عن سامية صالح وحزب الدستور والخلايا النائمة
الأربعاء، 17 أكتوبر 2018 01:41 م
عظيمة هي تلك المقولة الشهيرة للكاتب والأديب البريطاني جورج أورويل، التي يقول فيها "لغة السياسة تم تصميمها لتجعل الكذب والتلون يبدوان صادقين".
قفزت تلك المقولة إلى عقلي عندما رأيت منشورين متتالين للعضوة في حزب الدستور سامية صالح، ربما لأنهما يعبران عن مثال لا بأس به أو يمكنك القول بالفج في التلون واللعب على الحبال، ويبدو أن صالح أجادت تلك اللعبة باقتدار، لم يمر كثيرا على تلك المنشور الأول الذي يدعم الدولة والحكومة ويثني كثيرا على كل القرارات السياسية التي وصفتها الأخت سامية بالعظيمة، ولا بأس بتدعيم ذلك بعلم مصر فتلك الطريقة يحبزها من يريدون التستر في عباءة الوطنية، وفي حركة بهلوانية ترى منشورا آخر يسب ويلعن ويهزي ويسخر من قرارات الدولة ولا بأس أيضا بمزيد من ذلك النوع من الهاشتاجات الذي يرضي طموح شلة وسط البلد.
الحقيقة أن مواقف سامية صالح المتلونة لم تكن صادمة بالقدر الذي تعرف فيه أنها تعمل في إحدى المؤسسات القومية العريقة في عالم الصحافة.. يا إلهي كيف يتركونهم يعبثون بعقول الناس هكذا؟، ماذا سيملي عليها ضميرها لتكتب للبسطاء؟، آلاف الأسئلة الصادمة والمريرة ستعصف بعقلك ولن تجد إجابة عليها، لكن كونها في حزب الدستور، فهذا كان مألوفا إلى حد ما على ما عاهدناه عن أولائك القابعين في ذلك الحزب من المغرضين المتسترين في رداء العمل السياسي.
فكبيرهم الذي علمهم هو البرادعي، ونحن في حل عن الكلام بشأنه فحالته تدعو للشفقة خلف تغريداته بعدما هرب من مصر، ثم خالد داوود وما أدراك ما خالد داوود قبل أن يستقيل من رئاسة الحزب بعدما انتهت سبوبة الظهور بالعربي الجديد، يخرج في الصباح بتلك النغمة الشهيرة عن حقوق الإنسان وحريته لنيل رضا من يدفع أكثر، ثم بالليل يأتي بسيارته السيتروين ذات الـ600 ألف جنيه إلى مقهاه المفضل في الشارع الجانبي بقصر النيل في ثياب الرجل الوطني الذي لا يجد غضاضة بالجلوس مع عامة الشعب.
إذا سيجد السائلون ضالتهم في الإجابة عن أسئلة من قبيل "لماذا وصلت حال بعض الأحزاب المصرية إلى هذا الحد من العته؟"، لماذا يغيب دورها الحقيقي عن الشارع؟.. بكل بساطة هي سبوبة لا أكثر وهدفين منها لا ثالث لهما، إما التمويل أو الواجهة السياسية المصبوغة بالوطنية لتمرير ما يحلو لهم من أفكار، إنها تلك الخلايا النائمة الأخطر على المجتمع أكثر من أعمال العنف والإرهاب، ذلك الخطر الذي يتوازى مع الفتاوى الدينية السلفية الشاذة التي تصيب البلد في مقتل، فهذا نوع آخر من أنواع الفكر التكفيري، غير أن الأول أخطر بكثير ونغمته أنعم وأوسع توغلا.
موقف سامية مختبئ في عقول كثيرين من شاكلتها وما كان هذا إلا انتقادا حادا بلا سند من واقع أو قانون أخرجها من نطاق النقد تماما أو حتى حرية التعبير، حيث عكفت على إهانة رموز الدولة ومؤسساتها التي تتربح منها، فكان الأحرى لها أن تترك مناصبها قبل أن تفكر في ذلك، فحق الفرد فى التعبير عن آرائه ليس معلقا على صحتها، ولا مرتبطا بتماشيها مع الاتجاه العام فى بيئة بذاتها، ولا بالفائدة العملية التى يمكن أن تنتجها، وإنما أراد الدستور ضمان حرية التعبير أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام.
صحيح أن عضوة حزب الدستور تلك لا ترقى لتسليط الضوء على اسمها وإعطائها جرعة أخرى من البروباجاندا تسد بها رمق شغفها، إنما قصدت الإشارة إلى الخلايا النائمة المتخفية في مؤسسات الدولة وفزاعة حرية العمل السياسي، فكثيرون مثل سامية وليس قليلون مثل خالد داوود.