500 مليار دولار جديدة في مرمى النار.. إلى أي مدى قد تصل الحرب التجارية الأمريكية؟
الخميس، 12 يوليو 2018 10:00 ص
500 مليار دولار في مرمى التهديد
هل يسقط التنين الصيني في منتصف الحلبة؟
الحديث الأمريكي عن احتمالات الوصول إلى قائمة من الرسوم الحمائية تشمل إجمالي الواردات من الصين، يُعني أن بكين لنيكون بمقدورها مواصلة التصعيد مع ترامب أو انتهاج سياسة المعاملة بالمثل، في ضوء أن الميزان التجاري يميل بقوة في صالحها، ولا تصل وارداتها من الصين لحدود 500 مليار دولار التي تتدفق من بضائعها عابرة الحدود الأمريكية.
ميل الميزان التجاري لصالح الصين، وخريطة المنتجات الصينية العريضة التي تدخل السوق الأمريكية وتفوق عدد المنتجات الأمريكية التي تسير في المسار العكسي، تُرجح أن تكون الأضرار المباشرة على التنين الروسي أكبر، خاصة أن الرسوم الحمائية الأمريكية شملت في الدفعة الأولى 1300 سلعة بنسبة رسوم 25%، وتستهدف القرارات قطاعات النقل والدفاع والكيماويات والأجهزة الطبية والطيران والفضاء وتكنولوجيا المعلومات.
هذا التفوق الصيني الذي بدا كميزة كبرى طوال سنوات، يبدو الآن أنه يشكّل عبئا ضاغطا على التنين الصيني، يُقلل من قدراته على خوض الحرب حتى المدى الأخير، ويجعلها الطرف الأقرب للصراخ في معركة "عض الأصابع" التي تتصاعد بين البلدين يوما بعد آخر، وبينما يستطيع ترامب البقاء في المعركة لوقت طويل جدا، قد يسقط التنين الصيني بمنتصف الحلبة في أي وقت.
هل يكون الدولار نقطة ضعف ترامب؟
رغم المشهد الذي يبدو مغلقا، هناك محللون ماليون واقتصاديون يرون جانبا آخر مغايرا للصورة، وهو أن أوراق اللعب ليست كلها في يد الولايات المتحدة كما يتخيل البعض، وأن بطاقات مهمة وأكثر خطورة تحتفظ بها بكين خلف ظهرها.
في تقرير للكاتب المختص بالشؤون الاقتصادية، أمبروز إيفانز بريتشارد، نشرته صحيفة "ديلي تليجراف" البريطانية في وقت سابق، رأى "إيفانز" أن الصين تملك قدرات كبيرة وكافية لتهديد الولايات المتحدة وتشكيل خطورة كبرى على سلامها الاقتصادي، إذ تستطيع بسهولة أن تُدمر الولايات المتحدة ماليا، لكنه تدارك الأمر بالقول: "لكنها لا تجرؤ على اتخاذ هذا القرار".
فكرة إيفانز تدور حول محفظة الصين من أذون الخزانة الأمريكية (أدوات الدين التي يلجأ لها بنك الاحتياطي الفيدرالي) وتتجاوز حاليا حدود 1.2 تريليون دولار (ما يتجاوز 6% من إجمالي الناتج الأمريكي السنوي).. بحسب وجهة النظر هذه فإن بكين تستطيع توجيه ضربة قاضية لواشنطن حال تصفية هذه المحفظة الضخمة وتحويلها باتجاه سلّة عملات أخرى، والأمر نفسه مع باقي الاحتياطي الصيني البالغ 3.14 تريليون دولار، الحصة الأكبر منها بالعملة الأمريكية.
هذا السيناريو على صعوبته، يُعني إثارة موجه قاسية مثل التي أثارتها أزمة الرهن العقاري في العام 2008، وإشعال حالة من الهلع في أوساط المستثمرين وحائزي السندات والأذون الأمريكية، ما قد يتسبب في انهيار عاجل لسعر الدولار عالميا، ولأسعار السندات الأمريكية، ويخلق فقاعة مالية يصعب على الولايات المتحدة تجاوزها دون إجراءات تقشفية واسعة وعميقة، ستقود حتما إلى تآكل معدلات النمو أو تسجيل انكماش اقتصادي، خاصة أن عجز الموازنة الأمريكية يقترب من تريليون دولار، تدبرها واشنطن عبر السندات وأذون الخزانة.
الخيار السابق يظل طرحا نظريا يقترب من حدود المستحيل، أولا لأن أمور الاقتصاد لا تُدار وفق هذا المنطق، وثانيا لأن أي تأثير سلبي بهذه الضخامة على الاقتصاد الأمريكي سيطال كل دول العالم، وأول المحترقين بنيران هذا البركان الكاسح ستكون الصين نفسها، التي ستخسر كثيرا من فوائضها المالية في أجواء المضاربة والانهيار التي ستحيط بالعملة الأمريكية.
وفق هذا المنطق المعقد، لا سيناريو لهذه الحرب التجارية إلا التوافق، الذي ستكون الصين الطرف الأكثر حاجة له واضطرارا للقبول بشروطه المجحفة، لكن في كل الأحوال لا يمكن أن تستمر اللعبة بالشروط الحالية، لا واشنطن تحتمل الضغط على أسواقها الداخلية، وعلى البورصات وأسواق النفط، وعلى الحلفاء من الدول المشتبكة اقتصاديا بالتنين الصيني، ولا بكين تحتمل أن تخسر سوقا مهمة كالولايات المتحدة، أو يتطور الأمر ليصل لفرض 25% على 500 مليار دولار تربحها من الأسواق الأمريكية.. فالحقيقة أن الغول يمكنه أن يضع يده في فم التنين، لكن الأخير سيكون الأكثر صراخا.