فتاوى الميراث تطارد «الهلالي».. هل يعزل أستاذ الفقه المقارن من منصبه بجامعة الأزهر؟
الأحد، 16 ديسمبر 2018 02:00 م
ما بين الحين والأخر، يبرز اسم الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بين أسماء أصحاب الفتاوى المثيرة للجدل، خاصة بعد إطلاقه العديد من الفتاوى التى تعد مخالفة للنصوص الشرعية، ورفض الأزهر لتصريحات الهلالى مؤكدا أنها تعبر عن رأيه الشخصى. وعلى الرغم من ذلك إلا أن «الهلالي»، قدم قبل نحو 10 أيام طلب للظهور الإعلامي، وقد تم الموافقة على الطلب من قبل الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر.
قبلو ظهور أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، جعل «الهلالي»، أول من صرح له بالظهور الإعلامي، وهو ما يشكل حالة من التخبط في قرارات الأزهر، وفي طبيعة التعامل بين المؤسسات الدينية في التعاطى مع ملف الدعوة، والعمل المنفرد من كل طرف، كما أوضح بيان هيئة كبار العلماء مخالفته لرأي سعد الدين الهلالي في فتواه الأخيرة عن «الميراث» وتأكيده أنه مخالف للنصوص القرآنية، وإدانة البيان لرأى الهلالي.
فتوى «الميراث»، تثببت في لغط كبير، خلال الفترة الماضية، وهو ما دعى هاشم سعد المحامي والناشط الحقوقي، لإقامة دعوى أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، تطالب بصفة مستعجلة بعزل الدكتور سعد الدين الهلالي من جامعة الأزهر.
واختصمت الدعوى رقم (15525 لسنة 73 ق) رئيس جامعة الأزهر بصفته، وتضمنت عريضتها أن الهلالي طالب بمساواة المرأة بالرجل في الميراث وأيد القانون المزمع مناقشته في البرلمان التونسي، ما يعد مخالفة للثابت من الدين الحنيف، وما أجمع عليه علماء المسلمين، وهو ما أكده فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب من كلام قاطع وحاسم حول هذا الموضوع، وأن كلام فضيلته قد أنهى جدال حول هذه المسألة، فإذا بأحد أساتذة جامعة الأزهر يفاجئنا بجدله حول قضية مساواة المرأة بالرجل في الميراث، معتمدا على منهج متخبط ومترد استدلالا واستنباطا.
وأكد المدعي أن «الهلالي»، اعتاد ترديد مثل هذه الأقوال الشاذة إذ أنه صاحب مقولات منها أن البيرة حلال، والراقصة إذا ماتت وهى خارجة للعمل تعد شهيدة، والإسلام هو القرآن ولا وجود للشريعة، والخمر حلال مادام لم يسبب السكر أو يذهب بعقل الشارب، ويجوز شرعا الزواج من ابنه الزوجة بعد موتها أو طلاقها وأن شهادة لا إله إلا الله تكفى للإسلام دون الشهادة بنبوة محمد، وأجر عامل الخمر حلال وأجر محفظ القرآن حرام، إلى آخر هذا الكلام الشاذ.
وأشار الناشط الحقوقى، إلى أن الخوض بالباطل الذي يقوم به الهلالي من شأنه أن يستفز الجماهير المسلمة المتمسكة بدينها ويفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات، وفى هذا من الفساد ما لا يخفى على أحد.
وأوضح هاشم سعد أن قانون جامعة الأزهر ينص على: «يعاقب بالعزل عضو هيئة التدريس الذي يرتكب فعل يخل بشرف عضو هيئة التدريس، أو لا يتلاءم مع صفته كعالم مسلم، أو يتعارض مع حقائق الإسلام الثابتة أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو يمس نزاهت».
وأكد المدعي أن ما قام به سعد الدين الهلالي يتعارض مع الدور الذي أناطه القانون لجامعة الأزهر ويعد تحريضا على الجريمة المنصوص عليها في المادة (177) من قانون العقوبات، كما يخالف ما استقرت عليه المحكمة الدستورية العليا.
