نقطة نظام.. حديقة حيوانات مفتوحة
الإثنين، 26 نوفمبر 2018 03:22 م
أبٌ يُنجب من ابنته، وامرأة تحملُ من والد زوجها، وشابٌ يُعاشر شقيقته، وذكورٌ يتبادلون الزوجات، ونساءٌ يحملن سفاحًا، وآباءٌ يكتشفون أن أبناءهم ليسوا من أصلابهم، وزوجاتٌ يقتلن أزواجهن بمشاركة "العُشَّاق"، ورجال دين يُعانقون الحرام فى دُور العبادة، ومُدرِّسون يتحرَّشون بالطالبات، ومُدرِّساتٌ يتحرَّشن بالطلاب، وعلاقاتٌ غير شرعية لا تنتهي، حتى صِرنا كأننا "حديقة حيوانات مفتوحة".
بعضُ الحيوانات أكثرُ التزامًا من معظم البشر، هناك قيودٌ أخلاقية لا تتجاوزها، لم يسعَ فصيلٌ حيوانىٌّ يومًا إلى التمرُّد علي تلك التابوهات أو كسرها بحُكم التجديد ومواكبة العصر. كارهو الأديان بالسليقة، والمتأفِّفون من هدي السماء، وحاملو ألوية الإباحية، لم يتوقَّفوا يومًا عند تلك الظاهرة التي تضرب المجتمع المصري من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، ومن الريف إلى الحضر، بالعكس، فمثل هذه الظواهر تروقُ لهم، وتُشعرهم بأن جهدهم لم يَضعْ هباءً. هم يُحبِّون أن تشيع الفاحشة بين البشر، تلك هي غايتُهم، وهذا هو مُرادهم.
يستحيلُ أن تضبط "أحدهم/ إحداهن" في موقف الدفاع عن فضيلةٍ أو قيمةٍ أخلاقيةٍ. شعارُهم الفوضى. هم في كل وادٍ يهيمون، ينافقون من يدفعُ لهم ويرفعُهم إلى منصَّات التتويج، يبيعون ثمينًا برخيصٍ، بضاعتُهم التبجُّحُ على الله، والغمزُ في كتبه، واللمزُ في أنبيائه. ومنهجُهم مُخالفة الأعراف. يُهلِّلون لكلِّ خارج عن النص: فيلم هابط/ رواية فجَّة/ عمل فني يتطاول على الدين.
تلكُ الفئةُ تسلَّلت في السنوات الأخيرة، حتى تمكّنتْ من السيطرة على مقاليد الأمور في: الثقافة والإعلام والفن والتعليم. نحنُ بصدد مُجتمع مُفكَّكٍ أخلاقيًّا ومُنهارٍ سلوكيًّا وفارغ دينيًّا، لا فرقَ بين مُتعلِّم وأميٍّ، ريفيٍّ ومُتحضِّر. البنية الأخلاقية تتآكلُ يومًا بعد يوم، هي أوْلى من غيرها بالترميم والإصلاح. الفطرةُ المصرية أصابها الدَّنسُ، وسكنَها العطبُ، وعشَّشتْ فيها الفيروساتُ المُعدية. ما يحدثُ في مصر تجاوزَ خيالَ أصحاب الخيال، فقد اتَّسعَ الخرقُ على الراقع، وزاد الفسادُ حتى فاتَ التلافي.
المُشتغلونَ بالدين خارج نطاق الزمن، يخطبون بما يُملى عليهم، نفدت صلاحيتهم، المغمورون منهم بائسون، يتحدَّثون عن جواز الزواج بالرضيعة في بطن أُمِّها، وإرضاع الكبير، وكيفية دخول الحمَّام، والباحثون عن الشهرة لا يشغلهم أمرُ الدين في شيء، بل صاروا أكثر تجرُّؤا عليه من غيرهم، اتّخذوه مطيَّة للمال والأضواء. نحنُ نعيشُ نكسة أخلاقية بامتياز، الاعترافُ بالحق فضيلة، الاعترافُ بداية الإصلاح، التشخيصُ الدقيقُ يقودُنا إلى العلاج الناجع السريع.
لا تدفنوا رؤوسكم في الرمال. انسفوا أسطورة: "الشعبُ المصري مُتديِّن بطبعه"، تلك أسطورة مثل أساطير أخرى، نحن نعشق الوهم ونؤمن به. واجهوا أنفسكم واسألوها: كيف وصلتْ بنا الحالُ إلى ما وصلتْ إليه؟ نعيش فوضى جنسية عارمة لا شاطئ لها، نمُرُّ بكارثة أخلاقية لا حدودَ لها. فيمَ الصمتُ والتجاهلُ والتعامي، بعدما أنجبَ الأبُ من ابنته، وعاشر الابنُ أُمَّه وخالته وأخته؟ لا تشغلوا الناس بتوافهِ الموضوعات، ولا تبنوا أمجادًا شخصية على أنقاض مُجتمع بلا رصيد من أخلاق. ترميمُ فطرة المصريين - التي أفسدها الإهمالُ، ودمَّرها التجاهل - يجبُ أن تكونَ في موضع الصدارة إذا كُنّا نبحث عن الخير لبلادنا، بناء الإنسان الذي يطالبُ به الرئيس دومًا لن يتحقَّق دون ترسيخ منظومة من القيم الأخلاقية الرفيعة.
أعيدوا الانضباطَ إلى التعليم، اجعلوا المدارسَ والجامعاتِ مناراتٍ لتربية الأجيال الجديدة. قبلَ عامين.. عندما قرَّر وزيرٌ سابقٌ تخصيص عشر درجات للانضباط، قامت عليه الدنيا ولم تقعد حتى رحلَ، كأن الرجل اقترف جُرمًا، لم يعد للوزارة حظٌّ من اسمها، فلا تربية ولا تعليم. أعيدوا تدريب الدعاة، انتشلوهم من غياهب الماضي، أبلغوهم أننا نعيش زمنًا مُختلفًا، أبعدوهم عن شواغل السياسة. السينما لا تُعني الترويج للرذائل، والدراما لا يجب أن تكون منبرًا للسُخف والقبح. أغلقوا الأبواب أمام كل من يُحرِّضُ على إفساد أخلاق المصريين، فالحرية لا تعني الفوضى، واتّساعُ الأفق لا يعني أن يتحوَّلَ المجتمع إلى "حظيرة" من الحيوانات الضالة.