لرد الشُبهات.. لماذا محكمة النقض مفترى عليها؟
الأحد، 21 أكتوبر 2018 09:00 ص
في الآونة الأخيرة صدرت عدة أحكام قضائية بالإعدام فى عدد من قضايا الإرهاب كما هو معلوم لدى الجميع، ما أدى إلى خروج جماعة الإخوان الإرهابية تلعب على وتر الأحكام الغير منضبطة أمام المجتمع الدولى، إلا أنهم يتجاهلون بشكل واضح أن 99% من هذه الأحكام قضت محكمة النقض أعلى محكمة مصرية بنقض الأحكام وإعادة محاكمة المتهمين أمام دوائر أخرى، فيما أيدت الحكم فى عدد ضئيل جداَ من قضايا الإعدام.
السؤال الذى يجب الإجابة عليه لتوضيح الأمر وإزالة أية إلتباس قد يستغله البعض فى محالو للتشكيك فى أحكام القضاء المصرى الذى تربينا على أنه قضاء نزيه..لماذا تؤيد محكمة النقض بعض أحكام الإعدام بينما ترفض أحكام أخرى، وهل لأحكام الإعدام ضمانات تُذكر طبقا للقانون المصرى؟.
فى البداية، رجب السيد قاسم، المحكم الدولى والمحامى بالنقض، أنه يجب الفهم بالنسبة لأحكام الإعدام أن خالق الروح هو صاحب الحق الأصيل فى أخذها أو نزعها، حيث أن صانع الشئ هو الوحيد الذى يحرص على المحافظة عليه، فقد جاءت جميع التشريعات السماوية والدينية على حرص الله تعالى الخالق على خلقه: وذكر فى قوله تعالى: «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق» صدق الله العظيم. وقوله جل وعلا «ومن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً».
ومن المعلوم-بحسب «قاسم» فى تصريح لـ«صوت الأمة»-جاءت المجالس الإقليمية والدولية حديثاَ التي تشارك ووتفاعل فيها حكومات العالم للوصول إلى إتفاق على منظومات التشريعات التي تحقق للإنسانية الحياة الآمنة، تلك الإتفاقيات وصلت فى نهاية المطاف إلى ما يُطلق عليه اليوم بالمواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية والإقليمية التي تلزم الدول حال مصادقتها على تعديل القوانين المحلية للتوافق معها.
دور محكمة النقض
وعن دور محكمة النقض فى أحكام الإعدام، يُجيب الدكتور أحمد الجنزورى، أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض، أن محكمة النقض يتمثل دورها فى كونها تحاكم الأحكام الصادرة من محاكم أول درجة، وذلك بغرض البيان أن الطعن المُقام من الطاعن سواء المحكوم عليه فى أحكام الإدانة أو النيابة العامة فى أحكام البراءة فى محلها من عدمه، ومن ثم تتطرق المحكمة على ضوء ما يبين لها، فيما تذهب المحكمة بناء على ما يتضح لها وهى مقيدة بتلك المناعى إلا إذا كانت تتعلق بالنظام العام فإن محكمة النقض من تلقاء نفسها تتعرض لهذه المثالب حيث تقضى فيها من تلقاء نفسها.
اقرأ أيضا: الفصل بدرجات القرابة في القانون.. فك لوغاريتمات المواريث والنفقة والزواج
وفيما يتعلق للإعدام-وفقا لـ«الجنزورى» فى تصريح خاص-الوظيفة لدى محكمة النقض المصرية تكون ذات طبيعة خاصة حيث تقتضيها إعمال رقابتها على عناصر وخصائص الحكم كافة قانونية وشكلية موضوعية، وذلك نظراَ لجدية الأمر وخطورته فإنه طبقاَ لقانون النقض فإن القضايا المحكوم فيها بـ«الإعدام» تعرض بشكل رسمى ومباشر عن طريق النيابة العامة على محكمة النقض، حيث أن هذا الإجراء وجوبى حتى ولو لم يطعن المحكوم عليه، وتشفع النيابة ذلك بمذكرة برأيها خلال الميعاد المقرر قانوناً وهو 60 يوماً.
ضمانات الإعدام
حكم الإعدام نظراَ لخطورته على حياة الإنسان التى أمر الله تعالى بحفظها فإن محكمة النقض المصرية تتصل بالطعن بشكل مباشر حتى فى حال عرض النيابة العامة له بعد الميعاد -، وذلك لأن النص على الميعاد سالف البيان نص يُعد نصاَ إرشادياَ وتنظيمياَ لا يعمل على تعطيل عرض القضية بتجاوزه أو مروره، ليس ذلك فقط بل إن يدخل ضمن ضمانات حكم الإعدام أن محكمة النقض المصرية تنظر الطعن حتى ولو لم تقدم النيابة العامة مذكرة برأيها، ولا تتقيد المحكمة برأى النيابة العامة-بحسب «الجنزورى».
كل هذه الإجراءات سالفة البيان تحرص عليها محكمة النقض المصرية، حرصاَ على حياة الإنسان ولتلافى الانتقادات العديدة وعمليات التشكيك الموجهة إلى عقوبة الإعدام من قبل ما يُطلق عليها بمنظمات المجتمع المدنى، وكذا لتوفير الضمانات الكافية من أجل التحقق من صحة تطبيق هذه العقوبة الخطيرة فى الوقت الذى تبحث فيه محكمة النقض المصرية الحكم ومدوناته، وهل هو صادراً طبقاَ لصحيح القانون بالنسبة للأدلة والحجج والبراهين والعقوبة الموقعة، وكذا بحث التحقيقات ومرافعات الدفاع، ومحاضر الجلسات، وإجراءات الاستدلالات-الكلام لـ«الجنزورى».
