اقتصاد مُنهار ومستقبل نفطي بلا ملامح.. كيف تنتهي أزمة فنزويلا الاقتصادية؟ (تحليل)
الخميس، 23 أغسطس 2018 02:00 صتحليل – مصطفى النجار
الاثنين (20 أغسطس 2018)، يوم لن ينساه أي مواطن في دولة فنزويلا على مدار التاريخ، ليس لأنه اليوم الذي ألغي فيه خمسة أصفار من الأسعار ضمن سياسات رئيسها نيكولاس مادورو، لإعادة هيكلة اقتصاد الدولة الغنية بالنفط والفقيرة بتحسين أوضاع مواطنيها، ويعيد هذا الحديث عن الأيدلوجيات الفكرية للدول الاشتراكية وعدم ملاءمتها للتغيرات العالمية في السياسات الاقتصادية.
كان القرار قد جاء ضمن سعي فنزويلا لتدارك أزمة انخفاض إنتاج الدولة صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم، بالتزامن مع نقص الاستثمارات في المعدات النفطية وسوء الإدارة والتخطيط لكبري الحقول في البلاد.
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو
وتعتمد فنزويلا في توفير العملة الصعبة «الدولار» على مبيعاتها النفطية بنسبة (94%) بحسب بيانات التجارة الداخلية والإمدادات، ولا يزال الإنتاج النفطي يتدهور متأثرًا بزيادة سرقة المعدات وتأخر أعمال الصيانة وانخفاض الأجور، ومن ضمن المشاكل الفنية التي أدت لتدهور وضع العملة هو ما يعاني منه قطاع النفط من انقطاع الكهرباء وضعف القدرة على تحويل النفط الثقيل الفائق الكثافة إلى خام قابل للتصدير، ما دفع لاستيراد النفايات الثقيلة والخام الخفيف من أجل تخفيف نفط ثقل النفط الفنزويلي، وتلك المشاكل تتراكم منذ إضراب العاملين في قطاع النفط عام 2003 وهو التاريخ الذي يعد بداية الانهيار الاقتصادي لواحدة من أكبر دول العالم من حيث المخزون النفطي.
وبينما يتوقع صندوق النقد الدولي معدل تضخم بنسبة مليون في المائة بنهاية العام الجاري، إلا أن الأوضاع داخل فنزويلا تسير بهدوء في حالة من الثبات العميق للمواطنين اللذين يعانون من انخفاض القيمة الشرائية للأجور وانخفاض فرص العمل بشكل ملحوظ مع أنه تم مع زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة (3000%) إلا أن ذلك تزامن مع زيادات ضريبية بهدف دعم إيرادات الحكومة، وتسعي فنزويلا لتنفيذ خطة لربط الرواتب والأسعار وسعر الصرف في البلاد بالعملة الرقمية «بترو» التي تدعمها الدولة.
وبعد أن كانت فنزويلا دولة جاذبة للاستثمارات والأيدي العاملة، تحول حالها لتصبح دولة مُصدرة للمهاجرين إلى دول قارة أمريكا الجنوبية في عمليات نزوح جماعية وسط نقص في المنتجات الغذائية والدوائية وغيرها وهو أشبه بما حدث قبل انهيار دول الاتحاد السوفيتي الذي تتبع فنزويلا نفس نهجه السياسي والاقتصادي، ومما يثير علامات الاستفهام أنه وفقًا لتقارير صحفية محلية، فإن من يريد شراء المستلزمات المنزلية اليومية يحتاج لثروة بالمقارنة مع متوسط الدخل «المنحدر»، إذ يبلغ سعر الكيلو جرام من اللحوم (9500000) بوليفار، والمكرونة (2500000) بوليفار، والأرز (2500000) بوليفار، والجبن (7500000) بوليفار، بينما عبوة صغيرة من حفاضات الأطفال تكلف الشخص (8000000) بوليفار، وأما سعر كيلو الجزر (3000000) بوليفار، وتكلفة مناديل التواليت (2600000) بوليفار.
سعر كيلو الجزر
سعر البعوة الصغيرة لحفاظات الأطفال
سعر الدجاجة
سعر لفة المناديل
وتأتي التغييرات في الأسعار مع زيادة الحد الأدنى للأجور ثلاثة آلاف في المائة وزيادات ضريبية لدعم إيرادات الحكومة، وخطة لربط الرواتب والأسعار وسعر الصرف في البلاد بالعملة الرقمية «بترو» التي تدعمها الدولة.
وتواجه فنزويلا، تحديًا قوًا خاصة أن الدولة الغربية جميعًا تخلت عنها بسب إصرار القيادة السياسية فيها على التمسك بالنموذج الاشتراكي بينما الدول المتقدم تدين بالولاء للأيدلوجيات الاقتصادية والسياسية الرأسمالية، وذلك بعد سنوات من إتباع نفس الدول للسياسات الاشتراكية التي أثبتت فشلها.
تزاحم فنزويليين على حصص السلع المدعمة
وما زاد الطين بله، أنه بعد انخفاض أسعار النفط عالميًا بقرار من منظمة أوبك بزيادة الإنتاج ما يقلل السعر لكبح الأزمة العالمية في زيادة الأسعار بشكل جنوني، انعكس ذلك بالسلب على فنزويلا التي يحتضر اقتصادها فبقي أمامها الاختيار بين مُرين، إما سداد الدين الخارجي أو توفير الدولارات اللازمة لاستيراد السلع الأساسية.
طاور طويل أمام احد مقرات السوبر ماركت
ولا ينسي أحد أن الاقتصاد الفنزويلي بدأ مسلسل تدهوره الأقوى في تاريخ البلاد منذ انهيار أسعار النفط عام (2014)، ما جعل الدولة عاجزة عن الحفاظ على نظامها الاقتصادي الاشتراكي، الذي يقدم دعماً حكومياً سخياً للمواطنين في المسكن والمأكل والمشرب والدواء والمواصلات وغيرها من الخدمات والسلع التي تقدم للعامة بدعم من الموازنة العامة للدولة مع فرض قيود صارمة على الأسعار.
الطوابير الطويلة أصبحت مشهدًا عاديًا في فنزويلا
وبات الحل الاقتصادي الأقرب للأزمة البشرية الفنزويلية هو إعلان رئيس البلاد نيكولاس مادورو، عن التحول للنظام الرأسمالي وإحداث ثورة في الفكر الحكومي حتى يستطيع جذب استثمارات أجنبية تساعده على التنقيب عن النفط والمعادن في بلاده، وإعادة دفة الاقتصاد لسابق عهدها، وبذلك قد يستطيع أن يتدارك الكارثة الإنسانية التي أصبح بطلها شعبه بعد لجوءه للدول المجاورة في عمليات نزوح عظيمة أشبه ما يحدث عقب الكوارث الطبيعية.
كما أنه على القيادة السياسية إتباع روشتة صندوق النقد للخروج من الكارثة ورفع الدعم عن الكثير من القطاعات وتوحيد أسعار صرف العملة الأجنبية إذ أن هناك ثلاثة أسعار رسمية للدولار لشراء السلع الأساسية وسعر أخر لشراء السلع غير الأساسية، وسعر ثالث لتلبية احيتاجات التجار والمستوردين وباقي المواطنين.