الثقافة ليست للجميع والوزارة محلك سر.. أين تذهب 90% من الميزانية يا دكتورة إيناس؟
الجمعة، 03 أغسطس 2018 04:00 محسن شرف
موازنة ليست ضخمة للغاية، لكنها أيضا ليست قليلة. وبعيدا عن حجمها فإن منطق العدالة وضمان توفر الخدمة لعموم المواطنين، يفرضان الاهتمام بخطط الإنفاق، وهي للأسف خطط بالغة السوء.
في وقت سابق تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن محاور استراتيجية بناء الإنسان، التي تمثل أولوية كبرى للدولة في المرحلة المقبلة، بصورة كانت تُوجب على وزارة الثقافة التحرك لتصحيح الخلل الحالي، وإعادة ضبط الأوضاع الثقافية وآلية توجيه الميزانيات وما تنتجه من خدمات للمستفيدين والمستحقين، لكن الوزارة ما زالت محلك سر، والدكتورة إيناس تتجاهل الأمور المهمة لصالح التفاصيل الصغيرة.
المسرح يختنق في وزارة الثقافة
يقول مثل روسي: «كما الريش يزين الطاووس كذلك الثقافة تزين الإنسان»، وحول هذا المثل تدور فكرة هذا التقرير، الذي نسعى من خلاله إلى التأكيد على أهمية أن يحصل كل مواطن، على نصيبه من الثقافة، ولا يجب التفرقة بين قاطني العاصمة، وهؤلاء الذين ولدوا في أبعد قرية من المحافظات المختلفة.
للثقافة أدواتها المختلفة، التي لا تقتصر على الكتاب، فهناك العديد من الأدوات التي يجب أن تستغلها الدولة، لإيصال الثقافة والفنون إلى كل المواطنين، وفي القلب من تلك الفنون التي يمكن أن تنشرها الدولة في المحافظات المختلفة هو «المسرح».
الفنان يحيى الفخراني في مسرحية ألف ليلة وليلة
يُقال إن المسرح هو «أبو الفنون»، وهذا غالبا يعود إلى قِدم فن المسرح، وارتباطه بالتطور التقليدي على مدار الحضارات المختلفة، والتي استغلت كل منها المسرح، بطريقة تتناسب مع طقوسها، ويُعرف المسرح أيضا أنه أول الفنون، منذ أيام الإغريق والرومان، وقدرته على الموالفة بين عناصر فنية متعددة، حيث كانت المسارح هي الوسيلة الوحيدة للتعبير الفني بعد حلبات المصارعة والسباقات، لكن المسرح المصري أصيب الفترة الأخيرة بحالة من التدني والتدهور، وهو ما انعكس على قاعات العرض، التي أصبحت خاوية على عروشها إلا من أعداد قليلة من الجمهور.
يقول أينشتاين إن الثقافة هي ما يبقى بعد أن تنسى كل ما تعلمته في المدرسة
وعلى الرغم من الجهد الذي يقدمه البيت الفني للمسرح في مصر للنهوض بهذا القطاع ونشر العروض في المحافظات المختلفة، تمثل قلة المسارح في المحافظات عائقا إمام إيصال المواد المسرحية إلى ربوع المحروسة، لكن يسعى البيت الفني للمسرح إلى رفع كفاءة المواد المسرحية المقدمة خلال الفترة المقبلة.
إسماعيل مختار، رئيس البيت الفني للمسرح، يؤكد إن المسرح يشهد حالة من الانتعاش خلال السنوات الثلاث الماضية، لكن ليس بالشكل الذى يأمله البيت الفني للمسرح، مشيراً إلى أنه يسعى إلى وضع خطط للسير عليها، والتي تمكن المسرح من تقديم منتج مسرحي راقي، يحقق نجاحات متتالية.