محكمة النقض المصرية من الناحية القانونية لا تتقيد برأى النيابة العامة أو المحكوم عليه فى أحكام الإعدام، ولها الحق الكامل فى أن تنقض الحكم لأسباب عدة سواء للخطأ فى تطبيق القانون أو بسبب بطلانه وأن رقابتها القانونية على الحكم تكون على عناصره كافة، سواء القانونية أو الموضوعية أو الشكلية، كما أن لمحكمة النقض المصرية أن تعمل على تصحيح الخطأ القانون ولها الحق فى أن تنقض الحكم صراحة وتحيل الدعوى إلى محكمة الموضوع لنظرها من جديد-طبقا لـ«الجنزورى».
رأى فضيلة المفتى
ليس هذا فقط بل إن محكمة النقض من خصائها فى حال حكم الإعدام أن تقضى بامتداد ذلك لباقى المتهمين فى حال عدم تقديم أسباب للطعن أو لم يقرروا بداية بالطعن النقيض، أو إذا كانت مناعيهم غير سديدة، وذلك لحسن سير العدالة ولوحدة الواقعة، كما أنه من الضمانات القانونية التى أوجبها القانون وقبل الحكم بالإعدام من محكمة الموضوع والتى يجب على محكمة النقض مراقبتها هى أنه من المقرر ووفقاً لقانون الإجراءات الجنائية وجوب استطلاع رأى المفتى قبل إصدار الحكم بالإعدام حتى لو كانت المحاكمة للمرة الثانية.
اقرأ أيضا: دور على حقك الضايع.. كيفية المطالبة بـ«الريع» ومتى يسقط الحق وفقا للقانون؟
رأى المفتى قبل إصدار الحكم بالإعدام حتى فى حال إذا كانت المحاكمة للمرة الثانية فلا غنى عن أخذ رأيه فى المرة الأولى على أساس أن ذلك الإجراء من الشروط اللأزمة لصحة الحكم بتوقيع هذه العقوبة قد أوجبه واقره القانون لذاته وبرغم أنه لا تقيد المحكمة بنتائجه، بمعنى آخر أنه يجوز لمحكمة النقض أن تخالف رأى المفتى لأنه رأياَ استشارياَ بل ولا يجب انتظاره ما لم يرد خلال المدة المقررة «10 أيام» التالية لإرسال الأوراق إليه، بل يجب أيضاَ على محكمة النقض المصرية استطلاع رأى فضيلة المفتى فى حال نظرها القضية التى أمامها كمحكمة موضوع قبل إصدارها حكماً بالإعدام-هكذا يقول «الجنزورى».
الشرائط القانونية
فيما يؤكد ميشيل إبراهيم حليم، الخبير القانونى والمحامى بالنقض، أن محكمة النقض المصرية تعمل رقابتها بشكل كامل على عناصر الدعوى كافة، الموضوعية والشكلية والقانونية، وذلك لتمحيص الدعوى المنظورة منذ بدايتها حتى صدور الحكم فيها من محكمة أول درجة مستوفياً الشرائط أو الشروط القانونية السابقة دون أن تترك شاردة أو وأردة، وذلك لجدية الموقف وخطورته حيث أنه لا يمكن تلافى الخطأ فى أحكام الإعدام، فلو نفذ الإعدام على سبيل المثال وتبين وجود خطأ لم تنتبه محكمة الموضوع أو محكمة النقض إليه، إذ أن المفقود لا يعود للحياة مرة أخرى بعكس الحال فى الأحكام الأخرى المقيدة للحرية والتى يمكن تلافيها بعد ذلك «كالتماس إعادة النظر لو توافرت موجباته».
ومحكمة النقض-وفقا لـ«حليم»- تستوثق وتراجع للتأكد ما إذا كانت أوراق القضية المنظورة أمامها خلت مما يُعد بطبيعة الحال إخلالاً بحق الدفاع من عدمه، ذلك أن القانون قرر وفقاً لما نص عليه فى الدستور «م67» وكذا قانون الإجراءات الجنائية، أن يكون لكل متهم فى جناية محام يدافع عنه، كما أنه يجب أن يكون الدفاع جدياً حتى تتاح للمحكوم عليه فرصة الدفاع عن نفسه دفاعاً كاملاً حقيقياً لا مبتوراً ولا شكلياً أمام سلطة القضاء، فإذا رأت محكمة النقض أن ما أبداه الدفاع غير ذلك فلها أن تقضى - ومن تلقاء نفسها، ودون أن يثير أحد ذلك - بنقض الحكم وإعادة الدعوى لمحاكمة المتهم أمام دائرة أخرى.
وفى الأخير، أكد «حليم» أن الأحكام الصادرة من محكمة النقض خلال الفترة الماضية تدحض كل الإفتراءات حولهاحيث أنها رفضت الطعن فى عدة قضايا لكبار المسئولين السابقين الذين سبق اتهامهم فى قضايا عدة منها التربح والكسب غير المشروع والرشوة حيث كان المتهم فيها أشخاصاَ كما يدعى البعض ذا مكانة كوزير أو محافظ، وذلك لأن محكمة النقض المصرية لا تراعى سوى ضميرها والقانون.