في ذكرى رحيل يوسف بك وهبي.. ابن الذوات المشخصاتي عصى والده فنجا من حادث قطار
الأربعاء، 17 أكتوبر 2018 01:00 م
في السابع عشر من أكتوبر عام 1982، رحل عن عالمنا يوسف عبد الله هديب وهبي قطب، الشهير بيوسف بك وهبي، أحد أبرز رواد المسرح المصري والعربي، ابن الذوات الذي أحب التشخيص..أو التمثيل، وعشقه منذ صغره، وأسس مسرح رمسيس، وتعب في عمل طفرة فنية حقيقية، جعلت من مصر رائدة في فن المسرح.
في كتابها المهم الصادر عن دار الشروق بعنوان "يوسف وهبي سنوات المجد والدموع" توثق الإعلامية راوية راشد، سيرة فنان كبير، صاحب اسم رنان، امتد حضوره إلى ما بعد رحيله، وحتى اليوم، وأصبح جزءا نابضا بالحياة في ذاكرة الناس، ترك إرثا ثريا مشاعا، ينتقل من جيل لجيل، يوسف وهبي لم يكن حلمه أن يغدو ممثلا مرموقا وحسب، بل أن ينشئ مدينة كاملة للفنون، فاختار اسما فرعونيا لمسرحه، رمسيس، يعبر عن نزعته الوطنية الرانية لإثبات الذات، في مواجهة الاستعمار.
رائد المسرح العربي
في الكتاب مقتطفات مهمة من عصر يوسف وهبي، من نحو ذلك ما أوردته راوية راشد من إعلان عن دعوة مسرح رمسيس للموهوبين، يقول الإعلان: "مسرح رمسيس يفتح أبوابه للموهوبات من السيدات والآنسات من الوجوه الجديدة، كوني البطلة القادمة لفرقة رمسيس"، كان هذا الإعلان بمثابة رصاصة أطلقها يوسف وهبي على فكرة "البريمادونا" أو النجمة الأولى للفرقة المسرحية، حطم بها أسطورة البطلات المسيطرات على أي رواية تمثلها الفرقة المسرحية. هكذا كان يوسف وهبي، محرر المسرح من تقاليد بالية سيطرت عليه لسنوات.
غلاف كتاب راوية راشد
عاش يوسف وهبي حياة عريضة، بدأت عام 1896، حينما وُلد في عائلة ثرية، لوالده عبد الله أفندي وهبي، مهندس الري الذي نجح فى استصلاح مئات الفدادين فى الفيوم، فصارت كلها ملكه، وهو الأب الذي تصدى قدر استطاعته لرغبة ابنه في أن يصير فناناً، لكنه فى النهاية رضخ لرغبته وحوّل له إلى إيطاليا ربع مليون ليرة، تعينه على استكمال دراسته للمسرح هناك، وكذلك ساعدته في تأسيس مسرح "رمسيس" في شارع عماد الدين، العام 1923.
كانت الأوضاع في مصر مهيأة لبزوغ نجم يوسف وهبي، وإن كان الطريق مليئا بالصعاب، تسلط راوية راشد الضوء على الحركة الفنية التى هيّأت لظهور وهبي، والظروف السياسية التي أسس خلالها مسرح "رمسيس". إذ يُستهل الكتاب بفصل بعنوان "مقدمة لا بد منها عن تاريخ المسرح في مصر"، سردت فيها الإرهاصات الأولى لظهور المسرح في مصر منذ الحملة الفرنسية، وما بعد وصول محمد علي إلى السلطة العام 1805، وتأثيرات اللبنانيين والشوام فى المشهد المسرحي المصري، ومنهم يعقوب صنوع وسليم النقاش، وسليم قرداحي الذي غير مجرى حياة يوسف وهبي حينما شاهد فرقته الجوالة فى طفولته
تستعين راوية راشد بمذكرات يوسف وهبي، وتقتطع منها فقرة بالغة التعبير عن حياته الحافلة، يقول فيها: "عشرات السنين عشتها بين مد وجزر، في قصور فاخرة، وغرف على السطح، يشاركني فيها الدجاج، رأسمال ضخم ورثته عن أبي وأضعته، ثم استرددته، ثم أضعته، دوامة لا تهدأ، فقر وغنى، شظف وترف، ظلام وأضواء، قامرت وربحت وخسرت وانتصرت وهُزمت، ولكني لم أسلم سلاحي، ولم أخضع للأقدار".
يوسف وهبي بصحبة أمينة رزق وأعضاء مسرحه
سيعيدك كتاب راوية راشد إلى شارع عماد الدين، حتما ستشعر برغبة أن تتخيل نفسك فى مصر أثناء العشرينيات ومنتصف الثلاثينيات، بينما الشارع عامر بمسارح نجيب الريحانى، ومسرح رمسيس الذى أسسه وهبى، وغيرها، تستعيد راوية راشد فى أول الكتاب الحركة المسرحية فى مصر، وكيف كان لها فضل مقاومة الاستبداد، فى عهدى الخديو إسماعيل وعباس حلمى الثانى، وهو ما جعلهما ينفيان بعض المسرحيين، ويغلقان مسارحهم، تحمل سيرة يوسف وهبى التى جمعتها راوية راشد فى هذا الكتاب بالاعتماد على سير عديدة ومذكرات كل من يوسف وهبى نفسه، وفاطمة رشدى، ومحمد التابعى، وفتوح نشاطى، تحمل عبق مصر فى فترة حاسمة للغاية من تاريخها، فترة انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكتابة دستور 1923.
يوسف وهبي مجسدا أحد الأدوار التاريخية
يحوي الكتاب أيضا قصة حب يوسف وهبي والفنانة الإيطالية التي رشحته لدور فى فيلم صامت إيطالى، كان ذلك بعدما سافر يوسف وهبى إلى ميلانو على متن باخرة دبر حق تذكرة السفر من بيع مصوغات الدادة رقية، من أجل تحقيق حلمه فى السفر إلى إيطاليا، ودراسة المسرح، كانت فكرة السفر إلى الخارج قد سيطرت على عقل وهبى، فيضطر لبيع أساور دادته، ويسافر إلى المجهول على متن الباخرة حلوان، المتجهة إلى ميناء تيويستا الإيطالية، ومنها يستقل قطارا إلى ميلانو، حيث بات ليلته في الشارع أمام مسرح عدن، غريبا وشريدا.
يخالف يوسف وهبي رغبة والده في الالتحاق بكلية الطب ببرلين، حيث أرسل مع شقيقه عباس وهبي برقية يرجوه أن يركب القطار الذي يقل 150 طالبا مصريا، جاؤوا من ميناء تيريستا، وسيسافرون إلى برلين، عصى يوسف وهبي رغبة أبيه، والحمد لله أنه فعل، إذ انقلب القطار الذي كان يقل الطلبة، وسقط بهم بين جبلين، ولقوا مصرعهم جميعا.
يوسف وهبي وأمينة رزق التي ساندته في محنته
تأسيس مسرح رمسيس من أبرز ما جاء في كتاب راوية راشد، ها هو الحلم يتحقق، أخيرا يوسف وهبي سيقف على خشبة المسرح الذي كان دائما يجلس أمامه، متطلعا وشاخصا إلى الممثلين الذين يؤدون عليه، استأجر سينما راديو، وحولها إلى مسرح، وجهزها بخشبة مسرح من شركة رولان، وزودها بفوتيهات مريحة مغطاة بالقطيفة الحمراء، وعمل ستارة للمسرح من القطيفة بحليات ذهبية، وأطلق حملة إعلانية ضخمة تعلن عن قرب الافتتاح.
يوسف وهبي
ومثلما عاش يوسف وهبي انتصارات ظهور مسرحه، وعرضه المسرحيات عليه، عاش أيضا أوقات شدة عديدة، منها تعرضه للإفلاس، والمحن التي مر بها مسرحه، وهنا ساندته أمينة رزق، ببيع مصوغاتها الذهبية لسداد ديونه، اللافت في سيرة راوية راشد، الدور الذي لعبته أمينة رزق في حياة يوسف وهبي، ومساندتها له، إلا أنه لم يتزوج منها لرد الجميل، كان يراها أعظم من أن يظلمها بالزواج.