كيف يتهرب الكبار من دفع الضرائب؟.. رئيس شبكة العدالة الضريبية: الحيل المستخدمة قانونية
الخميس، 20 سبتمبر 2018 03:00 مأمل غريب
تعاني الدول النامية والفقيرة، من أزمة حقيقية في تحصيل الضرائب من رجال الأعمال الكبار، أصحاب كبرى الشركات الاستثمارية والاقتصادية، اللذين يلجئون لحيل إجرامية لإخفاء مكاسبهم الحقيقية التي يحصلون عليها كعائد استثماري من مشروعاتهم الاقتصادية، فما يقومون بتسجيله على الأوراق الرسمية لا يعبر عن (1%) من مكسبهم الحقيقي، وهو ما يؤدي إلى تدني مستوى الضرائب التي يدفعونها، وبدوره يؤثر سلبا على الدخل القومي الذي يدخل في الميزانية العامة.
الحيل الإجرامية التي يتبعها رجال الأعمال «قانونية» في الأساس، وتسمى «التجنب الضريبي»، أو «الأوف شور» إلا أنها تندرج تحت الفساد المالي والتهرب الضريبي، والتي كشفها (John Christensen)، رئيس شبكة العدالة الضريبية، أحد أهم المؤسسات العالمية التي تعمل على هذا الملف.
ص
John Christensen رئيس شبكه العداله الضريبيه
John Christensen رئيس شبكه العداله الضريبيه
ويقول رئيس شبكة العدالة الضريبية: «ألاعيب الشركات الكبرى بالعالم لا تنتهي، وعل سبيل المثال فإذا تتبعنا مسار موزة منذ لحظة خروجها من دولة الزراعة في أمريكا الجنوبية إلى أن تصل لبريطانيا، فإذا كان سعر الموزة (دولار واحد)، فإن تكلفتها في بلدها على الشركة (13) سنت، متضمنة تكلفة العمالة سعر (1.5) سنت، حيث أنها أرخص شيء في الأمر، والـ (11.5) باقي التكاليف، إذا فإن (1) سنت فقط هو ربح الشركة المصدرة والتي تكون غالبا مملوكة لنفس الشركة الأم، وهذا ما يتم دفع ضريبة عليه في الأرجنتين أو البرازيل مثل».
لم ينتهي الأمر عند مجرد تصدير السلعة كما يؤكد جون كريستنسن، وتابع: «الموزة تدخل في مسار (Supply chain) وهمي أو سلسلة لوازم وهمية، تدخل من خلال شركات متعددة، جميعها بملاذات ضريبية، ومملوكة للشركة الأم بشكل ما، واحدة تقدم (خدمات مالية)، ثانية مثلا في جزر برمودا تقدم (استخدام شبكة نقل)، لدرجة أن هناك شركة تكون مهمتها تقديم (خدمات إدارية) مدفوع لها عشرات الملايين، بما قيمته (8) سنت على كل دولار، وعندما ذهبوا إلى مقرها وجدوا مكتب لا يوجد به أي موظف!، لدرجة أن هناك شركة أخرى تأخذ (رسوم استخدام العلامة التجارية).. (4) سنت على كل دولار، بينما الحقيقة أنه لا يوجد «براند» أصلاً لأنها مجرد موز».
وأوضح رئيس شبكة العدالة الضريبيةً، خلال إحدى المحاضرات التي ألقاها في جامعة سيتي يونفيرستي البريطانية، أنه في النهاية فإن الموزة التي خرجت بـ (13) سنت، تصل بريطانيا وكلفتها الوهمية (60) سنت، ويُصرف عليها (39) سنت آخرين في صورة مصاريف نقل وتجزئة، ويتبقى سنت واحد فقط هو «المكسب» الذي حققته الشركة ويتم احتساب دفع الضرائب عليه، وهذا قانوني (100%).
