أردوغان جعل أيام الصحفيين سوداء.. هكذا يستخدم الرئيس التركي تهم فضفاضة لقمع معارضيه
الجمعة، 26 أكتوبر 2018 04:00 م
لم يشهد التركي جان دوندار، على مدار عمره المهني كصحفي، و الممتد لأربعة عقود،عهدًا أكثر سوادًا وشؤمًا على الصحفيين الأتراك من عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، وبحسب لجنة حماية الصحفيين الأمريكية، فإن تركيا باتت الدولة الأولى في اعتقال الصحفيين، إذ يفوق عدد الصحفيين المعتقلين هناك ما لدى أي دولة أخرى.
و لا يمر يوم إلا و يلتقط جان دوندار أخبار زملائه الذين يُساقون إلى المعتقلات ويُمنعون من السفر ويواجهون اتهامات التحريض على الكراهية ومساعدة الإرهاب، فيما عمدت الدولة إلى تطويع وإخضاع وسائل الإعلام، أو ما تبقى منها للدقة.
نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن دوندار، المقيم في منفاه بألمانيا، أنه قد يؤخذ مباشرة من الطائرة إلى السجن إن هو عاد إلى بلاده، فهو متهم رسميًا هناك بالتجسس وتسريب معلومات سرية.
اقرأ أيضاً: علاقة التيارات الإرهابية بالخلافة العثمانية.. كيف صنع أجداد أردوغان جماعات الإسلام السياسي؟
وتابعت الصحيفة أنه بينما يملأ أردوغان الدنيا ضجيجًا مطالبًا بكشف حقائق وفاة الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل السفارة السعودية في إسطنبول، فإن دوندار وغيره من أنصار الصحافة يرون بوضوح مدى التناقض الصارخ بين قول أردوغان وفعله، هو الذي يشن واحدة من أعنف حملات قمع الصحافة في العالم.
وقال دوندار "إنه أمر يبعث على الأسى، إن كان أردوغان يهتم لأمر الصحفيين فماذا عنا نحن الصحفيين الأتراك؟"
ولطالما واجه الصحفيون الأتراك المخاطر المصاحبة لمهنتهم، لكنهم يُجمعون على أن أردوغان نجح إلى حد كبير في تكميم أي تغطية صحفية لا تروق لنظامه، في سبيله لترسيخ حكم سلطوي.
وحتى الصحفيين الذين نجوا من الاعتقال لم يسلموا من متاعب أخرى، فمنذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو 2016 أغلقت الحكومة التركية أكثر من 100 مؤسسة إعلامية، فضلًا عن حملة تطهير طالت عددًا ضخمًا من الصحفيين والموظفين المشكوك في ولائهم لنظام أردوغان في المؤسسات الإعلامية الباقية.
وقالت "واشنطن بوست" إن العديد من المؤسسات الإعلامية اضطرت لتكييف خطها التحريري مع توجهات حكومة أردوغان، بعد بيعها لرجال أعمال مقربين من الأخير، ومن ثم فقد تحولت إلى آلة للدعاية أكثر منها مؤسسات إعلامية.
ونقلت الصحيفة عن صحفي تركي قوله إن "الصحافة التركية ترقد في غيبوبة عميقة. أنا مضطر لممارسة الرقابة على نفسي. هناك محرمات ولا يمكنني كتابة ما أريد".
وفي تقرير مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود، احتلت تركيا المرتبة 157 من بين 180 دولة.
وكشفت الصحيفة أنه بالنسبة لأردوغان فإن الضوابط الإعلامية هي وسيلة للسيطرة على مجتمع يشهد استقطابًا حادًا ويتجه نحو مزيد من الأزمات.
وقال محللون إن أردوغان استغل قضية خاشقجي لتلميع صورته والظهور بمظهر حامي الحقيقة من ناحية، والإضرار بسمعة المملكة العربية السعودية من ناحية أخرى.
وتزعم السلطات التركية أن الصحفيين المعتقلين لا يمكن اعتبارهم صحفيين لأنهم تورطوا في أنشطة خارج نطاق اختصاصهم المهني، لكن الصحفيين الذين يخضعون للملاحقة القضائية يقولون إن هذه الأنشطة التي تتحدث عنها السلطات هي من صميم العمل الصحفي، مثل كتابة المقالات والتواصل مع المصادر وحتى العمل لدى مؤسسات إعلامية معينة.
وتابعت الصحيفة أن أردوغان حوّل علاقته بالصحفيين إلى عداء شخصي، وقال دوندار إنه عندما نشر في 2015 مقاطع فيديو وصور تثبت إمداد المخابرات التركية لجماعات بالمعارضة السورية بشحنات من الأسلحة، ظهر أردوغان بنفسه وهدده في خطاب علني بأنه "سيدفع الثمن"، وفي مؤتمر صحفي مع المستشاره الألمانية أنجيلا ميركل الشهر الماضي، وصف أردوغان دوندار بانه "جاسوس"، وطالبها بتسليمه لتركيا.
وقال " دوندار" أنه تمكن من مغادرة تركيا وحده قبل أن يصدر بحقه حكمًا بالسجن، لكن زوجته لا تزال داخل تركيا، يحتفظ بها أردوغان كرهينة للضغط عليه.
وكان " دوندار" قد أكد في حوار سابق مع إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية، تعليقًا على اتهام أردوغان شخصيًا له بكل هذه الاتهامات إن الرئيس التركي كاذب، وأنه مام من سجين في المعتقلات التركية متورط في أنشطة إرهابية، وإنما اعتُقلوا جميعًا بتهم تسريب معلومات والكتابة ضد الحكومة التركية وانتقاد سياساتها، مضيفًا أنهم مجرد صحفيين لا إرهابيين كما يزعم أردوغان ونظامه، الذي دأب على اتهام كل معارض بالإرهاب.
ويقبع ثلث الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، والمسئولين التنفيذيين بالمهنة في سجون تركيا، علمًا بأن أغلبية كبيرة منهم ينتظرون تقديمهم إلى المحاكمة، بحسب منظمة العفو الدولية.
وأوضحت المنظمة أن السلطات التركية أغلقت 180 وسيلة إعلامية على الأقل بموجب مرسوم تنفيذي أصدرته في إطار حالة الطوارئ المفروضة في البلاد. فالرسالة التي أرادت السلطات إيصالها وما ترتب عليها من تأثير على وسائل الإعلام واضحة ومقلقة؛ إذ إن شدة القمع الذي تمارسه الحكومة على حق وسائل الإعلام جعلت البعض يصفون ما يحدث بأنه "موت الصحافة".