من تهديد واشنطن لمحاولة الاغتيال.. هل تفلح خطط مادورو للهروب من غضب الفنزويليين؟
الإثنين، 06 أغسطس 2018 06:00 م
بين خطابي الحشد والاستضعاف
المعارضة تعلن قلقها من حملات القمع
في تغريدة عبر حسابه الرسمي، حذر ائتلاف "الجبهة الموسعة" الذي يضم عددا من أحزاب المعارضة من حملة قمع موسعة، قائلا: "نُحذّر من استغلال الحكومة للحادث بغرض تجريم المعارضين الشرعيين والديمقراطيين، وترسيخ إجراءات القمع وأعمال العنف والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان". وأشار منتقدون من المعارضة إلى أن النظام استغل مثل هذه الأحداث من قبل كذريعة لاتخاذ إجراءات جائرة بحق المعارضين.
عملية استهداف أم سيناريو للإلهاء؟
تنامي الشكوك في ملابسات محاولة الاغتيال، وغياب المعلومات الموثقة بشأنها، يدفعان في اتجاه النظر للأمر باعتباره قفزة إلى الأمام من النظام، للهروب من الحصار الاقتصادي والسياسي الخانق، في ظل تراجع المؤشرات الاقتصادية وتنامي الاحتجاجات الشعبية ضد النظام.
في الشهور الأخيرة تشهد فنزويلا تردّيًا اقتصاديا فادحا. في الشهر الماضي سجل معدّل التضخم أكثر من 14000%، ويُحتمل الآن أن يكون قد تجاوز نسبة 20000%، بينما توقع صندوق النقد الدولي في وقت سابق أن يتجاوز التضخم في فنزويلا مليون في المئة قبل نهاية 2018، وسط مناخ شديد الارتباك وتفاقم حاد ومتسارع للأزمات الاقتصادية.
مُعدل التضخم المتسارع يُشير إلى أزمة هيكلية يواجهها الاقتصاد الفنزويلي، الذي يعتمد بدرجة أساسية على تدفقاته النفطية، في وقت تعجز فيه السوق المحلية عن تدبير الاحتياجات الأساسية، ومع تراجع التدفقات المالية بسبب اهتزاز أسعار النفط وتعطل كثير من إمدادات فنزويلا في ضوء الاحتجاجات الشعبية والتوترات السياسية الإقليمية والعالمية، تكبّدت كاراكاس خسائر ضخمة، وعجزت عن تأمين احتياجات المواطنين من السلع الاستراتيجية والأساسية، ما تسبب في ارتفاع نسبة التضخم بسبب خلل التوازن بين المعروض النقدي والسلعي. ترافق مع الأمر تراجع حاد في سوق العمل وارتفاع لمؤشر البطالة، وفي الصورة النهائية بات الاقتصاد الفنزويلي مُرهقًا بدرجة قد تفوق قدرته على الاحتمال، حتى حال انضباط الأوضاع في سوق النفط والعودة إلى ضخ الإنتاج بمعدلات الإنتاج القصوى.
في مناخ ملتبس ومتشابك الأطراف كالذي تعيشه فنزويلا، لا يملك نيكولاس مادورو وحكومته مخرجا عاجلا من الأزمة، لكن قد يوفر له انشغال الشعب في أمور سياسية واقتصادية، وتعظيم مشاعر الخطر والاستهداف، فرصة هادئة لاستجماع قواه والقبض من جديد على أطراف الخيوط المتفلّتة من يده.. هذا الأمر يُرجح أن تكون فنزويلا بصدد مشهد واسع للإلهاء السياسي.
الفساد والإصلاح والعدوات واسعة المدى
الجانب الأكبر من مشكلات فنزويلا يعود بصورة أساسية لتنامي الفساد داخل مؤسسات الدولة، بجانب الصراعات السياسية التي تحدّ من قدرة مادورو على إدارة المشهد، وتورّطه في خطاب تصعيدي مع جيران محيطين في القارة، ومع الإدارة الأمريكية التي تعتبر فنزويلا والدول المحيطة بها في القوس الاستهلالي لأمريكا الجنوبية حديقة خلفية لها، ولا تترك ثغرة لأي منها للمراوغة أو الإفلات من مدى تأثيرها.
