قصة منتصف الليل.. لحظة شك دمرت أسرة
الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018 10:00 مإسراء بدر
وقفت «أمل» في مطبخها تعد الطعام لصغيرها «أيمن»، ودموعها تتساقط على ملابسها من كثرتها، فسألها صغيرها عن سبب بكاءها فجففتها بأطراف أصابعها سريعا ونظرت إليه بابتسامة حنونة «مفيش يا حبيبي»، وطلبت منه الجلوس لتناول الطعام، فجلس الطفل ولكن عينيه لا تزال معلقة على وجه أمه قلقا عليها واطمئن قليلا عندما جلست بجواره.
وبعد قليل خرج زوجها «رامي» من غرفة النوم وملامحه تحمل الكثير من الغضب وجلس لتناول الطعام دون أن ينطق بكلمة واحدة، فشعر الابن أن هناك أمر ما لا يعلم به، وعم الصمت على الجميع وتحول كل منهم للمثل يقوم بدور شخص يتناول الطعام في أجواء كئيبة مضطربة.
استمر الصمت الكئيب لعدة ساعات إلى أن استقبل «رامي» مكالمة هاتفية جعلته يجن جنونه فتوجه إلى «أمل» كالثور الهائج وبدأ يضربها ضربات عديدة في أماكن متفرقة من جسدها دون أن ينطق بكلمة واحدة وأنهى هذه المشاجرة بسحبها من شعرها وطردها خارج المنزل وهي ملطخة ببقع من الدماء جراء الضرب وصراخها يتعالى دون مجيب لإنقاذها سوى ابنها، فبعد أن وقف مكتوف الأيدي مصدوم مما يراه أسرع إليها وحاول فك يد والده عن شعرها ولكن الأب استقبل تدخله بأن يلقيه هو الآخر خارج المنزل وأغلق الباب خلفهم دون رحمة.
فحاولت الأم أن تحتضن طفلها رغم آلامها فوجدته يتوجه مسرعا إلى أحد الجيران يدق بابه ودخل منزله دون الحديث بشيء وأخذ سكين حاد من المطبخ وعاد إلى باب منزله يطرقه بالسكين كالمجنون فحاولت أمه إبعاده ولكنه رفض بشدة وظل على هذا الحال لدقائق حتى فتح والده الباب قائلا: «عايز تعرف أنا ليه عملت كدا ..عشان أمك خاينه ولما شكيت فيها عملنا تحليل وطلع انك ابن عشيقها»، فالتفت الطفل إلى أمه بنظرة مليئة بالتساؤلات والعتاب فوجدها ترفض النظر إليه وتبكى بشدة فعلم أن حديث والده أو من كان يظنه والده طوال العشرة سنوات الماضية حقيقي وليس إدعاء.
فلم يتردد الطفل للحظة بأن يغير جهة السكين إلى منتصف بطنه وطعنها طعنة قوية لينهى حياته التي دمرتها أمه بسبب خطأها قديما، فربما في هذه اللحظات التي وجه السكين إلى بطنه فكر في مستقبله عندما يعلم الجميع حقيقته كابن غير شرعي وحقيقة أمه الزانية التي استطاعت أن تخبئ على الجميع حقيقتها طوال هذه السنوات، وأنهى حياته بيده قبل أن يعاقب على شيء لم يرتكبه.
صراخ الأم في هذه اللحظة لم يغسل خطأها ولم يرجع لها ابنها أو حياتها الطبيعية ويمسح ماضيها ولكن «رامي» الذي عاش طوال السنوات الماضية يعامل هذا الطفل كابنه وأعطاه الحب والأمان لم يستطع الوقوف أمام هذا المشهد عاجزا عن التصرف فأسرع إلى المستشفى حاملا الطفل واتبعه الأهالي والأم، وصرخ في وجه الأطباء «ابني بيموت» فتحرك الجميع لإنقاذه وأدخلوا الطفل إلى غرفة العمليات وبعدة عدة ساعات خرج الطبيب ليخبر «رامي» بأن العناية الإلهية أنقذت طفله في اللحظات الأخيرة، فتحولت مشاعر الغضب والحزن إلى فرحة عارمة.
بعد دقائق من هذا المشهد استقبل «رامي» مكالمة هاتفية وقف صامتا يستمع لحديث المتصل وبدأ يبكي أمام الجميع وتوجه إلى زوجته وركع أمامها باكيا بدموع الندم واعتذر لها وحاول تقبيل قدمها أمام المتواجدين ولكنها رفضت فوقف أمام الجميع وأعلن بأعلى صوته «أنا أحقر رجل في الدنيا.. أنا شكيت في مراتي لما عرفت أنها كانت تعرف شاب قبل ما نتجوز بشهور معدودة ولما جيت أسألها علاقتها بيه وصلت لفين سكتت ومردتش عليا فافتكرت أنها مخبية حاجة وروحت عملت تحليل عشان أول حاجة جات في دماغي أن الولد دا مش ابني والمعمل اتصل بيا قبل ما اضربها واطردها وقالي إن الولد مش ابني ودلوقتي كلموني وقالولي أن نتيجة التحاليل كان فيها خطأ وان الولد ابني فعلا».
نظر «رامي» إلى زوجته فوجدها تحتفظ بصمتها وعيونها الباكية فسألها عن سبب عدم دفاعها عن نفسها طوال الوقت فأخبرته بصوت هادئ «اتصدمت من تصرفاتك ومن كتر احساسي بالظلم مقدرتش أتكلم كلمة واحدة وقولت يمكن تهدى وبعدها نتكلم بس للأسف شكك وغيرتك عمت قلبك».
وهنا شعر «رامي» بالكارثة التي ارتكبها في حق زوجته وابنه والتي كادت أن يفقد فيها طفله الوحيد ولقت زوجته عذاب وجراح ربما لم يطيبها الزمن، فحاول الدخول إلى ابنه في غرفة العناية المركزة ولكن الأطباء منعوه فهجم على الغرفة بالقوة ودخل ليجد ابنه بدأ يفتح عينيه فقص عليه الحقيقة والندم يسيطر على ملامحه، فنظر إليه الطفل وبكلمات متقطعة قال: «كنت هاتتسبب في موتي بسبب تسرعك وشكك، أنا مش عايز أعرفك تاني وعمري ما هاسامحك والحاجة الوحيدة اللي ترضيني إني أعيش مع أمي من غير ما أشوفك ولو بالصدفة».
لم يجد الأب مفر لإرضاء طفله سوى أن يلبى له طلبه وهو ما يعتبر أقل ما يمكن تقديمه اعتذارا على ما ارتكبه في حقه، وبعد عدة أسابيع فوجئ «رامي» بزوجته تهاتفه وتطلب منه الحضور إلى المنزل فأسرع إلى المنزل دون تفكير ودخل ليجد ابنه جالسا وزوجته تستقبله وتخبره بأنها أقنعت ابنهما بأن يعطى له فرصة أخيرة لإصلاح ما أفسده، فأسرع إلى ابنه وأخذ يقبل يده وقدمه والتفت إلى زوجته وهي أكثر من عانى جراء تصرفه ووعدها باكيا بأنه سيعيش فقط لإرضائهما وليدخل الفرحة في قلبهما.