وأضاف مختار في تصريح خاص لـ«صوت الأمة»: «لدينا ورش في عدد من المسارح، منها مسرح الطفل، ومسرح الطليعة، ومسرح القاهرة للعرائس، وأنتجنا مسرحيات للروائي الكبير يوسف إدريس، وننتج حاليا للشاعر فاروق جويدة، ومسرحية «حدث في بلاد السعادة» للكاتب وليد يوسف التي تعرض الشهر المقبل، وهو مايؤكد اتجاهنا لإنتاج النصوص القوية والأعمال الراقية، كما أننا نلتفت إلى الكٌتاب الشباب، وتعاقدنا على إنتاج النص الفائز في مسابقة ساويرس الثقافية "الساعة الأخيرة من حياة الكولونيل"، تأليف عيسى جمال الدين، وهو واحد من أبناء البيت الفني للمسرح».
وعما حققته عروض البيت الفني للمسرح الفترة الماضية، أكد مختار أن عدد الجماهير وصل إلى 300 ألف تقريبا، في القاهرة والإسكندرية، بالإضافة إلى جماهير المحافظات المختلفة التي خرجت إليها الفرق بأكثر من 120 ليلة عرض.
من ناحيته قال النائب البرلماني مرتضى العربي، عضو لجنة الثقافة والإعلام والآثار، إن الأزمة التي تواجه نشر الثقافة بأنواعها المختلفة في كل محافظات مصر، هي قلة الإمكانيات في وزارة الثقافة، وهي الأزمة التي واجهتنا في لجنة الثقافة، حتى أثناء مناقشة الموازنة، خاصة أن أكثر من 90% من الموازنة يذهب إلى المدن الكبرى، ولا تحصل المحافظات الأخرى على أي دعم سواء لقصور الثقافة أو المسارح، وهو ما يتطلب رفع الدعم المالي المقدم من الدولة إلى وزارة الثقافة، لتستطيع أن تؤدي دورها المأمول.
يعقوب صنوع الملقب برائد المسرح المصرى
وأضاف العربي في تصريح خاص لـ«صوت الأمة»، أن العشرات من قصور الثقافة الموجودة حاليا، في المحافظات المختلفة، كغيرها من معظم المؤسسات المصرية، التي أصابها «العقم»، وأصبح مسئوليها غير جادين في تقديم الخدمة إلى المواطن، وهو ما يؤثر بشكل رئيسى على قناعة الشباب في إمكانية تحصيلهم أي نوع من أنواع الثقافة من تلك القصور، وهو ما يؤكد أن الشباب فور شعورهم بالتغير في ما تقدمه تلك القصور، سيتفاعلون معها، موضحاً أنه إذا أرادت الدولة المصرية أن تساهم الثقافة في دحر الإرهاب، وتأخذ قصور الثقافة مكانها الطبيعي من أجل التوعية، يجب نسف المنظومة القديمة، والبناء من جديد، واستغلال الأبنية الموجودة، وتفعيلها بشكل سليم.
من ناحيتها أكدت الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، في تصريحات صحفية أن الوزارة تعمل حاليًا على استعادة الريادة الثقافية لمصر من خلال تعزيز القيم الإيجابية في المجتمع، وتنمية الموهوبين والنابغين والمبدعين، وتحقيق العدالة الثقافية من خلال نشر الثقافة في مختلف أقاليم مصر، وتطوير المؤسسات الثقافية، وحماية وتعزيز التراث الثقافي، ودعم الصناعات الثقافية، بالإضافة إلى تبادل الفعاليات الثقافية العربية والدولية وإعداد التشريعات التي تلزم بهذا الصدد.
قاعة مسرح فارغة
تبقى الثقافة هي المجال الأصعب، والذي يتطلب تفكيرا خارج الصندوق، لمواكبة التطور في دول العالم، واستغلال الأدوات الثقافية في دحر الإرهاب، ونشر الرسائل المهمة التي ترغب الدولة في إيصالها إلى المواطنين.