كان الأزهر الشريف، أوضح في بيان له أن منهج الأزهر القائم على الاجتهاد والتنوع وقبول الاختلاف، يعنى بداهة توقع وجود آراء خاطئة، لم يحسن أصحابها استخدام الأدوات المنهجية وفهم القواعد الكلية، وهذا الخطأ يصوبه النقاش العلمى الحر، وهو أمر مستقر وراسخ فى الأزهر منذ القِدم، دون أن يترتب على ذلك أى قدح فى كرامة صاحب الخطأ أو حريته.
وأشار البيان، إلى أن إقدام بعض أصحاب الاجتهادات والآراء الخاطئة على الظهور عبر وسائل الإعلام، وعدم الاكتفاء بطرح آرائهم فى قاعات العلم، هو ما دفع الأزهر وهيئاته لتوضيح تلك الأخطاء وتفنيدها، حتى لا يلتبس الأمر على غير المتخصصين وعلى العامة، وقد أناط الدستور والقانون بالأزهر ومؤسساته حق توضيح الأحكام الشرعية وبيانها، حتى يستبين للناس حكم الشرع الصحيح، وحتى لا يضطرب أمر المجتمع بسبب خلافات فقهية لا يدرك تفاصيلها إلا المتخصصون، الذين يناقشونها فى قاعات العلم والدرس وليس فى وسائل الإعلام.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد عقدت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أولى ندواتها العلمية برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يوم الاثنين الماضى، تحت عنوان «ملتقى هيئة كبار العلماء» لمناقشة أهم القضايا التى تهم المجتمع.
وتقرر عقد الملتقى بشكل دورى لمناقشة القضايا الفكرية المعاصرة فى حوار تفاعلى بين الحضور والمحاضرين، والإجابة فيه عن أسئلتهم وما يدور بأذهانهم لتوضيح أحكام الشريعة السمحة، وإخراج الناس -وبخاصة الشباب- من الحيرة التى توقعهم فيها الفتاوى غير المنضبطة التى يصدرها البعض.
وحاضر فى الندوة كوكبة من كبار العلماء، وهم الدكتور نصر فريد واصل، والدكتور على جمعة، والأستاذ الدكتور عبدالهادى زارع، بحضور نخبة من العلماء والمثقفين، والشباب.
وقال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، الذى أدار الندوة: «حينما تتحدث هيئة كبار العلماء فإن رأيها يكون فاصلا وحاسما، مشيرا إلى أن الأحكام الثابتة قليلة وهناك أمور فرعية تعددت فيها النصوص والآراء والذى يحسمها هو قطعية الدلالة أو ظنيتها، وبالتالى تقوم هيئة كبار العلماء بإيضاح ذلك.
وأضاف عباس شومان، أن هذه الجلسات ستنشر للجميع حتى يعم النفع العام لها، كما أن هذه الملتقيات ستكون بصفة دورية لمناقشة القضايا التى تحتاج لرأى الدين وخاصة القضايا التى تقلق الشباب والتى تتزايد الآراء فيها بسبب دخول غير المتخصصين مجال الفتوى وهم من غير المؤهلين وأضروا بالمجتمعات.
من جانبه أوضح الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، أن المشكلة فى التلقى الذى يحدث الفتن فى المجتمع هو الخروج عن الجماعة العلمية، وهو أمر مذموم، سواء كان فى علوم الطبيعة أو الشريعة، فالخروج عن الجماعة العلمية يسمى بالشذوذ وهو ما حذر منه الرسول «صلى الله عليه وسلم» وعلمنا كيف نتعامل معه حين قال: «إذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم»، فيصبح بدلا من أن يكون تجديدا يكون تبديدا وهدما فهاتان مصيبتان، مصيبة فى الدنيا، ومصيبة فى الدين، فالخروج عن الجماعة العلمية يذهب الدين والدنيا معا، وهو أمر ليس هينا فهو نوع من أنواع التطرف والإرجاف الذى يهدد الأمن المجتمعى.
وأضاف على جمعة: يخرج علينا أحدهم بمصطلحات جديدة خروجا عن الجماعة العلمية والمنهج الموروث وكيفية التعامل مع القرآن والسنة والتراث، لأننا فى الحقيقة لسنا أمام مسألة علمية يقال فيها ويعاد بل إننا أمام مصيبة وبلية، وتكلم علماء الأصول وأسموا من خرج عن الجماعة العلمية بالمفتى الماجن.
وتابع: إن طريق الاستمرار فى الشذوذ طريق مظلم فما نسمعه الآن يسمى الماحى فى جميع النواحى، مشيرا إلى أن هناك أربعة الآن يتصدرون قبل أن يتعلموا وإنا لله وإنا إليه راجعون، فنحن فى مصيبة وبلية.
