الليرة التركية تثبت قوة مصر وهشاشة اقتصاد أردوغان
الجمعة، 17 أغسطس 2018 07:39 م
حينما قررت الحكومة المصرية تعويم الجنية، للسيطرة على السوق السوداء، وإحكام السيطرة على إنخفاض قيمة العملة، كانت هناك أصوات فى الداخل والخارج تقول إن الأقتصاد المصرى ينهار، وإن الدولة مقبلة على إعلان الإفلاس، ورأينا من تحدث عن قوة الأقتصاد التركى، وكيف أن مصر فشلت فى أن تكون مثل النموذج التركى، الذى أخذ فى الأزدهار والإنطلاق.
وسط هذه الأصوات "النشاذ" كانت الدولة تسير وفق خطة رسمتها لنفسها، كى تخرج من نفق مظلم وضعتها الظروف داخله، بسبب ما تلى 25 يناير 2011، وما قبلها أيضا من أحداث سياسية واقتصادية، وخوف الحكومات المتعاقبة من اتخاذ القرارات الإصلاحية التى لو اتُخذت فى وقتها لما عانى اقتصادنا مما عانى منه، ووصلنا إلى مرحلة صعبة، ولم يكن أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى إلا خيار واحد، وهو المضى قُدمًا فى خطط الإصلاح الاقتصادى، رغم تبعاتها الصعبة، لكنها ضرورة لا مفر منها، وتحمل الرجل المسئولية، ورفض أن يكون مثل سابقيه، ويهرب ويصدر الأزمة للأجيال القادمة.. تحمل المسئولية، رغم التحذيرات الكثيرة التى قيلت له، لكن خياراته كانت واضحة، إما أن تستقر الدولة أو تنهار، فاختار الاستقرار، بل أن تنطلق مصر من عثرتها إلى المكانة التى تستحقها.
أقول ذلك بمناسبة ما نراه يحدث الآن فى تركيا، والانهيار المفاجئ لليرة التركية، التى جعلت رئيس تركيا يصاب بالجنون، كيف تنهار الامبراطورية التى بناها فى سنوات، تنهار فى لحظات، دون أن يملك القدرة على السيطرة، لأنه ببساطة كان يبنى امبراطورية هشة لا أساسا لها، عمادها الكذب والتضليل والترهيب.
اليوم حينما نقارن بين الأوضاع فى تركيا ومصر، وما كان يحدث فى الماضى، سنجد أنفسنا أمام مجموعة من الحقائق التى تستوجب الوقوف أمامها لتأملها، أهمها على الإطلاق أن مصر عانت بالفعل من أزمة اقتصادية كادت أن تؤثر على أوضاعها، لكنها قررت أن تواجهها بالصدق والشفافية واختيار الطريق المناسب، ولم تركن إلى الأكإذيب وتضليل الشعب، كما حدث ولازال يحدث فى تركيا، التى يحاول حزبها الحاكم الذى أتى للسلطة بانتخابات مزورة ومغلفة بالترهيب وقمع المعارضة، أن يصور للأتراك أن اقتصادهم قوى، ولم يمسسه سوء.
وحتى لا أتهم بأننى متحامل على تركيا وحكومتها، سأترك الحكم هذه المرة للصحافة الغربية تحديداً المتخصصة فى الاقتصاد الدولى، ومنها شبكة "بلومبرج" التى كتبت الخميس الماضى تقريرًا مطولاً عن أزمة الليرة التركية، ومقارنتها بالجنية المصرى، وكيف استطاعت مصر بوعى وإدراك أن تخرج من الأزمة، فى حين سقطت تركيا فى بئر عميق.
"بلومبرج" قالت إن برنامج الإصلاح الطموح الذى تبنته الحكومة المصرية قبل أكثر من عامين، جنب الجنيه المصرى ما شهدته الليرة التركية من تراجع فى الآونة الأخيرة متأثرة بالسياسات الاقتصادية المتضاربة لنظام حزب العدالة والتنمية، الذراع التركية لتنظيم الإخوان، ونزاعات الرئيس رجب طيب أردوغان فى الداخل والخارج، وكانت النتيجة أن السوق المصرية تحولت إلى ملإذ آمن للمستثمرين فى المنطقة، خاصة أن قرار تحرير سعر الصرف جنب مصر أنهيار اقتصادى كان وشيكاً قبل سنوات، وذلك بخلاف ما تشهده العملة التركية والأرجنتينية فى الوقت الحإلى.
