قانون المستشفيات الجامعية في عش الدبابير!
الأحد، 25 نوفمبر 2018 12:35 م
لدينا 110 مستشفيات جامعية تعالج 18 مليون مريض و3 ملايين حالة حرجة سنويا، بداية من الصداع والأنفلونزا حتى زراعة الأعضاء والجراحات المعقدة، وتتحمل عبء الخدمة العلاجية بنسبة 70% على الأقل، وهو وضع مقلوب غير موجود في أية دولة بالعالم.
المفترض أن مستشفيات الجامعة للبحث والتعليم والتدريب، ومستشفيات الصحة للعلاج، ولأنه وضع شائك وتراكم سنوات من العشوائية، والدولة تحاول حاليًا تصحيحه من خلال قانون شامل للتأمين الصحي مثل كل الدول، ولحين تفعيله فكرت الدولة في علاج الخلل القائم في المستشفيات الجامعية؛ للنهوض بها وتطويرها، وفي الوقت نفسه تستغل إمكانياتها لعلاج أكبر عدد من المواطنين؛ لتخفيف معاناتهم في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد حاليًا.
قانون المستشفيات الجامعية هو مشروع قديم جدًا، لكنه لم يخرج للنور بسبب معارضة أطباء قصر العيني تحديدًا، وكل من فكّر في إصدار هذا القانون كأنه كان يدخل "عش الدبابير"، فلم ينجُ من الهجوم.
هناك مخاوف قد تكون مشروعة لدى نقابة الأطباء، وبعض أعضاء هيئات التدريس بكليات الطب، لكن يمكن من خلال الحوار المجتمعي الوصول إلى صياغة تُحقّق مصالح الجميع، خاصة المواطن الكادح.
القانون صدر بالفعل، ولكن ما زالت اللائحة التنفيذية لم تصدر، ويمكن من خلالها علاج أي قصور في القانون. أمس عقد وزير التعليم العالي اجتماعًا لمناقشة اللائحة التنفيذية، وتعديل الصياغة إذا تطلّب الأمر، حتى تزيل سوء الفهم حوله، وهناك ثوابت أساسية للقانون أكدها وزير التعليم العالي، هي:
أولا: لا مساس بمجانية العلاج لغير القادرين.
ثانيا: لا مساس بتبعية المستشفيات الجامعية لكليات الطب، وأن عميد الكلية هو رئيس مجلس إدارة المستشفى (بالمناسبة معظم مستشفيات أوروبا مديرها ليس طبيبًا بالأساس).
ثالثا: لا مساس بحقوق أعضاء هيئات التدريس العاملين بالمستشفيات الجامعية، والتعاقد فقط لمن يرغب في عمل إضافي مقابل أجر.
رابعا: القانون يهدف لإعداد المستشفيات الجامعية لاستقبال حالات التأمين الصحي الشامل، وسيُحقّق هذا إيرادات من التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة.
خامسا: القانون يهدف لعمل المستشفيات الجامعية بكفاءة أعلى وتقديم خدمة متميزة، خاصة لمحدودي الدخل الذين يتطلّعون للحصول على خدمة جيدة، وسيشارك أعضاء هيئة التدريس على مدار الساعة بالنظام الذي يرتضونه، وبمقابل مادي.
سادسا: القانون سيُحقّق مصلحة المواطن في علاج جيد يُقدّمه أعضاء هيئات التدريس بمقابل مادي، إضافة إلى كل ما يتمتعون به من مزايا في الوضع الحالي.
سابعا: الإيرادات ستُسهم في تطوير المستشفيات وتحسين أجور الأطباء والتمريض والعاملين.
هذا الكلام لو تم تطبيقه سيُزيل مخاوف المعارضين للقانون، ويُفرّغ حجج بعضهم. المستشفيات الجامعية مُعظم عياداتها الخارجية وغرف عملياتها تُغلق أبوابها في الثانية عشرة ظهرا، ومع ذلك تعالج 21 مليون مواطن سنويًّا، إذًا لو استمر العمل بها حتى السادسة مساءً فسيتضاعف هذا العدد وتنتهي معاناة المواطنين تمامًا. خاصة أن المستشفيات الجامعية لا تنقصها الأجهزة والكوادر البشرية.
من الطبيعي أن يجد القانون معارضة شديدة؛ لأن تشغيل المستشفيات الجامعية فترة مسائية سيُؤثر على مصالح أصحاب العيادات والمستشفيات الخاصة ومعظهم مراكز قوى. الأزمة الحقيقية في هذا القانون هو نقص المعلومات وعدم تهيئة الرأي العام له وهو يحتاج لدعاية إعلامية كبيرة؛ أولاً حتى يطمئن أعضاء هيئات التدريس، وثانيا ليطمئن المواطن الذي يحاول البعض إيهامه بأن القانون في غير صالحه وأنه يؤدي لخصخصة الخدمات الطبية. وبالطبع ستستغل وسائل الإعلام المعادية لمصر هذا الأمر وتثير البلبة في المجتمع؛ لذلك فإن أفضل وسيلة للمواجهة هي الشفافية في طرح الموضوع، وتهيئة الرأي العام لتطبيقه من خلال ظهور المختصصين في الإعلام لشرح القانون وتوضيح بنوده وأهدافه وفلسفته.