رئيس شبكه العداله الضريبيه
وأكد جون كريستنسن، أن مكاتب المحاماة المتخصصة في إدارة هذه الحيل هي ركن أساسي، وتعلن رسمياً أن نشاطها «التجنب الضريبي»، لأنه أمر قانوني وليس «تهرب ضريبي»، مما يشير إلى أن المؤشر العالمي لمدركات الفساد غير منطقي لأنه يركز على الفساد التقليدي «الرشاوي والتدخل بالقضاء.. الخ».
وتكون النتيجة هي ظهور دولا بعينها أفضل دول العالم بينما في الحقيقة هي مصدر حقيقي للفساد أي مؤشر فاسد للفساد (The corruption index is corrupted)، وهو ما أدى إلى أن تصمم شبكة العدالة الضريبية «مؤشر» أخر تقيس به السرية المالية وغيرها من العوامل التي تتيح هذه الألاعيب القانونية، باسم (Financial Secrecy Index)، وبحسب هذا المؤشر فإنه تم اكتشاف أن الأسوأ كان في سويسرا،وأمريكا، وجزركايمن، وهونج كونج،وسنغافورة، ولوكسمرج، وجزر العذراء.
جزر العذراء البريطانيه
موضوع السرية، في مؤشر (Financial Secrecy Index)، هام حيث أن هناك آليات معقدة جدا تمكن الأشخاص من إخفاء ثرواتهم أو أرباحهم بشكل تام تحت أسماء وهمية بطرق معينة، وعلى سبيل المثال هناك أوراق تحتوي فقط على اسم مدير الشركة وليس صاحبها أو مالكها، أو اسم شخص ممثل للمالك بدون اسم المالك، وهنا يكون الحل الوحيد هو التسريبات من المنبع مثل ما حدث في «وثائق بنما» وهي أمور نادرا ما تحدث من موظف تمرد على العمل في شركات «الأوف شور»، وغير ذلك يستحيل كشف الأمر.
الحقيقة أن وثائق بنما كشفت عن أسماء صادمة، كانت بمستوى حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني، حمد بن خليفة آل ثاني، ولينول ميسي لاعب الكرة الشهير، وجاستن ترودو رئيس الوزراء الكندي، وملكة بريطانيا، و«ع.م»، التي اتضح أن لها أموال في ملاذات جزر برمودا وكايمن.
وعلى سبيل المثال فإن وثائق بنما الأخيرة والتي نشرت في مارس (2017)، كشفت عن سيطرة أحد رجل الأعمال «ص.د»، من كبار رجال الأعمال المسيطرين على سوق شركات «الأوف شور»، وصاحب شركة الحلويات الشهيرة «ل»، التي يرأس مجلس إداراتها.
وهو يعد أحد النماذج الهامة لنوعية هذه الشركات التي يتم تأسيسها للخروج من تحت سيطرة الحكومة المصرية، فقد تم تأسيس المقر الرئيسي للشركة في لبنان، بينما الشركة تعمل بمجال التجارة الخارجية متعددة الأطراف، فعائلة «ص.د» واحدة من كبرى العائلات التي تملك توكيلات لشركات أمريكية في مصر، بنسبة وصلت إلى (70%) تقريبا، وبلغ عدد التوكيلات التي تسيطر عليها العائلة (43) توكيلا لشركات أمريكية، وفقا لما ذكره دليل الأنشطة التجارية الأمريكية في مصر.
من الخطورة الصمت على نظام التجنب الضريبي، كما أنه يجب العمل على كشفه، حيث إن أنه لن نجد أحدا يسدد ضرائب إذا كانت كبرى الشركات لا تدفع، ومن سيدفع هم العمال، وسيكون هناك حتمية في فرض ضرائب غير مباشرة مثل زيادة ضرائب المبيعات على كل السل، وسيكون له أثرا سلبيا على الاقتصاد وسيؤثر على المواطنين في الدول وسسهم في ارتفاع معدلات ونسب الفقر، وعلى الاقتصاد والتعليم والصحة والخدمات الحكومية التي تتناقص، وسيؤدي إلى زيادة عدم المساواة وسوء توزيع الثروة.