مؤخرا بدأ النظام في فنزويلا يتحرك باتجاه تنفيذ خطة للإصلاح وعلاج القصور الحاد في المنظومة الاقتصادية، وبحسب المُعلن رسميا فقد بدأ الرئيس نيكولاس مادورو تنفيذ حزمة إجراءات أعلن عنها في وقت سابق من الأسبوع الماضي، تبدأ بأجراء إحصاء موسّع بغرض القضاء على تهريب الوقود، وفي إطار الإجراءات نفسها الجمعية الوطنية التأسيسية (البرلمان الفنزويلي) إلغاء قانون أسعار الصرف غير المشروعة بناء على طلب مباشر من "مادورو". هذه الإجراءات دفعت الخبراء لتوقع انتعاش اقتصادي محدود في الفترة المقبلة.
ضمن الإجراءات تعمل فنزويلا على طرح عملة جديدة نهاية أغسطس الجاري، كبديل للحملة الحالية "البوليفار" التي تراجعت قيمتها بشكل حاد، وفقدت قدرتها على قيادة الاقتصاد في ظل نزيفها المتواصل أمام الدولار. لكن في الوقت نفسه لم تتحرك الحكومة بشكل جاد لمواجهة الفساد المستشري في الجهاز الرسمي، أو تقليص الخسائر الناجمة عن العمليات غير الشرعية والصفقات التي يتورط فيها مسؤولون سياسيون وعسكريون بارزون في النظام، ما يُهدد بنسف كل الإجراءات الإصلاحية، واستمرار الأزمة ولو بشكل جزئي، إذ يظل أقصى ما يُمكن أن تحققه هذه الإجراءات هو تجميد الأوضاع، وليس العودة بها إلى المسار الإيجابي.
مادورو المُناور وفنزويلا الغاضبة
تصريحات نيكولاس مادورو الساخنة بشكل دائم تجاه كولومبيا والولايات المتحدة تبدو كما لو كانت عمليات تحرش منظمة، ربما بهدف تصعيد الأجواء والاحتماء بالتوتر، أو حتى الوصول للمدى الأقصى بخوض نزاع مسلّح مع أي من البلدين، يعفي كاراكاس من فاتورة الفشل السياسي، ويضمن لها التفافا شعبيا بحُكم الأزمة.
لن تسمح واشنطن ولا بوجوتا بوصول الأمور مع فنزويلا إلى النزاع العسكري، حتى لو كانت الأخيرة لا تحتمل هذا النزاع أصلا، وستكون الطرف الخاسر في كل الحالات. هذا الموقف الذي يبدو هادئا من جانب كولومبيا والولايات المتحدة يُمثّل مشكلة حقيقية للرئيس الفنزويلي، إذا كان يستهدف دفع الأمور باتجاه مزيد من السخونة للاستفادة من أجواء التوتر في تأمين موقفه السياسي والشعبي، ما يُعني أنه سيكون في حاجة للبحث عن مسلك جديد للمراوغة.
حالة المناورة التي يعتمدها مادورو منذ شهور طويلة مضت، سواء في الخطاب السياسي الشعبوي، أو التصعيد تجاه المعارضة واتهامها بالخيانة والعمل وفق أجندات خارجية، أو الإعلان عن إجراءات اقتصادية إصلاحية، أو إطلاق عملة جديدة وإلغاء قانون أسعار الصرف غير المشروعة، وصولا إلى محاولة الاغتيال الفاشلة، كلها لم تُنه الاحتجاجات الشعبية، ولم تُصلح الاختلالات الاقتصادية، وما زال التوتر مسيطرا على المجال العام في فنزويلا، بشكل يُرجح أن يطوّر النظام والرئيس مادورو سيناريوهات المناورة في المرحلة المقبلة.
ما لم يستقر الوضع فلن يتوقف النظام في كاراكاس عن المناورة الداخلية وحروب التصريحات الخارجية، سيجتهد في التحرش بالدول المحيطة واستفزازها، ويزيد قبضته الحديدية الموجهة للمعارضة، ووسط كل هذا يبحث عن تفاصيل ثانوية تُعيد الالتفاف الشعبي أو تؤخر الاشتعال، رهانا على المشاعر القومية والحماس الوطني. لكن الشروخ العديدة وواسعة المدى في جسد فنزويلا ستُبقي على الأوضاع وفق صيغتها المُختلّة، ستتواصل الاحتجاجات المتطلعة إلى تحسين الأوضاع ووقف نزيف الاقتصاد، وستتواصل مناورات النظام وتحدّياته المحلية والإقليمية، لكن يظل أخطر ما يوجهه المناور نيكولاس مادورو هو الاحتقان والضيق العارم وبركان النار المكتوم في صدر "فنزويلا الغاضبة".