هاجر من الأندلس لدمشق وزار مصر.. هكذا جمع «ابن مالك» قواعد اللغة العربية بأبيات شعر
الأحد، 30 سبتمبر 2018 04:00 ص
أثار عدد من الأحداث المرتبطة باللغة العربية وهمومها، مصرياً وعربياً، شجوناً وأحزاناً، بينما يمثل بعضها الآخر تفاؤلاً وأملاً، حيث أنهى المكتب الفني لقطاع المعاهد الأزهرية، جولته بشأن تدريب معلمي المرحلة الابتدائية، لتنمية كفاءتهم المهنية، ورفع قدراتهم الأكاديمية فى اللغة العربية.
وعلى المستوى العربى، تستعد الجامعة الإلكترونية السعودية، لتدرس اللغة العربية في 45 جهة تعليمية إندونيسية، كما أثار استخدام عبد القادر مساهل وزير الخارجية الجزائري، اللغة الفرنسية بدلاً من اللغة العربية "الأمّ"، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أيام، جدلاً وردود فعل غاضبة، حُبّاً وغيَرة على دراسة لغتنا الجميلة، هذه اللغة التى كرّمها المولى تبارك وتعالى، وجعلها حافظة لكتابه الكريم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وختم بالقرآن العظيم الرسالات السماوية، وأسبغ على لغة الضاد فضله وإحسانه، فهى أيضا لغة تأدية العبادات من صلاة وشعائر الحج وقراءة القرآن.
وبذلك يصبح الحفاظ على اللغة العربية واحترامها وتقديرها، ليس هدفاً قومياً ولا عروبياً ولا أخلاقياً فقط،بل هو أهداف وغايات دينية وشرعية وقانونية، للراحة والسكينة والكرامة والأصالة والسباحة فى هذا الفيض الربانى، الذى اختاره الرحمن الرحيم لنا.
الجامع الأزهر
وقد أوصانا القرآن الكريم والسُنّة النبوية المُطهّرة، بإجلالها وتعظيمها وتعلّمها وتعليمها كابراً عن كابرٍ، وهو ما وعاه الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، وصولاً إلى رجالٍ تفتقت قريحتهم على حب "العربية" كتابة وقراءة وتحدّثاً، وعندما علموا أسرارها أخذوا على عاتقهم تيسيرها وتسهيلها إلى الأبناء والأحفاد والذُرّية من بعدهم، وطالبى العلم فى مشارق الأرض ومغاربها.
وقد برع فى نقل علوم العربية إلينا الكثيرون، غير أنّ هناك من فتح الله عليه فى أن يصيغ قواعد لغة القرآن الكريم فى أبيات شعر، حتى يخفف من ثقل أمانتها وتعلّمها، وهم كُثر، وكان من هؤلاء الكرام العظام، الإمام محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجَيّاني المعروف بـابن مالك نسبةً إلى جيّان - بفتح الجيم وتشديد الياء بالأندلس، والتي بها وُلد ابن مالك عام (600 هـ -672 هـ)، وهو عالم لغوي كبير، وأعظم نحوي في القرن السابع الهجري.
مولده وترحاله وعلمائه
وُلِد ابن مالك بالأندلس، وهاجر إلى الشام، واستقر فى دمشق، ووضع مؤلفات كثيرة، أشهرها الألفية، التي عُرِفت باسم "ألفية ابن مالك"، وقد نظمها فى ألف بيت من بحر الرجز، وتتناول الألفية قواعد النحو والصرف ومسائلهما من خلال النظم الشعرى بهدف تقريبهما، وتذليل مباحثهما، وقد بدأها بذكر الكلام وما يتألف منه، ثم المُعرب والمبني من الكلام، ثم المبتدأ والخبر، ثم تتابعت أبواب النحو بعد ذلك، ثم تناول أبواب الصرف، وختم الألفية بفصل في الإعلال بالحذف، وفصل في الإدغام، ومن نظم شعره ما قاله في تعريف ومعنى الكلام، وما يتألف منه، وقد بدأ الألفية بتعريف الكلام فقال:-
كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كَاسْتَقِم واسْمٌ وَفِعْلٌ، ثمَّ حَرْفٌ - الكَلِمْ
واحدُهُ كلِمَةٌ والقَوْل عَـمْ وكِلْمَةٌ بها كـلامٌ قـد يُؤَمْ
بالجَرِّ والتَنْوِين والنِّدَا، وَأَلْ وَمُسْنَدٍ للاسْم تَمييزٌ حَصَلْ
بتا فَعَلْتُ وَأَتت ويا افْعَلِي ونُونِ أَقْبِلَنَّ فِعْلٌ يَنْـجَلِي
تلقى «ابن مالك» تعليمه على عدد من علماء الأندلس كأبي علي الشلوبين، ثم ارتحل إلى المشرق فنزل فى حلب، واستزاد من العلم من ابن الحاجب وابن يعيش، وقدم إلى مصر وأخذ العلم عن بعض علمائها، وقد كان إماماً في النحو واللغة، وعالماً بأشعار العرب والقراءات ورواية الحديث، ويذكر عنه أنه كان يسهُل عليه نظم الشعر، وهو ما جعله يترك منظومات شعرية متعددة، منها الألفية النحوية، وكذلك الكافية الشافية، في ثلاثة آلاف بيت وغيرها، وقد توفي في دمشق عام 672 هـ.
منهج ابن مالك فى وضع الألفية
التزم ابن مالك في الألفية بالمنهج الاختياري الانتقائي، الذي يقوم على المزج بين مذاهب النحاة دون ميل أو انحياز لأحد منهم، والاختيار من هذه المذاهب والترجيح بينها، وهو منهج التزمه في مؤلفاته كلها ،كما توسَّع في الاستشهاد بالحديث النبوي، واتخذه أساساً للتأصيل النحوي إلى جانب الاستشهاد بالقرآن الكريم بقراءاته المختلفة وأشعار العرب.
كما يُذكر لابن مالك الفضل فى أنه وضع عناوين جديدة لبعض مسائل النحو، لم يستخدمها أحد قبله من النحاة، مثل باب "النائب عن الفاعل"، وكان جمهور النحاة قبله يسمُّونه "المفعول الذي لم يُسمَّ فاعله"، و"البدل المطلق" بدلاً من قولهم "بدل كل من كل"، و"المُعرّف بأداة التعريف" بدلاً من "التعريف بأل".
شرح ألفية ابن مالك
وجدت ألفية ابن مالك عناية كبيرة من العلماء والباحثين فى "العربية" من البداية وحتى الآن، فقام بعضهم بشرحها وإعراب أبياتها،ومن شروحها، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، و"عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك"، وشرح ابن عقيل، ومنهج السالك إلى ألفية ابن مالك المعروف بـ"شرح الأشموني".
وكان ابن مالك إماماً زاهداً ورعاً، حريصاً على العلم وحفظه، حتى إنه نُقل عنه حفظه يوم وفاته ثمانية أبيات من الشعر، وقد تُوفِّي في يوم الاثنين 12 شعبان 672 هـ الموافق 21 من فبراير 1274م، في دمشق وصُلِّي عليه خلق كثير بالجامع الأموي، ودفن بسفح جبل قاسيون.
شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك
عرف فضل ابن مالك، كل من درس اللغة العربية، أو قرأ وتبحّر فيها وفى علومها، وخاصة طلاب وأساتذة الأزهر جامع وجامعة، ودار العلوم جامعة القاهرة، وأقسام اللغة العربية فى الكليات بمصر والعالم العربى والإسلامى، كما أخبرنا بذلك "كامل طنطاوى" بكلية القرآن الكريم بطنطا.
وأضاف أنه كَتَب عنه وفيه الآلاف من طلاب العلم والباحثين والعلماء والخبراء فى إنحاء المعمورة، ومازالوا حتى يوم الدين، نتيجة لدوره فى تبسيط قواعد اللغة العربية فى منظومة شعرية.
إعراب ألفية ابن مالك