بعدما أجبرت «السترات الصفراء» ماكرون على التراجع.. هل ينهار الاقتصاد الفرنسي؟
الخميس، 06 ديسمبر 2018 02:00 م
ويشكل قرار الحكومة الفرنسية، انعكاساً للتدهور الكبير الذى تشهده العاصمة باريس، وسط غموض بشأن استمرار الاحتجاجات من عدمه بعد التراجع عن بعض القرارات الاقتصادية.
وفى خطابه التلفزيونى، أعلن رئيس الوزراء الفرنسى إدوار فيليب أن بلاده قررت رفع الضرائب على المحروقات لمدة 6 أشهر. وأضاف أنه «لابد أن يكون هناك شفافية أكبر فى الضرائب بفرنسا لأنها الأعلى فى أوروبا»، موضحا أن الحلول فى المدن قد تختلف عنها فى القرى. وأعرب فيليب عن رفضه الكامل لأعمال العنف متعهدا فى الوقت نفسه بتعقب المخربين.
إلا أن كلمات رئيس الوزراء الفرنسى، والتى تبدو حاسمة، حول ملاحقة المخربين ربما ليست كافية، خاصة وأن التراجع الفرنسى يمثل انتصارا مرحليا مهما لقادة التظاهرات، وعلى رأسهم ما يسمى بحركة «السترات الصفراء»، خاصة وأنها تتعارض مع ما سبق وأن تعهد به الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، بعدم تقديم أية تنازلات لمثيرى الفوضى، معتبرا أن مثل هذا التنازل يضع المخربين ومريدى الفوضى على قدم المساواة مع المواطنين الفرنسيين الذين يعبرون عن أرائهم، وبالتالى فإن القرار الفرنسى المحتمل ربما يساهم فى ارتفاع أسهم ما يمكننا تسميتهم بـ«نشطاء الفوضى»، سواء أمام المواطنين الفرنسيين الذين نأوا بأنفسهم عن المشاركة فى الاحتجاجات، أو حتى أمام نظرائه فى أوروبا الذين قد يقدموا تنازلات مشابهة خوفا من فوضى النشطاء.
وهنا ربما يخسر الرئيس الفرنسى رهاناته الإصلاحية والتى سعى إلى الترويج لها باعتبارها السبيل لاستعادة فرنسا لأوضاعها الاقتصادية فى المرحلة الراهنة، بعد حقبة الرئيس السابق فرنسوا أولاند، والتى وصفها قطاع كبير من المتابعين بأنها الأسوأ على الإطلاق على الجانب الاقتصادى، خاصة وأن التراجع عن القرار يمثل نقطة فارقة مهمة فى الخطة الإصلاحية بالكامل، فسوف يصبح شبح الاحتجاجات الدامية فى شوارع باريس بمثابة كابوس يواجه أى إجراء قد يتخذه ماكرون لمواصلة الطريق الذى بدأه منذ بداية فترته الرئاسية.
ولم تتوقف خسائر ماكرون جراء القرار المحتمل عند هذا الحد، بينما سوف تمتد إلى قطاع كبير من مؤيديه، والذين يمكننا تسميتهم بـ«حزب الكنبة»، حيث سبق لهذا القطاع وأن دعم الرؤية الإصلاحية لماكرون فى مواقف سابقة، وهو ما بدا واضحا فى فشل الإضراب الذى نظمة موظفة السكك الحديدية، فى يونيو الماضى، احتجاجا على تعديل ما يتمتعون به من مزايا خاصة، وأهمها ضمان وظيفتهم مدى الحياة، حيث رفضت الفرنسيون آنذاك دعوات الاحتجاج، بينما زاد الإقبال بصورة كبيرة على تطبيقات السيارات الخاصة عبر الهاتف المحمول، وزادت أعداد الدراجات فى الشوارع لكسر التأثير المترتب على الإضراب.
وفى الوقت نفسه، أوضحت استطلاعات الرأى، التى أجرتها عدة مراكز بحثية آنذاك، أن أكثر من ثلثى الفرنسيين يدعمون اقتراحات ماكرون الإصلاحية، وهو الأمر الذى يمثل انتصارا كبيرا للرئيس الفرنسى على دعاة الفوضى، الذين سعوا خلال الأشهر الماضية إلى تشويه صورته عبر تأجيج بعض القضايا، ربما لتقويض شعبيته بين الفرنسيين، من بينها قضية اعتداء أحد مساعديه على أحد المتظاهرين خلال عيد العمال، وكذلك الحديث المتواتر عن ارتفاع الأسعار كوسيلة لتأجيج الغضب الشعبى.
ويمثل الرفض الذى تبناه النشطاء الفرنسيين للحوار، الذى دعت إليه الحكومة الفرنسية أمس الاثنين، انعكاسا صريحا لنواياهم بالتصعيد ضد الحكومة فى المرحلة المقبلة، وبالتالى فربما يكون القرار غير مجدى إلى حد كبير لتحقيق الهدف الرئيسى وراءه، وهو تهدئة حالة الغضب فى الشارع والتخفيف من حدة التظاهرات التى اجتاحت شوارع العاصمة باريس، خاصة وأن هناك دعوات تبناها المتظاهرون فى الشوارع بانتخابات مبكرة، وهو ما لاقى دعما من قبل بعض الساسة الفرنسيين، وعلى رأسهم زعيمة حزب اليمين المتطرف مارين لوبان.
وهنا تصبح الطموحات الكبيرة التى تبناها ماكرون بعيدة المنال، بعد القرار الأخير، ليس فقط فيما يتعلق باستعادة النفوذ الاقتصادى لفرنسا، ولكن أيضا على المستوى الدولى فى المرحلة المقبلة، خاصة وأنه يسعى لقيادة الاتحاد الأوروبى بناءا على رؤية إصلاحية تتشابه إلى حد كبير مع رؤيته التى يتبناها فى الداخل الفرنسى، وهو ما يعنى أن شبح الاحتجاجات ربما يلاحق طموحاته فى الداخل والخارج.