وأضافت "بلومبرج" أن اتخإذ تدابير قوية لتحقيق الاستقرار فى الاقتصاد تؤتى ثمارها فى سوق الديون، مما دفع مؤشر ستاندرد آند بورز العالمى لرفع التصنيف الائتمانى لمصر، على عكس الوضع فى تركيا، التى يعانى اقتصادها العديد من الأزمات بفضل سياسات أردوغان الاستبدادية، وتدخل الحزب الحاكم فى قطاع الأعمال والتضيق على أصحاب الشركات الكبرى تحت مزاعم الآنتماء لحركة الخدمة المعارضة التى يقودها الداعية فتح الله جولن، وزادت الأزمات بعد إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مؤخراً مضاعفة الرسوم الجمركية على صادرات أنقرة من الصلب والألومنيوم بعد تهديد سابق بفرض عقوبات على تركيا إن لم تفرج عن قس أمريكى معتقل لديها.
وساعدت قرارات أردوغان الديكتاتورية فى تفاقم الأزمة ومنها تعيين صهره، بيرات البيرق، فى منصب وزير الخزانة والمالية فى 9 يوليو الماضي، وبدأت بعدها الليرة التركية فى التراجع بنسبة لتفقد أكثر من 50% من قيمتها، وأدى هذا الانخفاض إلى زيادة المعاناة على الشعب التركى، حيث أشارت تقارير إلى أن تركيا قد تعانى فى وقت قريب نقص الأدوية وذلك بعد الارتفاع الجنونى للعملات الأجنبية فى البلاد، فيما حذرت صحيفة "حابردر" التركية المعارضة من أن تراجع الليرة التركية أمام الدولار، سيزيد احتمالية عدم وجود أى دواء فى المخازن بعد 10 أيام، حيث أثرت زيادة سعر صرف العملة الأجنبية على سوق الأدوية.
هذا هو الوضع الآن فى مصر وتركيا، وفقًا لما تراه "بلومبرج"، ومعها مؤسسات مالية دولية، لا تزال تنظر لما حدث فى مصر خلال السنوات الأربع الماضية بالمعجزة الاقتصادية، فكيف تتحرك دولة وتنهض من عثرتها لتكون عنصرا فاعلا بعد أن كانت مأزومة.
حدث ذلك لأن مصر نجحت فى تخطى أزمة اقتصادية كبرى بفضل تبنيها برنامجًا للإصلاح الاقتصادى قويا، ولم تركن للأكاذيب مثلما فعل أردوغان الذى تسبب فى انهيار عملة تركيا، وهروب الاستثمارات الأجنبية، إلى أن وصلت به الحال إلى استجداء الآخرين لإنقاذه، ولم يجد من يمد يد المساعدة سوى ربيبه تميم بن حمد، أمير قطر.
اليوم مصر تحصد نتائج ما زرعته خلال السنوات الأربع الماضية، ونرى ذلك فى الاستقرار الاقتصادى، والمشروعات القومية الكبرى التى يتم افتتاحها كل يوم، وانخفاض معدلات التضخم والبطالة، فى حين أن دولة مثل تركيا تحصد ما زرعه أردوغان من خراب وتدمير ليس فى الداخل التركى فقط، وإنما فى المحيط الإقليمى، حينما حول جزء ليس قليلا من دخل تركيا إلى تمويل جماعات وميليشيات إرهابية فى سوريا وليبيا والعراق ودول أخرى، بهدف فرض السيطرة التركية، على هذه الدول بهدف أن تضربها الفوضى.
اليوم مصر دولة مستقلة تملك قرار نفسها، فى حين أن تركيا أردوغان تثبت للعالم أنها دولة تقوم على اقتصاد هش، تلاعبت به تغريدة من الرئيس الأمريكى.