وأكد الدكتور نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء، إن الإسلام عقيدة وشريعة، صالحة لكل زمان ومكان، والدين عند الله الإسلام، وقد جاء لتحقيق الأمن والسلام لكل إنسان على وجه الأرض، موضحا أن هناك خلطا بين التجديد فى الفكر الإسلامى وفكره أو الدعوة التى تتجه الآن للتجديد فى الفكر الإسلامى ويراد منها الخلط بين التجديد والتبديد، والإسلام بعقيدته وشريعته هناك من الثوابت التى لا يمكن أن تتغير بتغير الزمان والمكان.
وأضاف أن التجديد فى الفكر الإسلامى والعلوم الإسلامية هو من الواجبات والمهمات الضرورية التى كلف الله بها علماء الدين إلى أن يرث الأرض ومن عليها، وتكليف علماء الأمة بهذا ثابت وواضح، لافتا إلى أن هناك الكثير من القضايا تخضع للاجتهاد.
وبالاضافة الى سلسلة الندوات لمواجهة الفتاوى «غير المنضبطة»، تنظم هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مؤتمرًا عالميًا عن «التجديد فى الفكر والعلوم الإسلامية»، نهاية أبريل المقبل، بمشاركة عدد كبير من المجامع الفقهية والمؤسسات الدينية، ونخبة من كبار العلماء والفقهاء فى العالم الإسلامى، بهدف صياغة استراتيجية علمية شاملة، تعالج مختلف الأبعاد والملفات المتعلقة بقضية التجديد، بما يسهم فى نهوض الأمة ورقيها، ويحفظ لها هويتها.
ويناقش المؤتمر عدة محاور رئيسية، يأتى فى مقدمتها، قضايا التجديد فى العلوم الإسلامية المختلفة، وضوابط التجديد وآلياته، وتفكيك أصول الفكر التكفيرى ومناهجه، ودور المؤسسات الدينية فى تنظيم وتطوير الخطاب الدعوى، وأسس ومتطلبات تكوين الداعية المعاصر، ورؤية الفكر الإسلامى للتعايش الإنسانى بين الأديان والمعتقدات والمذاهب.
يشار إلى أن الدكتور محمد المحرصاوى رئيس جامعة الأزهر، قد وافق على طلب ظهور سعد الدين هلالى إعلاميا، بالرغم من أن المحرصاوى أيد بيان هيئة كبار العلماء.
فيما أعلن الأزهر رفضه إمكانية فصل أو سحب درجة الدكتوراه من أحد أساتذة جامعة الأزهر، على خلفية ما أبداه الهلالى من آراء عبر وسائل الإعلام تخالف المقطوع به من الأحكام الشرعية والفقهية، بشأن أحكام المواريث، كما أكدت الهيئة من جانبها أن إقدام بعض أصحاب الاجتهادات والآراء الخاطئة على الظهور عبر وسائل الإعلام، وعدم الاكتفاء بطرح آرائهم فى قاعات العلم، هو ما يدفع الأزهر وهيئاته لتوضيح تلك الأخطاء وتفنيدها.
على جانب آخر انتقد الداعية السلفى، سامح حمودة، موافقة جامعة الأزهر على طلب الدكتور سعد الدين الهلالى بالظهور الاعلامى، مطالبا رئيس الجامعة برفض ظهور الهلالى إعلاميًّا، معتبرا إعطاء الهلالى ترخيصا بالظهور الإعلامى، يعنى أن الجامعة مسئولة عن فتاواه وأقواله البعيدة عن صحيح الدين، والمنافية لما استقر عليه المسلمون لقرون طويلة منذ عهد النبى.
ولفت حمودة فى تصريح لـ «صوت الأمة»، إلى أن قرار جامعة الأزهر بمنع الظهور الإعلامى لأعضاء هيئة التدريس إلا بإذن من الجامعة، جاء بسبب ما اقترفه الهلالى من عبث بالثوابت، فكيف يكون الهلالى أول المطالبين بالتصريح له بالظهور إعلاميًّا؟
فيما قال الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، فى تصريح له، بأنه سيتقدم بطلب للحصول على تصريح بالظهور الاعلامى أسوة بالهلالى.