أغازل وطنى فحسب!

الأربعاء، 24 أكتوبر 2018 02:20 م
أغازل وطنى فحسب!
د. ماريان جرجس تكتب:

 
نقول دائمًا، بل نشيد بعقيدة القوات المسلحة المصرية التي لا تتغيّر على مرّ السنين. تلك العقيدة التي تُهذِّب الوعي والإدراك للمقاتل الذي يحمل وسام الالتحاق بتلك المؤسسة، وتجعله يؤمن بالكل لا الجزء، بالمصلحة العامة قبل الخاصة. تلك العقيدة التي تجعل المقاتل يعي مفهوم الدولة جيدًا.
 
أما عنّا، فلا أعلم ما هو مفهوم الدولة لدينا؟ هل هي فقط الأرض التي نحيا عليها؟ أم هي بعض الشعارات والهتافات التي نتذكّرها في بعض الأعياد الوطنية والمباريات الدولية؟
 
إن استيضاح واستعراض مفهوم الدولة مع النفس هو أساس ترتيب الأولويات، وبالتبعية النتائج التي تلحق بالوطن.
 
عندما ترى مواطنًا ذات صباح يُنظِّف بيته أو مكان عمله؛ ليلقي بالمخلّفات خارج حدود المُربّع الخاص به ولا يعبأ بالشارع أو حتى جيرانه. عندما ترى مواطنًا في مؤسسة ما يضع حول مكتبه سياجًا؛ ليضع متطلباته من مأكل ومشرب وما إلى ذلك، متقوقعًا في ذاته حتى تأتي ساعة الانصراف، غير مهتمّ بتسيير مصالح الجمهور، عندما ترى طالبًا أو باحثًا لم يسع للبحث العلمي الحقيقي، ولكن تم تعيينه في مكان ما على حساب زملائه المُجيدين.. فهذا هو يا عزيزي القارئ الاعتراف الصريح جهارًا بعدم اعتراف هؤلاء بكلمة "دولة".
 
المقصود من كل تلك الأمثلة ليس المناداة بالفضيلة والمثالية، بل نقطة نظام، إن عُرف الغابة يفتقر إلى قانون وقواعد للعيش، فيسعى كل كائن لمصالحه الشخصية فحسب، أما عُرف الدولة وهيكلها يختلف عن ذلك، لا يتعارض مع المصلحة الشخصية أبدًا، ولكن في إطار مُقنّن، في نظام، في عقيدة عُليا وأرضية مشتركة يتفق الجميع عليها في الأصل ويختلفون في الفروع.
 
أي أن تكون المصلحة العامة للدولة هي الأولوية الأولى للشخص، لأنها تعود عليه بشكل أو بآخر، فانتهاك موارد اليوم يؤثِّر على أولاده غدًا، تعطيل سير العمل في المؤسسات هو أول السلسال لتعطيل كل الأعمال لكل الأشخاص، لأننا جميعًا نعمل في دائرة، الاستقلال الذاتي وتقوقع كل مواطن سيبوء بسلسلة من الركود المجتمعي والحياتي، بل الصعوبة والعرقلة حتى في أبسط التعاملات اليومية، ما يعود سلبًا على المواطن، وعلى الدولة بالطبع، فتصبح حياتنا عبارة عن مجموعة من التحديات!
 
إن ترسيخ مفهوم الدولة في الأذهان مثل ترسيخ العقيدة العسكرية، يضمن أن يعمل الجميع بشكل يُحقّق الاستثمار الناجح في بلدهم، دون تعارض للمصالح الشخصية على الإطلاق. بل على العكس، فإن تقديم المصالح الشخصية على المصلحة العامة إضرار بها.
 
فلنتخيل أن الدولة أرض خضراء مُثمرة، والجميع يريدون أن يأكلوا ثمارًا صحيّة منها، لكن لا أحد يريد أن يزرعها ويحرثها بأكملها بشكل سليم، ولكن كل منا يأخذ رقعة صغيرة منها، ونتسابق على المورد المائي لريّها، فكان الناتج أن الأرض الخضراء أهُدرت ولم تفلح حتى الرقعة الصغيرة!
 
إن الوطن يستحق مفاهيم صحية عن ماهية الدولة، وليس الغزل والتغنّي بالشعارات فقط.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق