بعد إعلان خطة مواجهة التطرف.. هل يتغلب الأزهر على تحديات تجديد الخطاب الدينى؟

الإثنين، 06 أغسطس 2018 11:00 ص
بعد إعلان خطة مواجهة التطرف.. هل يتغلب الأزهر على تحديات تجديد الخطاب الدينى؟
الرئيس و شيخ الأزهر
محمد فرج أبو العلا

لم تعد فكرة تجديد الخطاب الدينى رفاهية كما كانت من قبل، بل أصبحت فرض عين على العلماء، لدفع البلاء عن الأمة بعدما لحق بنا من «موت وخراب»، لاسيما وأن القيادة السياسية  فى مصر تضعه تحت الضوء دائما بدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى، المستمرة للمؤسسات الدينية فى عده محافل، إلى ضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة فى هذا الصدد، لما له من دور هام فى مواجهة التطرف الفكرى والمذهبى.

 

وبناء على توجيهات الرئيس، وضعت حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، خطة متكاملة أعلنت عن تنفيذها على مدار 4 سنوات فى الفترة من 2018 حتى 2022، لنشر سماحة الدين الإسلامى فى مواجهة التطرف الفكرى والأعمال الإرهابية التى تنتج عن عدم الفهم الصحيح لأمور الدين، وتصويب المفاهيم الخاطئة والمغلوطة، وذلك من خلال عدة أنشطة دعوية وتدريبية وتوعوية من شأنها مواجهة ما تروجه الجماعات الإرهابية المتطرفة.

 

نذكر فى الماضى ما أكده علماء الإسلام حول أن السنوات الأولى من ظهور الإسلام بأرض الحجاز كانت فى الأساس لمواجهة الكفر والشرك بالله وعبادة الأصنام، ومواجهة الجهل والجمود والتقليد بالعقل من خلال نصوص القرآن الكريم التى كانت تنزل من خلال الوحى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم من بعده واصل الصحابه ما بدأه النبى خلال الفتوحات الإسلامية، ومواجهة الكفر والشرك بالقرآن الذى هو أقرب للعقل والمنطق.

 

من بعد صحابة رسول الله ظهرت المذاهب الأربعة، والتى كانت بمثابة حركات تنويرية تستهدف فى الأساس تجديد الخطاب الدينى حينذاك، حيث الانتقال بالمسلمين من مرحلة التسليم والإيمان بوجود الله والأنبياء والرسل وما إلى ذلك من ثوابت ومعتقدات دينية حتمية، إلى مراحل متقدمه تدعو للتدبر والتمعن فى القرآن والسنة التى تركها الرسول من بعده ليقتدى بها المسلمون، ولتفسير أمورهم الدينية والدنيوية أيضا.

 

يؤكد العلماء فى هذا السياق، أن اختلاف المذاهب الأربعة لم يكن أساسه الاختلاف فى الثوابت والأصول، أى أنهم لم يتطرقوا مطلقا إلى التعديل على ما نزل على النبى أو ما قاله لرواة الحديث، إنما اختلفوا فى تفسير بعض الأمور الحياتية بما يتماشى مع التطورات التى كانت تحدث وقتها، مشيرين أيضا إلى أن ذلك الاختلاف فى التأويل والتفسير لم يكن جامدا بل كان وسطيا قوامه الرحمة والموعظة الحسنة.

 

ظل الدين الإسلامى بمختلف أقسامه وشرائعه وفقهه محصورا على مجموعة من العلماء والمجددين وداخل مجموعة من الكتب فترة كبيرة جدا، دون أى محاولة للتجديد أو التطوير، حيث بقيت كتب الحديث وما يعرف بكتب الصحاح فترات طويلة جدا تصل إلى الآن، لم يحاول أيا من علماء الإسلام التطرق إليها بالتعديل أو التصحيح أو التنسيق فيما بينها، بما يدعو لعدم الاختلاف الفكرى، إنما خشى العلماء من التحديات التى قد تواجههم إذا فعلوا ذلك، بل وصل بنا الحال لانتقاد أى محاولة للتجديد، ومقابلتها بالرفض التام دون أدنى تفكير أو إعمال للعقل.

 

منذ أنشئ الجامع الأزهر فى عام 972م على يد جوهر الصقلى بعدما فتح القاهرة بأمر من المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين فى مصر، وهو قبلة الإسلام فى العالم والمنارة التى عبرت خلال مئات السنين عن الفكر الإسلامى، حيث ساهم فى مواجهة الفرقة والمذهبية، وأخذ على عاتقه التقريب بين المذاهب، وكانت محاولات لـ«تجديد الخطاب الدينى» التى أصبح ضرورة تفرضها الكثير من المتغيرات، خاصة عند انتشار أفكار التطرف والتكفير والدم.

