جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة يحقق الحلم
الأحد، 25 نوفمبر 2018 12:43 م
إذا كنت من المعجبين بتجربة الصين الاقتصادية فأنت مدعو عزيزى القارئ لمتابعة الجهد الذى تقوم به الدولة المصرية حالياً لابتكار نموذج مصرى خالص لإحداث نقلة اقتصادية مصرية، قوامها المشروعات الصغيرة.
لك أن تتخيل أن النهضة الاقتصادية التى تعيشها الصين حالياً اعتمدت فى البداية على المشروعات الصغيرة، فالأسر الصينية هى الضلع الأساسى فى هذه النهضة، فالقصة لم تكن أبداً تلك المشروعات والمصانع العملاقة التى تسيطر بها الصين على اقتصاد العالم، بل كانت البداية بالمشروعات الأسرية التى من خلالها انطلقت الصين وغزت منتجاتها جميع أسواق العالم، ومن بعدها جاء الدور على المصانع الكبرى.
أعود إلى النموذج المصرى، الذى أراد أن يراعى الأوضاع الدولية والإقليمية الحالية، وكذلك الوضع الداخلى، مما أستدعى أن تكون هناك دفعة قوية فى الاتجاهين، المشروعات الصغيرة والكبرى معاً، فالوقت يداهمنا جميعاً، ولا مجال لأى تأخير، فمع المزايا الاستثمارية المتاحة للمستثمرين العرب والأجانب لتكون مصر بوابة استثمارية وصناعية مستفيدة من الموقع الجغرافى المميز، فأنها فتحت الباب أمام المصريين خاصة الشباب لتنفيذ المشروعات والأحلام التى كانت تراودهم.
تنفيذ هذا الحلم اليوم أصبح مسئولية جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الذى يلعب دوراً فى غاية الأهمية من أجل وضع مصر على الخريطة الصناعية، وهو ما يمكن أن نرصده من خلال التنامى الواضح فى المشروعات الصغيرة التى تنتشر فى كل محافظات مصر، فالأمر لم يعد مقتصراً على منطقة أو محافظة بعينها، بل شمل كل بقاع الجمهورية.
الارقام تتحدث عن النشاط الملحوظ لجهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الذى قدم حتى الآن تمويلات وصلت إلى 4.1 مليار جنيه لعدد 198 ألف مشروع وفرت قرابة 345 ألف فرصة عمل خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2018، وهذه الأرقام فى تنامى مستمر، وهو ما أكدته الدكتورة نيفين جامع، الرئيس التنفيذى للجهاز، التى تعمل الآن على إنجاز وإتمام قانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة لعرضه على البرلمان فى دورته الحالية، وهذا القانون سيقدم مزيد من الحوافر منها ضريبية وتسهيلات فى الحصول على التراخيص.
المتابع لحالة النشاط التى تعيشها مصر حالياً فى مجال المشروعات الصغيرة، سيجد أننا أمام تحد جديد، خاصة أننا نعانى من أزمة "الاقتصاد غير الرسمى" الذى أهدر على الدولة الكثير من الفرص، لكن من خلال جهاز المشروعات الصغيرة يمكن القول أننا فى طريقنا لمواجهة هذه الأزمة والعمل على انحسارها، لأن "الاقتصاد غير الرسمى" سببه خوف العاملين به من البيروقراطية الحكومية، فضلاً عن التهرب من دفع الاستحقاقات المالية للدولة سواء كانت ضرائب أو تأمينات مستحقة للعاملين فى هذه المشروعات، وهو وضع لا يمكن السكوت عنه، لأنه يسبب الكثير من المشاكل والأزمات.
اليوم قررت الدولة المصرية أن تواجه التحدى، وأن تفتح باب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لكنه باب رسمى، خاصة وأن هذا القطاع فعلا يمس بصورة مباشرة توفير فرص العمل وفتح بيوت الكثير من الأسر المصرية.
تاريخياً كان لدى مصر كيان أسمه "الصندوق الاجتماعى للتنمية"، تم تأسيسه عام 1992، وكان معنيا بتوفير التمويل اللازم لإقامة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وخلق فرص عمل، وللأمانة فقد حقق نجاحا على مدار 25 سنة، لكن اليوم نحن بحاجة لآلية جديدة تتناسب مع الطموح المصرى المشروع، لذلك جاءت فكرة جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، الذى من أساسيات عمله التنسيق بين كل المبادرات والجهات والهيئات التى لها علاقة بالمشروعات الصغيرة ليس من الناحية التمويلية فقط، لكن لتنمية القطاع ككل سواء من خلال خدمات تمويلية أو غير مالية، فضلاً عن الدور التنفيذى لهذه المبادرات سواء كانت مالية أو غير مالية، ومن واقع العمل على الأرض أصبح دور جهاز المشروعات أشمل وأعم بخلاف الصندوق الاجتماعى، فلم يصبح جهة للقروض فقط، بل للتنسيق والمتابعة وتوفير كل ما يحتاجه أصحاب المشروعات، خاصة فى تسويق منتجاته وتقديم تدريب للشباب لعمل مشروع أو فكرة مشروع، والتعريف بكيفية استخراج المستندات والمساهمة فى إعداد دراسات الجدوى، وتقديم تدريب حول كيفية إدارة المشروعات، وتقديم استشارات لتنمية المشاريع، فالهدف هو التنمية.
الأمانة تقتضى القول أننا أمام تجربة تستحق الاحترام والتقديم والدعم أيضا لأنها ستكون سبباً مباشراً فى أحداث نقلة نوعية فى الاقتصاد المصرى، وأحداث التنمية التى تسعى لها الدولة، فضلاً عن القضاء على أسطورة "ان فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه".