء قيمة مضافة حتى ولو بنسبة %50، ليخرج المنتج على الاستخدام مباشرة أو التصدير.
وتابع شوشة: «ما نهتم به الآن هو التنمية المجتمعية، ونركز على التعليم والصحة، والقيادة السياسية أكدت على أن المدارس والجامعة تفتح أبوابها فى نفس التوقيت مع جميع المحافظات، وفى مجال التأمين الصحى يوجد لدينا مستشفى العريش العام، بالإضافة إلى المستشفى العسكرى و4 مستشفيات مركزية بواقع مستشفى فى كل مدينة عدا «الحسنة ونخل» بها مستشفى وأحدة، كما أن هناك بروتوكول تعأون مع جامعات الأزهر والقاهرة والزقازيق، بمقتضاه يوجد فى محافظة شمال سيناء 14 أستإذا جامعيا أسبوعيا من التخصصات المختلفة، لرفع المستوى الطبى، حيث لا نخرج أى حالة إلى خارج المحافظة».
وأوضح محافظ شمال سيناء، أن المحور الرئيسى للتنمية هو تنمية المجتمع، لذلك يجرى تنفيذ مشروع التنمية المتكاملة، وفيه سيتم عمل تجمعات بدوية، حيث يأخذ كل فرد منزلا و10 أفدنة مجهزة بالكامل، و6 خلايا نحل وصوبا زراعية، مشيرًا إلى أن الخطة تشمل جذب أهإلى الوادى والدلتا، حيث نطمح فى أن يأتى إلى هنا من 2 إلى 3 ملايين فرد، وسيتم تخصيص %40 من هذه التجمعات لأهإلى الوادى والدلتا و%30 لبدو سيناء ككل و%30 للأهإلى المقيمين فى المنطقة التى سيقام عليها المشروع، مشيرًا إلى أن السعى لجذب أهإلى الوادى والدلتا الغرض منه دمج ثقافتهم الزراعية مع أهإلى سيناء، لتكرار تجربة سهل الطينة، وسيتم الإعلان عن هذه التجمعات خلال 4 أشهر.
وحول خطة الاستثمار، أحد المحأور الرئيسية فى الاستثمار هى الصناعة والتعدين، حيث صدر قرار جمهورى بإنشاء منطقتين صناعيتين، وخاطبنا رئيس الوزراء بأن تعامل المنطقة الصناعية فى بئر العبد، مثل المناطق فى الصعيد لجذب الاستثمار.
عمارات الإسكان الاجتماعى تستعد لاستقبال الأهإلى
مازلنا فى العريش والآن من أمام أحد مشاريع الإسكان الاجتماعى، وهو مشروع عمارات العبور، الذى يضم 18 عمارة بواقع 360 وحدة، حيث قال محافظ شمال سيناء: إن الاستثمارات فى الإسكان الاجتماعى بشمال سيناء بلغت 450 مليون جنيه، مشيرًا إلى أن الوحدات السكنية أسعارها مثل باقى الوحدات فى محافظات مصر، ولكن المحافظة استأجرت العمارات من وزارة الإسكان لمنحها للنازحين من رفح أو الشيخ زويد، إلى أن يتم تعمير منازلهم، حيث يتحمل المواطن 100 جنيه فقط شهريا والباقى تتحمله المحافظة، مؤكدا أن باقى أهإلى شمال سيناء سيتم تخصيص وحدات سكنية لهم فى مناطق أخرى مثل حى السبيل، التى تضم الآن 50 عمارة بواقع 1200 وحدة جاهزة للتسليم، والجزء الثانى 900 وحدة تحت التشطيب.
وإلى جوار مشروع عمارات العبور يقع مصنع الوجبات المدرسية «المركز المتطور للتنمية والتغذية المدرسية الآمنة والتدريب»، الذى ينتج الوجبة المدرسية للطلاب على مستوى المحافظة، وقال المهندس محمد موسى عبدالكريم، مدير المصنع: إنه تم إنشاء المصنع عام 1998 وتم تطويره فى عام 2008، وتبلغ قوة المصنع 130 عاملا ينتج يوميًا حوإلى 100 ألف وجبة، صلاحية الوجبة الوأحدة 21 يومًا.
دورى أبطال المدارس بالقرية الأولمبية
انتقلنا إلى القرية الأولمبية بالعريش، التى كانت تشهد ختام دورى أبطال المدارس، والتى حضرها أولياء أمور الطلاب وعدد كبير من طلاب المدارس المختلفة، فى رسالة قوية تؤكد عودة الحياة إلى طبيعتها، وحرص المحافظ على إعطاء إشارة بدء ختام البطولة، كما حرص الطلاب والحضور على التقاط الصور التذكارية معه داخل الملعب وأمام القرية.
أحلام طلاب العريش
وفى مدرسة أحمد عرابى الابتدائية، إحدى مدارس العريش، كان اليوم الدراسى يسير بشكل طبيعى، وهو ما أكده محمد سعد، مدير المدرسة ونجلاء عبدالرازق وكيل المدرسة، فى تصريحات صحفية، مشيرين إلى أن المدرسة منتظمة، وبدأت دراستها مع باقى المحافظات، ولا يوجد عجز فى هيئة التدريس أو الكتب المدرسية.
وداخل حجرة الرسم والتدبير المنزلى بالمدرسة، التقينا سلمى أحمد، طالبة فى الصف الرابع الابتدائى، أثناء تعلمها فن التريكو، وأكدت أنها تحب المدرسة وتأتى يوميًا، وتتمنى أن تصبح طبيبة، فيما أكد الطالب عبدالرحمن محمد، بالصف الخامس الابتدائى، أنه يطمح فى أن يصبح عالما فى الكيمياء مثل العالم المصرى أحمد زويل، وتمنى زميله أحمد زأن يصبح عالم أيضًا، ولكن عالم فضاء، فيما أكد مصطفى وسالم أنهما يطمحان فى المستقبل أن يكونا ضابطين يحميان الوطن.
وفى الحجرة المخصصة لمكتبة المدرسة، رصدنا وجود مجموعة من الكتب التاريخية التى ترصد السير الذاتية لأبطال مصر على مر العصور مثل الزعيم أحمد عرابى، وألفريق عبدالمنعم رياض، واللواء أحمد حربى، بطل ملحمة كبارى العبور، وقالت نجلاء محمد أمين المكتبة: إن المدرسة تحرص على وجود مثل هذه الكتب، بالإضافة إلى عمل مطبوعات يدوية بسيطة لترسيخ روح الآنتماء لدى الطلاب وتعريفهم بتاريخ وأمجاد أجدادهم وأبطال مصر.
مشايخ سيناء ودعم الجيش والشرطة
اختتمنا جولتنا فى منطقة بئر العبد، حيث التقينا عددا من مشايخ القبائل، من بينهم الشيخ سالم العكش، رئيس مجلس محلى شمال سيناء السابق، الذى أكد دعم مشايخ القبائل لجهود القوات المسلحة والشرطة لاسيما العملية الشاملة سيناء 2018، وجهود الدولة بشكل عام فى دعم التنمية بشمال سيناء، مشيرًا إلى أن لمشايخ القبائل دورًا مهمًا فى مساعدة الدولة من خلال حل المشاكل الداخلية بالقضاء العرفى، موضحا: لنترك الشرطة والجيش ليكثفوا جهودهم للقضاء على الإرهاب.