 

ظل الخطاب الدينى بعد ذلك دون أى محاولات للتجديد رغم الضرورة الملحة لذلك، حيث بدأت الأفكار المتطرفة تحيي نفسها من خلال قيادات جماعات الدم والخراب، وتسللت خطاباتهم وأفكارهم وكتبهم ورؤيتهم الفكرية المتطرفة إلى المجتمع وانتشرت فيه كالنار فى الهشيم، فأغوت أفكارهم مئات الشباب بالقرى والنجوع والأقاليم، واستطاعوا تشكيل التنظيمات والخلايا التى تتبع أفكارهم ومعتقداتهم، حتى أصبح لدينا انتحاريين يرتدون الأحزمة الناسفة من أجل التخريب والدمار ليس بحثا عن مال أو منصب فقط، ولكن إرضاء للدين الذى استقوه من أئمة الكفر والضلال وقيادات الجماعات الإرهابية.

 

غابت أفكار الأزهر وما أسسته المنارة العلمية الوسطية طوال سنوات عديدة، لتخلو الساحة لـ«إرهاب داعش والإخوان» وغيرها من التنظيمات الإرهابية ذات الأساس الدينى المتطرف والذى يقوم بالأساس على تكفير الآخرين، حتى أصبحنا فى حاجة ملحة جدا لتجديد الخطاب الدينى وانتزاعه من تلك الفئات المتطرفة، ولكن السؤال الذى طرحه الرئيس عبد الفتاح السيسى يعيد نفسه الآن ويحتاج من الجهات المعنية إجابات واضحة وسريعة، وهو من المسئول عن تعطيل تجديد الخطاب الدينى بمصر، وبالتبعية فى العالم الإسلامى باعتبار الأزهر منارة الوسطية لشعوب الأمة؟ ولماذا يخشى العلماء من فكرة التجديد بالأساس؟، ومتى نستعيد وجه الإسلام الحضارى، ويعود الأزهر لمكانته بعيدا عن الخوف والتردد؟

 

الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، قال منذ فترة إن «هناك قلة تخطف النصوص المقدسة لصالحها وأن الإسلام منهم برئ»، إلا أن ذلك يدعونا لأن نذكر أنه منذ وفاة الإمام المجدد محمد عبده عام 1905، لم يأخذ عالم أزهرى أو غير أزهرى على عاتقه مبدأ «تجديد الخطاب الدينى»، ولم يستطع الأزهر الشريف صد موجة الإرهاب والتطرف الفكرى التى أثرت على المنبر الأزهرى كمدرسة وسطية مستنيرة، كما اختفت مدرسة محمد عبده للتجديد، ولم يعد لها وجود فى الفكر الإسلامى المعاصر.

 

وعن أسباب تعطل مشروعات وخطط تجديد الخطاب الدينى حتى الآن، قال الإمام الأكبر فى وقت سابق: «بصراحة.. كلنا مقصرون وخائفون من التجديد، فهناك من يخاف من أتباعه، وآخر يخشى الناس، وثالث لديه ورع زائد على الحد فيقول خلى الأمور كدا عشان ما اتحملش أى حاجة أمام الله»، مشيرا فى الوقت نفسه إلى ضرورة التخلى عن كل هذه العقبات التى تحول دون تجديد الخطاب الدينى وتجعله جامدا، مضيفا: «يجب علينا أن ننزل إلى الناس ونرى واقعهم، لنقدم شريعة تسعد وتريح المسلمين، فى إطار ضوابط النص القرآنى والمقاصد العليا للشريعة والمعايير الأخلاقية».

 

إذا الأزمة الناتجة عن تعطل خطط ومشروعات تجديد الخطاب الدينى، وفق كلام الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف واضحة تماما، ونحن أمام سلطة تتوافر لديها الإرادة السياسية والرغبة الحقيقية لتجديد الخطاب الدينى، حقنا للدماء ومواجهة العنف والتطرف بالسماحة والرحمة، بينما المؤسسة الدينية تقف فى الوسط مترددة وخائفة، وننتظر خلال الفترة المقبلة والمعلنة من جانب الحكومة، أن تتخطى مؤسسة الأزهر «الجامع والجامعة» كل تلك التحديات والعقبات، فى سبيل تجديد الخطاب الدينى بما يسمح بإعادة تلك المؤسسة إلى مكانتها العالمية، ومحاربة التطرف والجهل بالعقل والمنطق المبنى على العلم.

 

اقرأ أيضا:

«الجزيرة» منبر الإرهاب.. كيف سعى تنظيم الحمدين لتسريب 15 تقريرا سريا لإسقاط مصر؟

بداية من «خلية الماريوت».. كيف خططت قناة الجزيرة القطرية لصناعة الإرهاب فى مصر؟

بعد ارتفاع معدلات زواج الأطفال.. هل نحتاج تعديلا تشريعيا أم تغييرا في الثقافة؟

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق