كيف أصلحت الدبلوماسية الرياضية ما أفسده السياسيون؟
الثلاثاء، 17 يوليو 2018 09:00 ص
لغة جديدة سيطرت على نهائيات كأس العالم المقامة مؤخرًا في روسيا في كثير من المشاهد، إلا وهي الدبلوماسية الرياضية التي استفاد منها الكثير من قادة دول العالم لتمرير رسائلهم، أشهر القادة الذين خطفوا الأضواء باستفادتهم في البطولة التي حملت لقبها فرنسا للمرة الثانية، رئيسة كرواتيا والرئيس الروسي فلادمير بوتين والرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون معززين شعبيتهم في بلادهم عن نظرائهم.
ولأن الرياضة هي القوة الناعمة الأسرع تأثيراً في الجمهور العام، وبالأخص كرة القدم يعتبرها رؤساء وزعماء الدول من أدوات الدبلوماسية الشعبية المهمة، كونها غير قسرية، وتصل من خلالها الرسائل بانسيابية إلى أكبر عدد ممكن من العامة على الصعيدين الدولي والمحلي.
وفي هذا التقرير نرصد أهم المشاهد التي غلب عليها طابع الدبلوماسية الرياضية، مبتعدة كل البعد عن الخلفيات التاريخية سياسية كانت أو في أي مجال آخر، التي ربما كان لها تأثير في تعميق الخلافات وتعزيز التوتر بين الدول .
نتنياهو وتشجيعه لكرواتيا ضد انجلترا
رغم العلاقات التاريخية المعروفة بين بريطانيا وإسرائيل خلال القرن الماضي، على خلفية تقديم الأولى وعد بلفور للثانية (من لا يملك أعطى من لا يستحق) لإعلان دعم تأسيس «وطن قومي لليهود في فلسطين»، إلا أن ذلك لا يمنع من توجيه نتنياهو رسائل غريبة خلال حضوره مباراة كرواتيا وروسيا بعد فرحه الشديد بفوز الكروات على الإنجليز.
ونشر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي عبر حسابة على تويتر فيديو خلال تواجده في استاد ملعب لوجينكي الذ شهد مباراة قبل النهائي بين إنجلترا وكرواتيا، وظهر أثناء هذا المقطع فرحًا بتسجيل كرواتيا هدفًا في شباك حارس انجلترا بيكفورد، ما أثار الجدل وعلامات التعجب بسبب مساندته منتخب كرواتيا ضد حليفة بلاده التاريخية بريطانيا.
غولللل! pic.twitter.com/NErNG2iqbY
— بنيامين نتنياهو (@Israelipm_ar) July 11, 2018
ربما رؤية البعض أن مساندة نتنياهو لكرواتيا جاءت على خلفية خلافات سياسية بين إسرائيل وبريطانيا في الوقت الراهن بعد رفض الأخيرة لقرار الولايات المتحدة الأمريكية نقل سفارتها للقدس واعتراضها على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي تكون حقيقية دون توجيه لوم مباشر لبريطانيا، ولكن الأكيد أن لأبعاد هذا الفرح الإسرائيلي بالانتصار الكرواتي أسباب تدخل في نطاق الدبلوماسية الرياضية التي أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي توجيهها عبر منصة كأس العالم.
مدرب انجلترا يشكر روسيا رغم خلافات سياسية
لا يختلف الأمر كثيرًا عندما نتحدث عن التجربة الإنجليزية ، بعدما عبر مدرب منتخب إنجلترا جاريث ساوثجيت عن شكره لروسيا على الترحيب الذي تلاقاه هو وفريقيه، على الرغم من الخلافات السياسية التي تشهدها البلدين خلال المونديال، الذي أنهاه منتخب هاري كين (لاعب انجلترا) في المركز الرابع بعد خسارته أمام بلجيكا بهدفين نظيفين.
ورغم مقاطعة العائلة الملكية البريطانية لبطولة كأس العالم بروسيا، وذلك بناء على القرار الذي اتخذ من قبل الحكومة البريطانية منذ عدة أشهر ، قال المدرب الإنجليزي «أريد أن أشكر كل الأشخاص هنا في روسيا على الطريقة الرائعة التي استقبلونا بها، وعلى التنظيم المبهر والمتطوعين وعلى الترحيب غير العادي الذي لاقيناه.
وأضاف نعلم أن هناك خلافات بين البلدين ولكن على المستوى الشخصي شعرنا بترحيب كبير هنا في البلاد، وكانت الحكومة البريطانية قاطعت بطولة كأس العالم بعدما وجهت الاتهامات موسكو بتسميم الجاسوس السابق سيرجي سكريبال هو وابنته يوليا في الرابع من مارس الماضي بغاز أعصاب سام يتم تصنيعه في روسيا.
الموقف الأشد دلالة على تأثير الرياضة على السياسة والعكس، هو إعلان الجزائر مساندتها بقوة للملف المغربي لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2026، رغم الفتور والتوتر الأزلي الذي ما زال يخيم على العلاقات بين الجارتين على خلفية النزاع حدودي أغلقت بسببه الحدود البرية بين البلدين منذ عام 1994.
الجزائر تساند المغرب رياضيًا رغم الخلاف السياسي
الموقف الأشد دلالة على تأثير الرياضة على السياسة والعكس، هو إعلان الجزائر مساندتها بقوة للملف المغربي لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2026، رغم الفتور والتوتر الأزلي الذي ما زال يخيم على العلاقات بين الجارتين على خلفية النزاع حدودي أغلقت بسببه الحدود البرية بين البلدين منذ عام 1994.
