لما لا ؟
الجمعة، 23 نوفمبر 2018 01:01 م
منذ فترة اقتنيت قطعة فنية جميلة عبارة عن وحدة إضاءة مصنوعة من ملح سيوة بأيادي فنانين مهرة من أبناء واحة سيوة الذين يعتبرون الملح وبالخصوص ملح الواحة لديه القدرة على امتصاص الطاقة السلبية من المكان وأن إضاءة قطعة كهذه تعتبر علاجا يساعد على هدوء الأعصاب والشعور بالراحة ، وبغض النظر عن صحة الاعتقاد من عدمه إلا أن كل ماهو مصنوع يدويا يجلب السعادة حقا ويريح النفسية بمجرد النظر إليه ، إن المنتج الفني اليدوي المتقن يجعلنا نستشعر روحا مختلفة تماما عن ما نشعر به تجاه قوالب المصانع ، فحتى قطعة الملابس البدوية المطرزة يدويا لا تماثلها أشهر قطع الملابس العالمية من حيث الإحساس بها وتذوقها فما أن تقع عليها العين لا تخطأها أبدا وبالرغم من أنها مجرد قطعة ملابس إلا أنها تُعَبِر عن تراث وميراث فني بديع وراق لا مثيل له .
في الزمن الماضي كان أبناء الشعوب الأخرى يأتون إلى مصر للالتحاق بجامعاتها كي ينهلوا من نهر علمها ويستفيدوا من خبراتها وخبرات علمائها ، لكن للأسف وبعد سنوات من الإهمال الذي طال مجالات عدة وعلى رأسها التعليم بدأ المصريون أنفسهم في التوجه للخارج لتحصيل العلوم والارتقاء بمستواهم العلمي ، ولكن الأمل دائما موجود وعلينا أن نفكر بشكل مختلف والبحث عن طريق جديد للانطلاق ، فإذا كنا قد فقدنا القدرة على المنافسة في مجالات معينة إلا أن مفتاح السر قد يكون في الفنون التراثية والحرف اليدوية فنحن نستطيع المنافسة في مجال جديد يميزنا عن غيرنا ، وبما أن قطاعا كبيرا من الشعب المصري يتميز بمهاراته في الفنون التشكيلية والحرف اليدوية، حتى أن المواطنين البسطاء في الريف والمدن لديهم أنماط فنية فريدة من إبداعاتهم تلبي احتياجات حياتهم وعاداتهم ومعتقداتهم تختلف عن مثيلاتها في العالم فيمكن للدولة الاستفادة منهم بشكل جديد وخارج عن المألوف ، فمصر لديها كنوز فنية بشرية وتستطيع جذب راغبي تعلم الحرف اليدوية من مختلف دول العالم كما هو الحال في دول مثل إيطاليا وفرنسا التي تهتم بتعليم الفنون وتعتبر قبلة لراغبي دراسة الفن بشكل احترافي .
ولما لا ؟ فالمصريون متميزون في مجموعة كبيرة من الحرف اليدوية كصناعة السجاد والكليم المنتشرة في عدة مدن والفخار والخزف وتشكيل النحاس والمعادن والزجاج ، وتطريز الملابس وتشكيل الملح وهي حرف بديعة منتشرة في سيناء وسيوة ، وصناعات زعف النخيل وفنون الزخارف الحجرية والخشبية في النوبة وعشرات الحرف الأخرى، وتعد هذه المنتجات أكثر ما يقبل عليه السائح أثناء زيارته لمصر باعتبارها مختلفة وذات طابع ومذاق ورونق خاص مختلف تماما ومتميز عن غيره .
من هنا قد تولد فكرة إنشاء معاهد وكليات تعليمية متخصصة في الفنون والحرف اليدوية المصرية التي اقتربت من الاندثار بشرط أن تكون بمواصفات عالمية ومستوى غير مسبوق مع اختيار مدن ساحرة وجذابة كمقرات لها كواحة سيوة ومرسى مطروح وشرم الشيخ والأقصر وأسوان ومثيلاتها من جنان مصر على الأرض .
في اعتقادي إن مثل هذه الفكرة إن تحققت و تم تسويقها عالميا بشكل احترافي ستكون نقلة نوعية لمصر وعنصر جذب كبيرا لعشاق الفنون على مستوى العالم .
إن تواجد هذه المعاهد والكليات بالتأكيد سيفتح أبوابا عدة أولها جذب طلبة من مختلف دول العالم لتلقي العلم في مصر وهو ما يعتبر عودة لقيمة مصر الثقافية والعلمية والفنية دوليا ، وهو ما يؤدي أيضا لزيادة العملة الصعبة ، وبالطبع إذا حقق المشروع نجاحا سيساهم في زيادة الجذب السياحي ، وسيفتح بابا لتصدير المنتجات المصرية للخارج والتواجد في أسواق جديدة وهو ما سيؤدي لزيادة فرص العمل وتطوير المدن التي ستتواجد فيها هذه المعاهد ونقل سكانها أيضا نقلة نوعية مادية وثقافية ومن حيث مستوى المعيشة .
بالطبع نحن لا نستطيع منافسة العالم في جميع المجالات ولكن يمكننا تحقيق المنافسة ولو في مجال واحد فقط ، إن كل ما نحتاج إليه هو معرفة نقاط قوتنا وتميزنا والاستفادة منها بأكبر شكل ممكن كي نبدأ في استعادة أمجادنا ونريح في القبور أجدادنا ، وأنا على يقين دائما أن مصر تستطيع وأن أبناءها إن وجدوا السبيل سينطلقون بكل جد لتحقيق الهدف المنشود بغد أفضل .