أكتوبر فوق الجميع
الثلاثاء، 09 أكتوبر 2018 10:48 ص
خمسة وأربعون عاماً ولا يزال مشهد الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر نَمَطياً يقتصر على وضع أكاليل الزهور على الأنصاب التذكارية للجنود المجهولين في القاهرة والمحافظات، وإطلاق أجواء البهجة عبر عروض القوات الجوية في سماء البلاد، وفتح أبواب المتاحف والمزارات العسكرية مجاناً للجمهور احتفالاً بيوم النصر، وطبعاً إعادة عرض ما نملكه من أفلام ومسلسلات تناولت الحدث في حينه أو بعده بسنوات، ولكنها لم تستطع في كل الأحوال أن تكون مرجعية حقيقية تواكب أهميته التاريخية السياسية والعسكرية، وقبل هذا وبعده تشغل الذكرى الغالية المساحات الأهم على خريطة برامج التوك شو معظم أيام الشهر وخاصة يومه السادس، كل ده شيء جميل وهايل ومحترم، ولكن.
لست أول من ينوه إلى أن كل هذا على قيمته لا يكفي، فعلها قبلي كثيرون طوال سنوات طويلة ماضية، وتعددت رؤى النُخْبَة في كيفية توثيق نصر أكتوبر بما يليق بمكانته العظمى في تاريخ مصر الحديث، والحقيقة أن معظم هذه الرؤى جدير بالاهتمام والدراسة، ولكن الأمر لا يتجاوز مشاطرة الأفراح في كل مرة، على الناحية الأخرى لا يترك العدو الاستراتيجي المهزوم في أكتوبر شاردة أو واردة إلا ويمارس من خلالها أساطيره التاريخية في صناعة أوهام وأكاذيب وصلت إلى حد التشكيك في معجزة عسكرية مصرية تحدث عنها العالم ولا يزال، لا تعتقدوا أن عرض فيلم "الملاك" مع مطلع الخريف الجاري جاء مُصَادَفَة.
نحن الآن قبل خمس سنوات من الذكرى الخمسين لنصر أكتوبر المجيد، وهي مدة كافية لأن يضع الجميع أمامه من الآن ملف اليوبيل الذهبي، ذكرى مرور نصف قرن على معجزة مصرية غيرت بالفعل في المفاهيم العسكرية والسياسية، بل وحتى الإنسانية بما شهدته من بطولات فردية وجماعية فاقت تصورات وقدرات البشر، والدولة مُطَالَبَة بأن تشكل على وجه السرعة لجنة عليا تعمل على وضع برنامج متكامل يليق بالحدث الكبير، وعلى أن يجتهد الجميع من ذوي الصلة المشاركين في إنجاز مراحله وفق برامج زمنية محددة، تنتهي باحتفالية كبرى تتواصل طوال عام الذكرى الخمسين للنصر، وليكن عنوان العام المنتظر "عام اليوبيل الذهبي لنصر أكتوبر المجيد".
لا يزال في الوقت متسع، وأن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً، خاصة وأن هناك أجيال شابة وناشئة لم تعرف بعد عن انتصار أكتوبر العظيم ما يجب أن تعرفه، ومن المهم أن نضعهم في صدارة أولويات اللجنة المشار إليها، فلا مستقبل لمن لا ماضي له، هؤلاء نحتاج لأن نأخذ بأيديهم إلى روح أكتوبر وبطولاته وإنجازاته بمختلف أبعادها العسكرية والسياسية والإنسانية، الشباب يشكلون ثلثي المجتمع المصري، وحقهم علينا أن نوجه لهم الرسالة بالأساس، ومن خلال وسائل متنوعة تواكب روح العصر، فلا يُعْقَل أن تجهل القوة الضاربة لمستقبل مصر قيمة نصر أكتوبر المجيد كأحد أهم نقاط التحول في تاريخ مصر الحديث.
أتصور أن اللواء أركان حرب دكتور سمير فرج مؤهل بقوة للقيام بدور فعال في قيادة دفة مثل هذا المشروع الكبير، باعتباره أحد القادة الأحياء ممن لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة - أطال الله أعمارهم - من سبعين عضواً شكلوا هيئة عمليات القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر المجيدة، وبما له من باع في إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة سابقاً، ورئاسة دار الأوبرا المصرية في عصرٍ ذهبي، وأعتقد أن مشروع سيناريو فيلم "أبواب الفجر" للراحل الكبير أسامة انور عكاشة، يصلح لأن يكون نقطة انطلاق تجتمع عليها أجهزة الدولة نحو استكمال محاور الاحتفال باليوبيل الذهبي لنصر أكتوبر المجيد، أكتوبر فوق الجميع.