العنيد
الثلاثاء، 06 نوفمبر 2018 11:14 ص
حماسي لرؤية الدكتور طارق شوقي نحو تطوير منظومة التعليم المصري، لا يمنعني من نقده صراحة في بعض الأحيان، خاصة أن الداعمين لجهوده، وأنا منهم، يدفعون عنه سيولاً عارمة مقاومة بقوة لهذه الجهود.
ليس أقل من أن يرفع عنّا حرج المواجهة، بما يُقدم عليه من آن لآخر من أفعال أو ردود أفعال تظلّ في مجملها غير منطقية، بخلاف ما يشوبها من اندفاع عنيد لا مُبرِّر له، ولعل ما جاء به الوزير المجتهد في الآونة الأخيرة، بشأن إنهاء صفقة "التابلت" لتوزيعه على طلاب أولى ثانوي، أو الهجوم العشوائي على مراكز الدروس الخصوصية في إطار تجريمها، لا أراه موفّقًا بأي حال من الأحوال.
لا يستقيم أن يُوجّه الوزير طارق شوقي ملياري جنيه من ميزانية هيئة الأبنية التعليمية لإنهاء صفقة "التابلت"، في وقت تبلغ فيه كثافة الفصول 80 تلميذًا، خاصة أن معظم هذه الفصول تحتاج إلى صيانة شاملة قبل أن يجلس فيها الطلاب وبين أياديهم أجهزة التابلت، ومعالجة ارتفاع كثافة الفصول الدراسية لن تتحقق إلا ببناء مزيد منها، والمُقَدّر العجز في أعدادها بما يقارب 250 ألف فصل دراسي، ولأن الهدف من وراء التابلت هو زيادة شغف الطلاب بالمناهج باستخدام وسائل تعليمية مُتطوّرة، تمهيدًا لإحياء قيمة تفاعل الطلاب والمُعلّمين في الفصول، فالأَوْلَى النزول بمتوسّط كثافة الفصول الدراسية، حتى تُتَاح بحق فرص التواصل الفعّال داخلها.
على الناحية الأخرى انطلقت حملات وزارة التربية والتعليم لإغلاق مراكز الدروس الخصوصية، التي أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، كامل مساندته لها، وذلك تمهيدًا لتجريم أنشطة هذه المراكز، وهو ما كان يمكن أن نُرحّب به ونؤيّده بشدّة لو أن منظومة التعليم مُنضبطة في المدارس، وكانت أوضاع المُعلّمين مُرْضَيَة، على الأقل بما يسمح لهم بأداء رسالتهم داخل جدران الفصول، ولكن طارق شوقي والذين معه ونحن و"الكُل كليلة" نعلم علم اليقين، أن التحصيل العلمي مكانه مراكز الدروس الخصوصية، وعليه فإن إغلاق هذه المراكز قبل إصلاح أحوال المدارس والمُعلّمين أزمة كبرى، وأضراره كارثية، ليس فقط على الطلاب، وإنما على تطوير المنظومة بالكامل.
ارتباك طارق شوقي يُضعف مواقفه في مواجهة المُعارضين لمشروعه الطموح لتطوير منظومة التعليم المصري، وعناده لا يُزيد هؤلاء المعارضين إلا إصرارًا على أن تذهب جهوده مع الريح، كما أن تصدّره المشهد وكأنه يعمل بمفرده، ودون أي حرص على تعظيم روح الفريق داخل الوزارة، أو حتى خارجها، من خلال تشكيل "لوبي" داعم يضمّ مختلف فئات المجتمع المصري، وفي المقدمة منها الإعلام، الوسيلة الأهم في التواصل مع الرأي العام، جميعها من دواعي الفشل، ولا تُمثّل أية مقدمات للنجاح، تطوير منظومة التعليم المصري، استراتيجية تحتاج لنفس طويل، وذكاء في وضع الأولويات، وحنكة في إدارة الموارد، وعقلية مرنة في التعامل مع تحديات التطبيق.
الأمر يطرح للنقاش من جديد جدلية الوزير السياسي والوزير التكنوقراطي، أو الفني المُتخصِّص، فالحسّ السياسي غائب عن أفعال وردود فعل عدد كبير من أعضاء حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، وفي القلب منهم الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، وتقديري أن الحس السياسي واستيعاب مفاهيم الإدارة الحديثة يُمثّلان أهم ما يجب توافره في شخص أي وزير قبل تكليفه، خاصة فيمن يشغل وزارة تمسّ مباشرة حياة الناس اليومية، وكنت ولا أزال أرى أن مصر وهي في مرحلة إعادة البناء، في حاجة إلى وزراء سياسيين في المقام الأول، خاصة أن تحديات المرحلة غير مسبوقة في صعوباتها، وسياسة فرض الأمر الواقع عفى عليها الزمن.