ثورة ولاد البطة البيضاء
السبت، 08 ديسمبر 2018 03:27 م
متابعتي للأحداث المتصاعدة في العاصمة الفرنسية باريس، بحكم عملي الصحفي، كانت بشكل كبير كاشفة عن قدر التناقض والازدواجية في العالم على المستويين السياسي والإعلامي، بل الأمر تعدى كونه متابعة صحفية ليكون نموذجًا للكوميديا السوداء والعبثية التي تحيط بنا من كل جانب.
استوقفني خبرًا نشرته وكالة الأنباء الفرنسية الرسمية "أ.ف.ب"، نقلت فيه على لسان وزير الداخلية الفرنسي ومسؤولين أمنيين «مطلعين» أن الجهاز الأمني الفرنسي بدأ حملات اعتقالات استبقاية - زي الاختفاء القسري مثلًا - والأدهى والأنكت أن الاعتقال كان بناء على «نية» البعض مهاجمة الشرطة الفرنسية، مجرد استشعار نية العنف تم القبض عليهم.
ثم قال الخبر إن الأمن أغلق المحال والمناطق الحيوية في باريس، يالا سخرية القدر، وكأني أقرأ على صفحات التواصل الاجتماعي خبر غلق محلات وسط البلد ومقاهي وسط القاهرة الشهيرة لكن هذه المرة في الشانزلزية وليست القاهرة.
الوكالة كان توصيفها صريحا وقطعيا بأن المظاهرات ما هي إلا «أعمال عنف وتخريب»، دون أن تواجه سيلا من الاتهامات والحملات الضاغطة المنظمة لإفقادها مصداقيتها بشكل متعمد وفج.
الوكالة استبدلت المجمع العلمي بقوس النصر، حين اعتبرت أن التعرض لقوس النصر من أعمال التخريب، في المقابل كانت مثل هذه الأعمال في القاهرة عملا ثوريا يجب أن نصفق له مثل كلب البحر.
نوبة ضحك حتى البكاء داهمتني، حين أشار وزير الداخلية الفرنسي إلى الطرف الثالث والعناصر المندسة والبلطجية "أفراد يتسمون بالعنف الشديد"، بل وهددت السلطات الأمنية من وصفتهم بـ«الذين يحاولون التسبب بمزيد من الفوضى».
هذا كان تناول وكالة رسمية لدولة أوروبية، كانت تصف الإجراءات المماثلة في مصر ودول الربيع العربي بأنها انتهاك للحريات - باعوا لنا الهوا في أزايز يا سادة - واضح جدًا أنه حين يتعلق الأمر بتهديد منظومة الدولة، يصبح المُحرم على الدول العربية حلال على - ولاد البطة البيضة - الخواجات.
لم أستطع تقييم تناول الإعلام الفرنسي للأحداث الجارية إلا بنظرة ساخرة، الموضوع بكل جوانبه مادة خصبة للإسقاط على الواقع المصري فترة يناير 2011، ليكون دليلا دامغا على أن الأمر حين يتعلق باستقرار الدول وأمنها القومي، فأي تحرك يعزز المخاطر المحيطة بهما، لا يمكن اعتباره إلا شغب وتخريب وعنف وبلطجة.
التناول الإعلامي الرسمي والخاص للمظاهرات الفرنسية، هو نسخة طبق الأصل للتناول الإعلامي المصري، لكن عقدة الخواجة جعلت ما يبث على وسائل الإعلام الفرنسية –ولاد البطة البيضاء- من المقدسات التي لا يجوز التعرض لها، فين حين تعرض الإعلام المصري –ولاد البطة السودا - إلى انتقادات محلية وعالمية ممنهجة، رغم أن المادة الصحفية المنشورة لدى الطرفين نسخة كربونية طبق الأصل لا يخلفها عاقل.
جانب من تناول الوكالة الفرنسية الرسمية لاحتجاجات باريس.. (السترات الصفراء)