وقبل أسابيع من فوز الملف المنافس المكسيك وكندا وأمريكا بتنظيم كأس العالم 2026 ، أعلن وزير الشباب والرياضة الجزائري، الهادي ولد علي تأييد بلاده رسمياً ملف رغم العلاقات "الفاترة" بين البلدين ، ناقلًا رسالة مفادها أن رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، يدعم المغرب لاستضافة كأس العالم لكرة بكل اعتزاز.
بوتين أكثر الفائزين
مع انتهاء كأس العالم اكتشف الجميع عائد هذه البطولة الإيجابي على الدولة المنظمة والمشاركة وعلى رؤساء وقادة شاركت بلادهم في المراحل النهائية، ففي الوقت التي استضافت فيه دولة كانت تعرف في الماضي بالاتحاد السوفيتي الواقعة جغرافيًا في أوروبا الشرقية، نجحت روسيا الاتحادية، الوريث الشرعي لهذا الاتحاد في تنظيم بطولة ناجحة بكل المقاييس في عدة مدن ، ولم يقتصر النجاح فقط على التنظيم ، بل على قدرة موسكو في إظهار بلادها بأحسن شكل.
وبصرف النظر عن ما حدث في البطولة فنيًا ووصول روسيا إلى ربع النهائي، فإن بوتين هو الرابح الأكبر في كأس العالم بفضل استفادته من هذا الحدث على كافة المستويات من ناحية لترويج روسيا سياحيًا ومن ناحية الأخرى لإثباته للعالم أجمع مدى قدرة بلاده على تنظيم مثل هذا الحدث، الأمر الذي جعل أمريكا تطلب من روسيا النصيحة للاستفادة من التجربة الروسية في عام 2026 عندما تستضيف واشنطن في ملف تنظيم مشترك مع كندا والمكسيك لكأس العالم.
مارتن روجرز الكاتب في صحيفة يو.إس توداي" الأميركية أكد أن بوتين نجح خلال هذا الكأس في إصلاح الضرر الذي لحق بسمعة بلاده في أوروبا وتحقيق أقصى استفادة لمدة شهر تستضيف ، حيث أظهرت احتفالات الجماهير في الشوارع والمدن الروسية المختلفة كم هو بلد سياحي بامتياز ، حيث الطقس المشمش وعظمة وتاريخ موسكو وظهور مستويات من الود غير متوقعة بين الناس فضلا عن الأمن والأمان خلال البطولة التي خلت من الحوادث .
بوتين قبل أسبوعين قال عند افتتاح البطولة "سيفهم الناس من هي روسيا عندما يأتون إلى هنا. لا يزال هناك الكثير من الصور النمطية عن بلادنا عالقة من الماضي".
ومنح كأس العالم وانتشاره وشعبيته اللا محدودة وسط جميع الدول الفرصة لترسيخ مكانة بوتين كرجل دولة، حيث استغل الرئيس الروسي استضافة هذا الحدث من أجل عقد العديد من المباحثات مع الرؤساء ورؤساء الوزراء، كما سمحت كرة القدم لبوتين من إنجاز العديد من المهام الداخلية، مثل إقرار قانون رفع سن التقاعد الذي كان يرفضه البعض.
رئيسة كرواتيا
سلطت الأضواء على رئيسة كرواتيا كوليندا جرابار- كيتاروفيتش والرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون بصورة واسعة في نهائي كأس العالم، فرغم خسارة الكروات من المنتخب الفرنسي، خطفت كوليندا قلوب الكثير من المعجبين؛ بفضل تصرفاتها في المباريات التي حضرتها في موسكو ، الأمر الذي أدى إلى زيادة شعبيتها في بلادها.
وأشاد أحد المتابعين بتصرفات رئيسة كرواتيا رغم خسارة بلادها لقب كأس العالم وكتب: «بدت رئيسة كرواتيا لطيفة رغم قلبها المنكسر بالهزيمة محتضنة كل اللاعبين»، حيث أظهرت رئيسة كرواتيا حماسها الشديد ودعمها لمنتخب بلادها خلال البطولة وحضرت كل مباريات كرواتيا في الأدوار الإقصائية باستثناء مباراة انجلترا بسبب ارتباطها بحضور قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل، التي استغلتها ونشرت عبر حسابها الرسمى على تويتر، صورا لها وهى تهدى كلا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى قميص منتخب بلادها، ويحمل أحدها اسم ترامب والآخر اسم تيريزا ماى.
كاميرون
كما شكل فوز فرنسا بكأس العالم للرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون فرصة غير مسبوقة لاستعادة شعبيته، حيث أكد الخبراء الفرنسيين أن الرئيس الفرنسي لم يفوت الفرصة لاستغلال هذا الحدث بكل الطرق، قائلين : «المحافل الرياضية تحولت من الألعاب الأولمبية إلى المونديال، لأداة قوة».
When Benjamin Mendy asks French president Emmanuel Macron to dab 😂#WorldCupFinal pic.twitter.com/Hr2rdVkn8C
— Indy Football (@IndyFootball) July 15, 2018
وأكد أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة منطقة فرانش كونتيه ومؤرخ كرة القدم بول ديتشي في تصريحات نقلتها عنه فرانس برس أن «هذا الانتصار سينعكس حتما على فرنسا وبالاخص على الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون».