خطة «الخداع الاستراتيجى» للعدو.. الجندى المجهول فى حرب أكتوبر المجيدة
السبت، 06 أكتوبر 2018 11:00 ص
عجزت آلاف الكتب عن توثيق أو تسجيل التفاصيل الدقيقة لحرب أكتوبر المجيدة 1973، لما لها من أسرار كثيرة لا يعرفها إلا قادة الحرب أنفسهم، أو الأبطال الذين شاركوا فى العبور المجيد، حيث شاركت فى تلك الحرب العظيم، والتى أطلق عليها حرب العزة والكرامة، جميع مؤسسات الدولة المصرية من أجهزة وهيئات ووزارات ارتبطت معا، من أجل خلق منظومة متكاملة دافعة للنجاح.
تعددت النجاحات المرتبطة بحرب أكتوبر المجيدة، حيث كان منها النجاح المباشر بالعبور العظيم، إلى جانب نجاحات أخرى فى التصدى لكل التحديات التى واجهت الدولة، وإزالة كل المعوقات أمام تحقيق الانتصار، وكان ملف «الخداع الاستراتيجى» الذى أعدته الدولة المصرية فى مواجهة العدو، شاهدا على نجاح أبطال القوات المسلحة المصرية، حيث كان الهدف منه أن يظل العدو ساكنا وتظل تحركاته أقل من الطبيعى فى مواجهة تحركات جيش بأكمله يستعد للعبور فى 6 أكتوبر عام 1973.
اعتمدت خطة الخداع الاستراتيجى التى نفذتها القوات المسلحة المصرية بالتنسيق الكامل مع جميع مؤسسات الدولة، على عدة محاور استهدفت جميعها إحكام السيطرة تماما على كل ما يتلقاه العدو من معلومات بمختلف الطرق، والتى نجحت الدولة فى تنفيذها من خلال أجهزة المعلومات المصرية، وبأقل إمكانيات أتيحت لها فى ذلك التوقيت.
وجاءت أهم محاور خطة الخداع الاستراتيجى لحرب أكتوبر المجيدة فى ضرورة إبعاد فكرة قيام حرب بشكل كامل لدى القادة الإسرائيليون فى ذلك الوقت، وظهور الجيش المصري أمامهم وكأنه فى وضعه الطبيعى لم يحرك ساكنا، وتمكنت الجبهة المصرية بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات من تنفيذ خطة الخداع بشكل محكم إلى أقصى الحدود، حيث تمكنت الجبهة المصرية من خداع إسرائيل وجنرالاتها، بأنه لانية تماما لخوض مصر حرب فى ذلك التوقيت، رغم أن الجيش المصرى كان يتخذ خطوات ثابتة من جهة أخرى نحو معركة العزة والكرامة.
من جهة أخرى، تم تنسيق خطة الخداع الاستراتيجى مع جميع مؤسسات الدولة، خاصة وزارتى الإعلام والخارجية، اللتين بذلتا جهودا كبيرة جدا فى تنفيذ عملية الخداع والتمويه عبر الإذاعات الداخلية والخارجية، إلى جانب الدور الهام للسفارات المصرية بالخارج، والتى استطاعت إبراز عدم جاهزية مصر فى ذلك الوقت لخوض أى حرب، وذلك لخداع العدو استعدادا لإطلاق الشرارة الأولى للحرب دون دراية العدو.
وكان اللواء الراحل فؤاد نصار، مدير المخابرات الحربية الأسبق، أكد فى حوار صحفى نشر عام 2009، أن نجاح حرب أكتوبر يرجع لعاملين أساسيين، هما المعلومات والمفاجأة، قائلا: «كان أساسا عمليا وقد تعلمت درساً وأخبرت به الرئيس السادات، وهو أن روسيا عندما أرادت أن تهاجم تشيكوسلوفاكيا أجرت مناورة على الحدود، ودخلت عن طريق هذه المناورة، ولذلك بدأنا إجراء مناورة كل سنة، وقلنا يجب أن نستغل هذه المناورة لشن حرب من خلالها، أما التخطيط وموعد الحرب فهذا ما كنا نحافظ عليه لدرجة أن أحداً لا يعرف إلا المطلوب منه فقط»
اللواء الراحل فؤاد نصار، مدير المخابرات الحربية الأسبق، أكد أيضا أن نظرية الأمن الإسرائيلية كانت تعتمد فى الأساس على عنصرى القوة لديها وهما «الطيران والمخابرات»، وكان العنصر الأخير فى نظرهم يشكل العنصر الرابع على مستوى العالم بعد المخابرات الأمريكية والروسية والإنجليزية، بينما كانت المخابرات المصرية فى أكتوبر 73 تعلم أنها تعمل تحت ملاحظة العدو مباشرة من الضفة الشرقية، فضلا عن قدرة المخابرات الإسرائيلية فى الحصول على معلومات بمعاونة بعض الدول الأخرى، فكان القرار بالسعى دائما لإخفاء تحركات القوات وحشدها، حيث كانت تعليمات التخطيط أن تبدأ التحركات بأقل عدد من الأفراد، ثم تتسع طبقاً لتطور التخطيط، وأن يعلم كل فرد قدر ما يخصه من واجبات ومستويات فقط، وأن يكتب كل فرد التعليمات والوثائق بنفسه، ولا تتم كتابتها بالآلة الكاتبة، ولا يتم تداولها إلا بتصديق من القيادة، لمفاجأة العدو وخداع الجيش الإسرائيلى».
وأضاف مدير المخابرات الحربية الأسبق، أنه كان على القيادة تنفيذ 3 شروط رئيسية، أولها الحرص على أن يكون توقيت الحرب سرا دفينا، وألا يتم تحديده إلا فى آخر لحظة، وثانيها الحاجة إلى أعمال التخطيط التفصيلى بجميع المستويات، والاستطلاع المكثف، وثالثها وضع خطة حرب لتدريب القوات المسلحة عليها، مشيرا إلى أنه لاستكمال خطة الخداع الاستراتيجى، أعلن الجيش المصرى عن مناورة عامة تبدأ أول أكتوبر وتنتهى 7 أكتوبر، ولتأكيد ذلك أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الضباط الذين يريدون إتمام مناسك العمرة بالاستعداد لذلك عقب المناورة، على أن تصل تلك المعلومات والتحركات لإسرائيل، موضحا أنه كانت هناك خطة خداع أخرى فى 27 سبتمبر، حيث تم إعلان تعبئة 120 ألف جندى، ويوم 4 أكتوبر تم «تسريح» 20 ألفا منهم على أن يتم تسريح العدد المتبقى تباعا،ً لتضليل المخابرات الإسرائيلية.
جاء ضمن خطة الخداع الاستراتيجى، مشاركة الرئيس السادات فى تصدير صورة للعالم بأن مصر تسير فى طريق آخر غير الحرب، حيث أجرى جولة عربية شملت السعودية وسوريا وقطر، وكانت كلها مباحثات فى إطار دعم القضية المصرية بالحلول السلمية، إلى جانب طرده الخبراء السوفييت فى محاولة منه لخداع العدو، وتصدير صورة مفادها أن الجيش المصرى ليس لديه نية للتطوير أو استكمال التسليح من أجل الحرب فى ذلك الوقت.
شملت خطة الخداع الاستراتيجى أيضا، نشر الصحف المصرية فى 3 أكتوبر 1973 خبرا يفيد بفتح باب العمرة لأفراد القوات المسلحة، إلى جانب نشر خبر حول زيارة وزير دفاع رومانيا إلى القاهرة يوم 8 أكتوبر، وأن المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية، سيكون فى استقباله بنفسه، بالإضافة إلى خبر آخر حول بدء تسريح أفراد الاحتياط للمناورة التى تم الإعلان عن انتهائها قبل أيام معدودة من بدء الحرب.