هل وحيد حامد كبير على الاعتذار؟
الثلاثاء، 04 ديسمبر 2018 03:04 م
شهور مرّت على المقال الشهير للكاتب الكبير وحيد حامد، الذي انهال فيه ضربًا على مسؤولي مستشفى سرطان الأطفال 57357، صرخ الرجل للحكومة والمجتمع بأن "الحقوا تبرعات الشعب التي يأكلها هؤلاء في بطونهم، أنقذوا أموال الغلابة من الشلة الضائعة".
قامت الدنيا ولم تقعد، وركبت وسائل إعلام كبرى القضية من قبيل "التريند يحكم يا مولانا"، بأن كالت للمستشفى الذي تتعلق به حياة ملايين الغلابة بمكيالين، انطلاقا من دعوة الكاتب الشهير، إلى أن أصبح الأمر سجالاً بين طرفين: الأول يهاجم مُستندًا على أدلة وحيد حامد، والثاني يدافع مُستميتًا حتى لا تهتز التبرعات فيروح الأطفال المرضى بين الأرجل.
وبما أن المستشفى الشهير ملك لتبرعات الشعب، لم يهاجم أحد وحيد حامد تخوّفًا من أن يكون ما تحت يده من أدلّة صحيحًا وتكون هناك مخالفات مالية، بعيدًا عن خلافاته المُستترة مع أشخاص قيادات المستشفى، أو موقفه الشخصي ومصالحه التي تتعارض معهم، لجأ الجميع إلى الجهة المنوط بها التحقيق في الأمر، وهي وزارة التضامن الاجتماعي، بما أن المستشفى شاركت في تأسيسه كل من الجمعية المصرية للتنمية الاجتماعية والثقافية، وجمعية أصدقاء معهد الأورام القومي سابقًا، وحاليًا جمعية أصدقاء المبادرة القومية ضد السرطان، وبالطبع لأن المستشفى يُمثّل صرحًا كبيرًا أُقيم بأموال وتبرُّعات المصريين وأشخاص من باقي الدول العربية والعالمية الصديقة، ويُسهم في علاج مئات الأطفال المصابين بمرض السرطان سنويًّا.
بطريقة مُحايدة تمامًا، قرَّرت الوزارة تشكيل لجنة مُستقلّة - استمر عملها 5 شهور كاملة - وبالطبع كان هدف وزراة التضامن الاجتماعي هنا هو الحقيقة، حرصًا على التبرُّعات ومصير آلاف المرضى، قامت خلالها باستجلاء الحقائق والتحقيق فيما ورد من ادّعاءات بموجود مخالفات مالية، وما إلى ذلك من مخالفات أخرى، من تعيين بالمحسوبية أو قبول مرضى على حساب آخرين، وخلافه.
أمس أصدرت وزراة التضامن الاجتماعي قرار لجنتها، شافيًا كافيًا، مستعرضًا ما آلت إليه أعمال لجنة التحقيق ببراءة مسؤولي المستشفى من الادعاءات التي ثبت عدم صحّتها، وأبرزها إجراء مسؤولي المستشفى تجارب سريرية على المرضى، واستخدام المؤسَّسة أموال التبرُّعات للمضاربة في البورصة، وتجاوز نسبة المصروفات الإدارية النسبة المُقرَّرة قانونًا.. بالمعنى الحرفي للكلمة "كله طلع فشنك".
أما فيما يخصّ مسألة وجود مستشارين بالمؤسَّسة يتقاضون ملايين، فإنه وفق تقرير اللجنة تبيَّن وجود مستشار واحد للأمن والسلامة والعلاقات الحكومية، كما تبيّن تناسب أعداد العاملين مع احتياجات الخدمة وفق المعايير الدولية، وإخلاء غُرف المرضى أثناء تصوير مسلسل الشريط الأحمر، الذي شارك المستشفى في إنتاجه ضمن حملاته للتوعية بمرض السرطان، وهو الغرض الذي يندرج ضمن أغراض جمعية أصدقاء المبادرة القومية ضد السرطان.
ارتضيت أم لم ترتضِ بعمل لجنة وزارة التضامن الاجتماعي التي ضمّت 17 عضوًا، وترأسها مستشار بدرجة وكيل بمجلس الدولة، إلى جانب ممثلين عن هيئة الرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات ووزارات التعليم العالي والبحث العلمي والصحة والسكان والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فإن اللجنة فحصت آلاف المستندات، واستمعت إلى من رأت ضرورة الاستماع إليهم من العاملين، كما تم تشكيل لجنة أخرى لفحص أعمال الجمعية المصرية للتنمية الاجتماعية والثقافية، وجمعية المبادرة القومية ضد السرطان، وبالمنطق يستحيل تواطؤ كل هؤلاء جميعًا على الكذب. في النهاية هذه هي النتيجة القانونية للتحقيق، وهذه براءة قاطعة وحِلّ للمسؤولين من تُهم مُغرضة أُلصقت بهم.
بلا شك أثَّرت الاتهامات المكالة لمسؤولي "مستشفى الغلابة"، لمجرد الاتهامات فقط، على التبرُّعات الموجّهة لرعاية مرضى السرطان، فجملة من الناس يخشون أن تذهب أموالهم إلى غير جهة الإنفاق التي يريدونها لإنقاذ أطفال السرطان، إضافة إلى جمع آخر اهتزَّت ثقتهم في الصرح العظيم، فموجة الاتهامات كانت قوية وموجَّهة بحملات "سوشيالية" أدَّت عملها بإتقان، والجميع شاهد على ذلك، هذا كله بجانب ما نال من سمعة أشخاص راهنوا على الخير وحياة ملايين الأطفال قبل المراهنة على سمعتهم الشخصية.
بعيدًا عن نتائج الاتهامات، التي نالت بالطبع من نصيب كبير من التبرُّعات وتشويه صور آخرين بأسمائهم، لم يهتزّ جفن الكاتب وحيد حامد بعد تقرير لجنة وزارة التضامن الاجتماعي، لماذا لم يُقدِّم الكاتب الشهير أدلّته المادية التي لوّح بها من قبل للجنة، إذا كانت لديه أدلة من الأساس، فهل وحيد حامد كبير على الاعتذار لملايين الشعب؟! ألم يكن يسعى إلى الخير منذ البداية على حد زعمه؟! وباعتبار أن حملته لم تكن إلا خوفًا على الخير كما يقول، أليس من الخير أن يردّ الحق لأصحابه ويرفع الضرر عمّن تضرَّرت سمعتهم؟! أليس من الخير أن يعتذر لآلاف الأطفال الذين ربّما تأخر علاجهم بسبب تأثُّر التبرُّعات بحملته الخالية من الأدلة المادية؟!